ومضات ربانية للمتحابين

بقلم: فاطمة الزمر

تعلمنا منها عمليًّا معنى الربانية، إنها عطاء بلا حدود دون أدنى مقابل، كانت مثالاً للعطاء في الحب الخالص لوجه الحق جل وعلا، لا تبتغي غير رضا الرحمن عز وجل فكانت نعم الأخت في الله، ثم شاء الله عز وجل أن ينتهي عمرها في آخر الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان منذ سنوات، ولكنها أنارت ومضات الحب في حياتنا، وعرفنا منها أن تلك العلاقة القوية التي تربطنا إلى الأبد هي علاقة قوية راسخة، لا يحس بها إلا من يعيشها.. علاقة الحب والأخوة التي لا تشوبها شائبة ولا يلوث نقاءها شيء، علاقة لو يعلم ملوك الدنيا ما نحن فيه لقاتلونا عليه بحد السيوف.. ومضاتها صارت نورًا يضيء طريقنا.. ومضات دنيوية وأخروية، لو تحدثنا عنها فلا يكفيها مجلدات؛ لكن سنحاول أن نلقي الضوء على بعضها.



الومضة الأولى: هي التراحم بين الناس؛ لقوله عز من قائل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: من الآية 29) فنحن نفتقد الرحمة والتراحم في عصرنا الحالي.. في تعاملاتنا اليومية بين الكبير والصغير، بين الرئيس والمرءوس، بين الموظف وصاحب الحاجة.. إلخ.



الومضة الثانية: هي أن الإنسان يحس برضا الرحمن عنه وحبه له؛ لأنه كما بشر المعصوم فى حديثه: "إن الله إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل، إني أحب فلانًا، فيوضع له القبول في الأرض"، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان في قلبه، ويجد جميع من حوله يحبونه ويحترمونه ويجد كلمته مسموعة ورأيه يحترم ونصيحته محل ثقة الجميع، ويجد من يدعو له بظهر الغيب بالتوفيق والسداد ودوام الصحة والسعادة.



الومضة الثالثة: أناس يقفون بجانبه في أحلك ظلمات الحياة وأصعب مواقفها دون أي مقابل يأخذونه؛ من أجل الحي القيوم، فيكون نعم المنقذ.. فيسرعوا لإغاثة الملهوف، ونجدة المستغيث.. وهذه كلها مما يمكن أن نسميه ومضات دنيوية.



أما الومضات الأخروية التي أدركناها، فمنها: الومضة الأولى، وهي منابر من نور يأتي عليها قوم تحابوا في الله.. اجتمعوا عليه وتفرقوا عليه.



الومضة الثانية، في الآخرة ظل الله عز وجل، في يوم شديد الحرارة لا مثيل له في شدته؛ لأنه كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".



الومضة الثالثة، مجالسة النبي وصحبه في الجنة؛ لأن المرء يحشر مع من أحب.



الومضة الرابعة، فهي دخول الجنة؛ لبشرى المصطفى صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا".



الومضة الخامسة: التي تعلو على كل الومضات ولا تعلوها ومضات الدنيا والآخرة كلها هي حب الله عز وجل للمتحابين فيه؛ حيث يقول في الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في".



نتذكرها بالرحمات وندعو لها الله أن يدخلها فسيح جناته، وأن يرحمها رحمة واسعة، وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ولا يجعله حفرة من حفر النار، وأن يغسلها بالماء والثلج والبرد، وأن ينقها من خطاياها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. فهي من علَّمتنا حقوق الحب في الله وواجباته، وأهم الأعمال التي يفعلها المتحابون في الله؛ ليرضى ربهم عنهم حتى يكونوا في زمرة المتحابين.



وأختم حديثي بالدعاء لها بالمغفرة والرحمة، والدعاء لأهلها بأن يلهمهم الصبر والسلوان على فراقها، وندعو: "اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.. اللهم كما رزقتنا بما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغًا لنا فيما تحب".

آمين يا رب العالمين.
تحياتى لكم،،،،،،،،،،،،،،،،،،