منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الدكتور ياسر عبدالله

إسلامـــــــي - تربـــــــــوي - تعليـــــــمي - إجتماعــــــي- تكنولوجـــــــي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حرمة المال العام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علاءمحمدحسين خلف الله
عضو ملكي
عضو ملكي
علاءمحمدحسين خلف الله


عدد المساهمات : 1622
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
العمر : 42

حرمة المال العام Empty
مُساهمةموضوع: حرمة المال العام   حرمة المال العام Icon_minitimeالسبت 16 يوليو 2011 - 19:56

بقلم: د. شبل عسكر


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، اختصه الله بالقرآن، وميزه بجوامع الكلم، وفصاحة اللسان، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وزاده رفعة ومكانة لديه، ورضي الله عن آله وصحابته الأكرمين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



لماذا الحديث عن المال العام؟ لأن حجم الفساد كان أكبر مما نتخيله، فقد نُهبت مصر وسُرقت ثروتها بطريقة منظمة، ووزعت على اللصوص وقطاع الطرق الذين تجردوا من إنسانيتهم، وانخلعوا من وطنيتهم، ولكي ألفت الانتباه لحجم المأساة فإنه في السنوات القليلة الماضية استولت الحكومة المصرية بالأمر المباشر على مساحات من الأراضي تساوي مساحة خمس دول عربية مجتمعة، وهي فلسطين ولبنان وقطر والبحرين والكويت؛ أي ما يعادل 67 ألف كيلو متر مربع، بالإضافة إلى مئات المليارات التي هرِّبت وأودعت بنوك أوروبا، وهذا كله أدى إلى نهب منظم لكل مرافق الدولة ومواردها من كبار الموظفين وصغارهم، مستحلين ما حرمه الله تعالى، وانقسم الناس إلى قلة قليلة تملك كل شيء، وكثرة كاثرة وأغلبية ساحقة فقيرة معدمة مجهدة لا تملك خبزها، ولا دواءها، ولا ما تسد به رمقها ويحفظ لها كرامتها وحياتها.



أولاً: مفهوم المال:

المال هو: كل ما له قيمة, ويمكن حيازته والانتفاع به، أما المال العام: فهو الذي ليس مملوكًا لأحد ملكًا خاصًّا، والذي يُفيد منه المجتمع كله، بإشراف السلطات التي تنظم جمعه وإنفاقه، كالمياه والمراعي والمعادن، والمرافق العامة التي يستفيد منها الجميع، كالمساجد والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور، وما إليها فالمال العام يشمل أموالاً منقولة وأخرى غير منقولة.



ثانيا: المال لا يكون عامًّا إلا إذا توافر فيه شرطان هما:

1- أن يكون خاصًّا بالأمة، أو الدولة.

2- أن يخصص للمنفعة العامة؛ فالأصل في المال العام أن يكون حقًّا لجميع أفراد الأمة. وقد حافظ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- على أرض السواد- وهي الأراضي الخصبة المزروعة في جنوبي العراق- ولم يقسمها بين المسلمين؛ حتى تظل موردًا ثابتًا لبيت المال.



ثالثًا: حرمة الاعتداء على المال العام:

للمال العام حرمة كبيرة، وحماية عظيمة بموجب الشرع الحنيف، وهو أشد في حرمته من المال الخاص لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، وقد أنزله عمر بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته وحرمة أخذه والتفريط فيه قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)﴾ (النساء)، ولقد تهاون الناس في أيامنا هذه في الاعتداء على ثروات الأمة وأباحوا نهبها واستغلال مرافقها لمصالحهم الخاصة ألم يعلموا أن تعديهم وسرقتهم موجب لنقمة الله عليهم، وإنزاله بهم أغلظ العقوبة. وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- على حرمة الخوض في الأموال العامة، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة: من الآية 188)، وقال أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)﴾ (النساء)، ولا يبيح أحد لنفسه أخذ شيء بحجة أنه قليل تافه، وأن آخرين قد فاقوه بمراحل في النهب والسرقة فهذا الرجل الذي كَانَ مولى لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغلَّ شملةً، أي: ملحفةً فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده إنها لتشتعل عليه نارًا" فالشملة لا تساوي شيئًا، ولكنها أنزلت على من سرقها نارًا حارقةً، ولم ينقذه من لهيبها جهاده وشهادته في سبيل الله تعالى، وقد تكرر الفعل، وتأكدت أيضًا العقوبة فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم"، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله (الغلول: أخذ شيء من أموال الغنائم أو المال العام خفية)، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز اليهود لا تساوي درهمين".



فكيف بمن يسرق الأموال الطائلة، وينهب المرافق العامرة، ويعتدي على الأراضي الشاسعة كيف يكون عقابه؟ وروى الإمام أحمد- بإسناده- عن عدي بن عميرة الكندي. قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس. من عمل لنا منكم عملاً فكتمنا منه مخيطًا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة". قال: فقام رجل من الأنصار أسود- قال مجاهد: هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه- فقال: يا رسول الله، أقبل مني عملك. قال: "وما ذاك؟" قال: سمعتك تقول: كذا وكذا. قال: "وأنا أقول ذلك الآن. من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره. فما أوتي منه أخذه وما نهي عنه انتهى" (رواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي رافع).



يا أيها السراق: ألا تفيقون من غيكم قبل فوات الأوان وتردون إلى شعوبكم ما أخذتموه قبل أن يأتي يوم عسير تكلفون فيه بأن يرد ما أخذتم وأنى لكم ذلك؟ فقد تركتم ما خولكم الله خلف ظهوركم، ورحلتم إلى الله بلا شيء؟ ما أفظع هذا المشهد الذي يصوره لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء المجرمين، وهم يحملون سرقاتهم على ظهورهم، وتعلق في رقابهم فيفتضح أمرهم، وتنكس رءوسهم، وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال: "قام فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومًا فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره. ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد بلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت. فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد بلغتك" (وأخرجه الشيخان من حديث أبي حيان). يا ألله، رسول الله سيتخلى عنك ويتبرأ منك، ويكلك إلى جرمك فماذا بقي لك؟ وهل أنت يا من سرقت الأموال، واستحوذت على العقارات من أين لك بالقوة التي ستحمل بها كل هذا، والله لقد كلفت نفسك ما لا تطيق، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو يقول- كما جاء في المسند: " فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارًا ونارًا وشنارًا...." وقد صح عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من اغتصب شبرًا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" طوقه: أي: جعل قلادة في عنقه يوم القيامة من سبع أرضين، فيقطع له من كل الأرض المغصوبة، فيجعل في عنقه يوم القيامة.



أيها السراق، أيها المجرمون: أما يكفيكم ما أخذتم من الملايين؟ لماذا أنتم مصرون على خراب بلدكم؟ أنتم كمن يشرب من ماء البحر لا يروي ظمأه، ولا يشبع نهمته عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع" (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية أخرى: "وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل" أو كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة" رواه مسلم. وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" (رواه البخاري) قال الحافظ ابن حجر: (قوله: "يتخوضون في مال الله بغير حق" أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل) "فتح الباري 6/263". هذا في الآخرة، وهي أشد وأنكى أما في الدنيا:- فإن الله تعالى ينزع منه البركة ويحل عليه سخطه، ويفتح عليه أبوابًا للإنفاق تبتلع ما جمعه من الحرام، وتأخذ في طريقها الحلال فلا يبقى له شيء إلا خسارة الدين، وضياع الدنيا، والآخرة وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين قال: "من جمع مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر"، والمهاوش هي مكاسب السوء، والنهابر المهالك- يحرم آكل الحرام من إجابة الدعوة فلا يرفع عنه بلاء، ولا يحقق له رجاء ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)﴾ (المؤمنون)، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب لذلك؟".



من صور الاعتداء على المال العام:

1- سرقة المرافق العامة: كالكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها من الدولة لما في ذلك من الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل. وكون الدولة لا تعطي المواطن حقه لا يبيح له سرقة المال العام، فإن هذه الموارد من كهرباء وغيرها ملك لعامة المسلمين.



2- استغلال المنصب للتربح: يستغل الرجل منصبه الذي عُين فيه لجر منفعة إلى شخصه وقرابته. والمعروف أن الحكومات أو الشركات تمنح مستخدميها أجورًا معينةً فمحاولة التزيد عليها بالطرق الملتوية هي اكتساب للسحت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" لأنه اختلاس من مال الجماعة الذي ينفق في حقوق الضعفاء والفقراء ويُرصد للمصالح الكبرى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (آل عمران: من الآية 161)، كما روى الإمام أحمد، حدثنا سفيان عن الزهري سمع عروة يقول: حدثنا أبو حميد الساعدي قال: "استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلاً من الأزد يقال له "ابن اللتيبة" على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ. فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر فقال: "ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. أفلا جلس في بيت أبيه، وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده. لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، وإن بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر".. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه. ثم قال: "اللهم هل بلغت؟"- ثلاثًا-.. (أخرجه الشيخان).



3- الإسراف في استخدام المال العام:

الإسراف في استخدام المال العام، ومن صوره: (تبديد الأموال العامة في الإنفاق على الأبنية، والأثاث- المبالغة في استخدام المقتنيات العامة في الأمور الشخصية- إقامة الحفلات، والدعايات ببذخ على الدعاية، والإعلان والنشر في الصحف والمجلات في مناسبات التهاني، والتعازي والتأييد والتوديع.



4- الإتلاف: قد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني، والحدائق، وأثاث المدارس بصورة متعمدة، ويتخذ التخريب صورًا متعددةً, منها: تشويه منظرها بالكتابة عليها, أو كسر النوافذ الزجاجية منها, أو إتلاف الأشجار.



5- الاستيلاء: ويقصد به أن يضم شخص بصور مباشرة جزءًا من المال العام إلى ماله الخاص، ويكون الاستيلاء بطرق متعددة, منها: الاختلاس، والنصب، والاحتيال، وقد يكون الاستيلاء بطريقة غير مباشرة؛ كأن يسهل لشخص آخر الحصول على المال العام مقابل الحصول على جزء منه.



6- الغش: وأكثر ما يكون هذا في تنفيذ العقود المتعلقة بالمال العام؛ فبعض الشركات التي تقوم بتنفيذ عقود المقاولات، والأشغال العامة لا تفي بالشروط التي يتم الاتفاق عليها، ويزداد الغش كلما قلت الرقابة على تنفيذ تلك العقود. ومما يساعد على الغش تقديم الرشوة للموظف المسئول عن مراقبة التنفيذ، ولا جدال في أن انتشار الرشوة يضر بالمال العام ضررًا كبيرًا، ولهذا جاء تحذير الإسلام من الرشوة, وتهديد الراشي والمرتشي من عذاب الله يوم القيامة.



7- الإهمال: قد يرتكب الموظف في حق المال خطأً تترتب عليه جوانب جسيمة تضر بذلك المال، ويقصد بالإهمال عدم بذل المسئول الجهد الذي يتطلبه عمله، أو وظيفته، وقد اعتبر الإسلام الموظف الذي يؤدي عمله ويصون ما تحته من أموال، ومرافق، ولا يعرضها للتلف والخسارة مجاهدًا في سبيل الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العامل إذا استُعمِل فأخذ الحق، وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته".



الأسباب المعينة على المحافظة على المال العام:

1- تربية النفس على مراقبة الله في السر والعلن والخشية منه "فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فإذا كان لا يراك أحد، وأنت تسرق أو تغش أو تهدر أموال الأمة في ملذاتك، وتكنزها في حساباتك فإن رب الناس يراك وسيفضح أمرك ويكشف سترك لأنك لم تحفظ الأمانة، ولم تقدر المسئولية وكانت تربية الضمير على مراقبة الله، ومشاهدته في السر والعلن هو الحاجز من كل خيانة، والضامن من وساوس الشيطان وضعف النفس عن مقاومة سحر المال وجاذبيته، روى ابن جرير الطبري في تاريخه قال: لما هبط المسلمون المدائن، وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض. فقال والذين معه: ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه. فقالوا: هل أخذت منه شيئًا؟ فقال: أما والله لولا الله ما آتيتكم به. فعرفوا أن للرجل شأنًا. فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني! ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه. فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا عامر بن عبد قيس.. وقد حملت الغنائم إلى عمر- رضي الله عنه- بعد القادسية، وفيها تاج كسرى، وإيوانه لا ُيقَوَّمان بثمن، فنظر- رضي الله عنه- إلى ما أداه الجند في غبطة وقال: "إن قومًا أدوا هذا لأميرهم لأمناء".



2- أن يكون اختيار من يتولون المناصب العامة قائمًا على الأمانة والعفة وحسن الخلق بالإضافة إلى الكفاءة، والعلم كما قال يوسف للعزيز: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾ (يوسف)، وكما قالت ابنة الرجل الصالح في حق موسى- عليه السلام- ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ (القصص: من الآية 26)، وأن نبتعد في من نقلدهم أمور الناس عن المحاباة والمجاملة للعائلة أو الحزب أو الجماعة أو الطائفة.



3- مساءلة الولاة ومحاسبتهم عن أسباب تضخم ثرواتهم، وتشديد العقوبة عليهم إن ثبتت سرقتهم وتربحهم، واستغلال نفوذهم، وقد سأل عمر رضي الله عنه أبا هريرة واليه على البحرين من أين اجتمعت له عشرة آلاف درهم؟ فأجاب أبو هريرة: خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، وسهامي تلاحقت. فأمر بها عمر فقبضت "أبو عبيد: الأموال 282- 283، وابن سعد: الطبقات 4: 335 إن عمر يحسب حسابًا للهدايا التي يحصل عليها الولاة من الناس، وكذلك محاباة الناس للولاة في المعاملات المالية من مضاربة، ومؤاجرة، ومساقاة، ومزارعة، وبيوع، ولهذا أخذ عمر رضي الله عنه نصف أموال عدد من الولاة من أصحاب الفضل والدين والأمانة لأجل هذه المحاباة دون أن يتهمهم بالخيانة، وثبت أن عمر رضي الله عنه عاقب الصحابي أنس بن مالك لأنه فرط في حفظ ستة آلاف درهم من الأموال العامة استودعها عند أنس، فضمنه إياها، ويبدو من السياق أن عمر شعر بوجود إهمال في حفظها ولم يتهم أنسًا "ومن ثبت انتهابه وسرقته يطبق عليه أقسى العقوبات الرادعة له ولمن تسول له نفسه سرقة الوطن، وأنا مع الإمام مالك الذي يرى قطع السارق من بيت المال أو من مال المغنم ويرى الشافعية القطع في سرقة المال العام إذا خصص لطائفة لا يدخل فيها, كأن خصص للفقراء وليس منهم, فالقطع واجب إذا لم يكن له حق في المال "(نهاية المحتاج ج7 ص424).



4- أن يكون المجتمع واعيًا لحقوقه مدركًا لمسئولياته والتي منها محاسبة المسئولين والأخذ على أيديهم وفضحهم إن لزم الأمر في وسائل الإعلام فحماية المال العام نحن مخاطبون بحراسته والمحافظة عليه، ولا يعفى في هذا أحد، والعلماء لهم دور كبير في ذلك بما لهم من كلمة مسموعة وهيبة في نفوس الناس فقد ذكروا أن الفقيه منذر بن سعيد كان في الأندلس أيام عبد الرحمن الناصر الذي أنشأ مدينة الزهراء، وأنفق عليها الأموال الطائلة حتى أنه اتخذ للصرح الممرّد قبة من ذهب وفضة فما كان من الفقيه منذر إلا أن وقف، وبحضور الناصر مؤنبًا له قائلاً: ما كنت أظن أن الشيطان أخزاه الله يبلغ بك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين، مع ما آتاك الله وفضلك على العالمين، حتى أنزلك منازل الكافرين، فاقشعر الناصر لهذا القول، وقال له انظر ما تقول، فرد عليه منذر: ألم تقرأ قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)﴾ (الزخرف)، فوجم الناصر، ودموعه تجري ثم قام شاكرًا للفقيه منذر، وأمر بنقض القبة، إنه موقف لرد انحراف الناصر في استخدام المال العام، وبذلك كان الفقيه وكيلاً عن أموال الشعب يدافع عنها ويعرض نفسه للخطر من أجلها.



5- أن يفرض لمن يتولون مناصب الدولة، ويقومون على رعايتها والحفاظ على مواردها، ومقدراتها رواتب تكفيهم، وتغنيهم عن التطلع إلى أموال الدولة، والتحايل في أخذها فقد فرض المسلمون لأبي بكر لما تولى الخلافة ستة آلاف درهم، وكان عمر يقول: "أنا أخبركم بما أستحل من مال الله، حلة الشتاء والقيظ وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم" تاريخ المدينة لابن شبة (2/698) الأثر صحيح، وكان يقول: "اللهم إنك تعلم أني لا آكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي، ولا آخذ إلا حقي" عصر الخلافة الراشدة ص 218. وكان يقول: "إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، من كان غنيًّا فليستعفف، ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف" الطبقات (3/313)، (عصر الخلافة الراشدة ص 218).



التوبة من سرقة المال العام:

إلى هؤلاء الذين اعتدوا على أموال الأمة ونهبوا ثروتها نقول لهم توبوا قبل فوات الأوان وإن أردتم أن تكون توبتكم صادقة فعليكم برد ما أخذتم وينبغي ألا تترددوا في هذا لحظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه الترمذي، وإن كانت قد حصلت زيادة في هذا المال أو منفعة، فإنها ترد حيث يرد الأصل. ولا يجوز للإنسان أن ينفق هذا المال على نفسه، أو على من يعول، أو في مصلحته، أو مصلحتهم، وإن كان محتاجًا حتى تبرأ ذمته إلى الله سبحانه من هذا المال الحرام ولا يحل ذلك إذن الحاكم أو المسئول، لأنه لا يملك هذا، وإنما هو وكيل عن الأمة وخليفة عن الله عز وجل، وإثم الحاكم الذي يعطي من لا يستحق العطاء، أو يعلم ويسكت ولا يحاسب على ذلك، لا يقلل من إثم الآخذ إن لم يزد عليه.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حرمة المال العام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حرمة القرآن الكريم
»  حرمة تعليق ما يسمي بـ (حرز أبي دجانة)
» انفاق المال (الطالبة:مروي سعيد احمد حسين م(4)انجليزي)
» امتحان مادة علم النفس الفروق الفردية(الدبلوم العام نظام العام الواحد)
» الإنفاق في القرآن في القرآن الحكيم آيات كثيرة تحث على الإنفاق بلفظ الإنفاق كما أن هناك آية ذكر فيها الخمس وآيات ذكرت فيها الزكاة وقال بعض العلماء: إن المراد بالزكاة مطلق أداء المال إلا إذا كانت هناك قرينة على الخصوصية واستدلوا بقوله سبحانه: (وأوصاني بالص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الدكتور ياسر عبدالله :: ملتقى أهل الإيمان والمكتبة الإسلامية :: ملتقي أهل الإيمان ومكتبة المعارف الإسلامية :: ملتقى العلماء والدعاة وطلبة العلم-
انتقل الى: