منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الدكتور ياسر عبدالله

إسلامـــــــي - تربـــــــــوي - تعليـــــــمي - إجتماعــــــي- تكنولوجـــــــي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 علم النفس الاسلامى (الوراثه والبيئه)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمرعبدالغفار
مشرف سابق
مشرف سابق
عمرعبدالغفار


عدد المساهمات : 1326
تاريخ التسجيل : 02/06/2010
العمر : 48

علم النفس الاسلامى (الوراثه والبيئه) Empty
مُساهمةموضوع: علم النفس الاسلامى (الوراثه والبيئه)   علم النفس الاسلامى (الوراثه والبيئه) Icon_minitimeالأحد 15 مايو 2011 - 10:29

ان ثمة (أصلاً نفسياً) عاماً، يرثه الكائن الآدمي من خلال ظاهرة (الاستعداد) أو (القابلية) أو (القوة).
وهذا الأصل هو المحرك لكل أوجه النشاط البشري: سواء أكانت متصلة بالجانب البيولوجي من الشخصية أم بالجانب النفسي منه.
ومن الحقائق المألوفة في هذا الميدان، ان (الأصول البيولوجية) كالجوع والعطش والجنس ونحوها تظل (أصولاً) نرثها من خلال (الفعل)، أي: إننا نولد مزودين بها "فعلاً" على نحو لا يمكننا أن لا نتناول طعاماً، أو لا نمارس عملية تنفس مثلاً،... بيد أن الأمر مختلف تماماً في ميدان (الأصول النفسية)، فنحن لا نولد مزودين بنزعة "عدوانية" مثلاً، أو بسمة نفسية كالبخل، أو سوء الأخلاق أو نحوها، بل نكتسب هذه السمات من خلال (التنشئة) الاجتماعية: كلما في الأمر، اننا نرث (قوة) أو (قابلية) على الاتسام بهذه الصفة أو تلك.
والأمر ذاته فيما يتصل بطرائق الاشباع لحاجاتنا البيولوجية، (لا أصل الحاجة نفسها: لأن الحاجة نفسها ـ كتناول الطعام ـ لا مناص من اشباعها)، كما قلنا. بيد أن طريقة ا لتناول ودرجة البحث عنها وتنظيمها تشكل (أصولاً نفسية) نكتسبها من خلال (التنشئة) أيضاً. ومع اقرارنا بمثل هذه الحقائق،... إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة التي تجعل (الأصل النفسي) وكأنه غير خاضع لأية وراثة حتى ولو كانت ضمن شروط أو ظروف خاصة.
إن التصور الإسلامي لهذه الظاهرة من الوضوح بمكان كبير، كما تقدم، لكنه يقرر نمطاً من وراثة طارئة نحاول من خلال هذا الفصل أن نحدد مستوياتها.
أما البحوث الأرضية، فقد تفاوتت وجهات النظر لديها في هذا الصدد، فاتجه بعضها على القول بوراثة (الأصول النفسية)، واتجه آخر إلى انكارها، واتجه ثالث إلى التزاوج بينهما: مع ملاحظة أن بعض هذه الأصول (وبخاصة: الأصل العقلي) يكاد يتم اليقين بوراثتها إلا لدى نفر قليل، يلي ذلك: الأصل المتصل بـ(مزاج) الشخصية،... ثم الأصل المتصل بـ(سمات) الشخصية: ثم (الأصول الأخلاقية) في نهاية المطاف. وبعامة، فإن الاصطراع بين الوراثة والمحيط في الأصول النفسية يأخذ مستويات متنوعة لدى علماء النفس، ونحاول الآن الوقوف عند تلك المستويات ونبدؤها بـ:
1 ـ الأصول العقلية_تظل (المهارات العقلية) موضع تسليم (إلى حد ما) من حيث صلتها بالوراثة، وخضوعها للبعد المذكور. ولا تجدنا بحاجة إلى التوكؤ على الدراسات والاختبارات والتجارب الأرضية المختلفة في هذا الصدد. بيد أن بعض الاتجاهات الأرضية تنفي هذا الطابع بنحو بالغ المدى. وفي مقدمتها: الاتجاه (الشرطي) في علم النفس: (مدرسة بافلوف والاتجاه النفسي المعاصر بعامة في الاتحاد السوفيتي). وقد قدم رواد هذا الاتجاه دراسات مختلفة عن المهارات العقلية، وأكدوا أنها مهارات (مكتسبة) تخضع لأنظمة (الفعل المنعكس الشرطي). ولكي تتضح معالم هذا الاتجاه، يحسن بنا أن نتبسط في طرح المفاهيم الأساسية لديه، ولنتقدم بمثال في هذا الصدد:إذا مس يدك تيار كهربائي طفيف، فإنك ستستجيب لهذا المنبه: بحسب اليد. وهذه الاستجابة هي (فعل منعكس) فطري. أما إذا صاحب العملية المذكورة دق جرس مثلاً، فإنك ستسحب يدك أيضاً (في حالة تكرار المصاحبة) نظراً لوجود الرابطة بين الجرس والتيار الكهربائي. وهذه الاستجابة هي (فعل منعكس شرطي): أي: أنه عملية (نفسية) اشرط من خلالها ما هو حسي (تيار كهربائي) بما هو (نفسي): الجرس. ويسمى هذا الاشراط بـ(النظام الاشاري الأول) بصفة أن (الجرس) وهو خصيصة نفسية أصبح اشارة دالة على خصيصة حسية.وحينما تستخدم الاشارة اللفظية، أي: النطق بكلمة (جرس) أو كتابتها، فإن الاستجابة المتمثلة في (سحب اليد)، ستتم بدورها بالمستوى ذاته: مادامت (الكلمة المنطوقة أو المكتوبة) تشكل (رمزاً) لصوت الجرس. ويسمى هذا الاشتراط بـ (النظام الاشاري الثاني) بصفة أنه مشير إلى النظام الأول. وفي ضوء هذا المفهوم الأساسي للأفعال المنعكسة الشرطية يمكننا أن نتقدم لمعرفة التفسير الذي يقدمه (الاتجاه الشرطي) في ذهابهم إلى أن المهارات العقلية (مكتسبة) لا موروثة. ففيما يتصل بالحس الايقاعي عند الشخصية مثلاً، درب الأطفال الذين فقدوا الحس المذكور، أو الذين ضؤل الحس الايقاعي لديهم... دربوا في عدة دورات أمكن بعدها أن يحصلوا على نتائج إيجابية في هذا الصدد فيما انتهى التجريب إلى الحقيقة القائلة بأن الحس الايقاعي إنما ينشأ من ارتباطات صوتية تمثل استجابات لمنبهات صوتية (مركبة) تكون فهيا طبقة الصوت هي المنبه الأقوى. وهذا يعني أن الظاهرة تتركز أولاً وأخيراً على الفعل المنعكس الشرطي، وهو طابع نفسي بيئي صرف.
والحق، إن هذا الاتجاه إذا كان محكوماً بالصواب في تحديده لقيمة (البيئة)، فإنه لا يضاد القيمة الوراثية للظاهرة، فالتجارب التي قامت بها اتجاهات أخرى، قد واكبها الصواب أيضاً في تحديدها للطابع الوراثي وانسحابها على الظاهرة: حيث فشلت كل الدورات التجريبية التي حاولت أن تجعل من عديم (الحس الايقاعي) أو ضئيلة، شيئاً آخر منها مثلاً: الدراسات التي انتهت إلى تماثل الحس الايقاعي لدى (التوائم المتماثلين) حينما اخضعوهم لبيئات مختلفة كل الاختلاف وكانت النتيجة تماثلهم في هذا الصدد. كما تماثلوا في السمات النفسية أيضاً: حيث كان الطبع الحاد، والركود النفسي والقلق ونحوها من السمات المتماثلة لدى التوائم بارزاً بالرغم من اختلاف المحيط. وإذن: التجارب التي توفر الاتجاه الشرطي عليها، قد جوبهت بتجارب مماثلة، لدى عديمي الحس الايقاعي، وانتهت إلى نتيجة مضادة سجلت لصالح الوراثة.
ان ثمة حقيقة لا سبيل إلى انكارها، وهي،... إن المنبهات الصوتية المركبة (والحديث عن الاتجاه الشرطي)، لها إسهامها في (تعديل) الحس الايقاعي أو تضخيمه مثلاً، دون أن تستطيع مجاوزة ذلك إلى (خلقه) أو ايصاله إلى الدرجة التي يفرزها البعد الوراثي. وتظل النتيجة محكومة بامكان التعديل فحسب.
والغريب ان الاتجاه الشرطي يحاول تعميم الظاهرة حتى في مجالات الترابط الشرطي أو الايحاء اللذين يتبادلان التأثير مع الأصول العضوية، ويعكسان أثرهما الواضح فيها. من ذلك مثلاً: تجربة الماء الساخن في درجته الحرارية (110): حيث (أشرط) برنين الجرس كانت الاستجابة حياله، تتمثل في: (تمدد) الأوعية، وعندما استبدل الماء بدرجة (150): فيما تستجيب له الأوعية عادة بـ(التقلص) بدلاً من (التمدد): جاءت النتيجة محكومة بنفس الاستجابة للماء البالغ (110). أي: كانت الاستجابة من خلال اشراط الجرس هي: (التمدد) ذاته. أن هذه التجربة، تتصل ـ كما هو بين ـ بظاهرة (الايحاء) أو الترابط الشرطي ـ حسب لغة هذا الاتجاه).إن تعاطي المريض ـ على سبيل المثال ـ بعض العقاقير المنومة لأيام معدودة، واستبدالها بعقاقير محايدة بعدئذ يشكل نموذجاً بسيطاً لبعض أشكال الطب العقلي لدى هذا الاتجاه. وعندما يتناول المريض هذه الحبوب المحايدة فإنه يتمتع بنوم أشد عمقاً من النوم المعزز بالحبوب المنومة. وما ذلك إلا بسبب من (الترابط الشريطي) بين النوم وتناول الحبوب. ولكن هل هذا يعني أن النوم (وهو أصل عضوي) عديم الصلة بالبعد الوراثي؟؟
إن عملية النوم لا تتميز عن عملية (التمدد) أو (التقلص) في الأوعية من حيث كونها افعالاً منعكسة فطرية: ومجرد خضوعها للمنعكسات الشرطية لا ينفي عنها سمة (الثبات). انها ـ تماماً ـ مثل سائر الاستجابات العضوية الصرف: فيما يقر الاتجاه الشرطي بوراثتها من نحو: الأفعال الخاصة بالطعام، والجنس والنوم ونحوها مما تشكل استجابة فطرية صرفاً. فالتوتر العضلي للمعدة لا يزاح إلا بالطعام... بيد أنه من الممكن ازاحته من خلال (ارتباطات شرطية) غائبة عن وعي الجائع على نحو الغياب الذي غلف المجرب عليه في الماء الساخن. ومن هنا، فإن التجربة المذكورة تسقط أساساً في حالة وعي المجرب عليه باستبدال الماء (بدرجة 150): حيث سيستجيب حتماً (بتقلص) أوعيته بدلاً من (التمدد).

وإذن: ان استثمار تجربة ايحائية أو شرطية على النحو المذكور، وتمريرها على السلوك البشري بعامة لنفي البعد الفطري يظل أمراً قائماً على اللعب بالحقائق.
على أي حال، فإن الاتجاه الأرضي النافي للوراثة، أو الاتجاه المضاد النافي للبيئة، يظلان ـ من حيث تجربة الأرض ذاتها ـ منعزلين إذا قيسا بالاتجاه الثالث الذي يميل غالبية البحث المعاصر إليه: ونعني به الاتجاه الذاهب إلى تآزر البيئة والوراثة.
وحين نتجه إلى التصور الإسلامي للظاهرة، نجده يحسم الموقف بوضوح، حينما يؤكد أن الأصول العقلية بعامة. تخضع لنمط ثابت من الوراثة بشكل عام، كما انها تخضع لوراثة طارئة في نطاق خاص، مضافاً إلى ذلك أن (البيئة) لها اسهامها في هذا الصدد أيضاً. ولنستمع إلى ما يقرره الإمام الصادق "ع" عن (المهارة العقلية) في مستوياتها الثلاثة، عبر مقابلة أجراها أحدهم:
"قلت لأبي عبد الله (ع):الرجل آتية وأكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله.
ومنهم: مَن آتية فأكلمه بالكلام، فيستوفي كلامي كله، ثم يرده علي كما كلمته.
ومنهم: من آتيه فأكلمه فيقول: أعد عليّ.
فقال (ع):وما تدري لم هذا؟
قلت: لا.
قال (ع): الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرفه كله: فذاك من عجنت نطفته بعقله.
وأما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك: فذاك الذي ركب عقله في بطن أمه.
وأما الذي تكلمه بالكلام فيقول: أعد عليّ: فذاك الذي ركب فيه بعدما كبر".[1]
إن هذا النص يفصح عن حقائق كل من (الوراثة) و(البيئة) (من حيث المهارة العقلية) بنحو يتحتم الوقوف عندها ملياً، نظراً لخطورة الحقائق المذكورة. ولحسن الحظ، إن غالبية الاتجاهات الأرضية قد انتهت لهذه الحقائق التي قررها المشرع الإسلامي.
والمهم، أن النص المذكور يحدد:
أولاً: وجود بعد فطري عام للنوع الإنساني كله، فيما يتم من خلال ما يسميه الأرضيون بـ(الموروثات النقية). ثانياً وجود بعد (قبل ولادي) فيما يسمى بـ(بيئة الرحم). ثالثاً: وجود بعد بيئي (بعد ولادي) وهو بيئة الأرض. وحين نقف مع التحديد الأول (الوراثة النقية)، نخلص منه على حقيقة مؤداها: إن المهارة العقلية في نقائها التام تطبع كل الآدميين على النحو الذي تطبع به سائر الأصول العضوية والحيوية لهم. وبكلمة أخرى: ان النوع الإنساني كله يرث ـ على حد سواء ـ مهارة عقلية لا يشوبها خلل أو تخلف أو تفاوت بين درجاتها وهو ما عبر عنه النص بقوله: (ع) (فذاك من عجنت نطفته بعقله) متمثلاً في ذلك الرجل الذي يفهم الكلام كله بمجرد الاستماع لبعضه.
بيد أن الخلل في المهارة العقلية أو التفاوت في درجاتها إنما يجيء نتيجة لوراثة طارئة (إذا صح هذا التعبير) متمثلة ـ في جملة ما تتمثل به ـ في بيئة الرحم.
ومن البين ان التغيرات المصاحبة للحمل، تعكس أثرها على الجنين: فالصدمة مثلاً، أو ارتفاع درجة الحرارة، أو سوء التغذية، تترك آثارها الواضحة على دماغ الجنين منعكساً في ضعف أو خلل عقليين.
ولذلك، نجد المشرع الإسلامي ـ كما سنرى لاحقاً ـ يعنى ببيئة الرحم، ويقدم توصيات شتى في هذا الميدان بغية تحسين النسل وتنقيته من كل الشوائب.
والمهم ان المشرع الإسلامي أشار إلى بيئة الرحم أو ما يمكن تسميته بمكونات الوراثة الطارئة، من أنها تتدخل في تكييف المهارات العقلية ونقلها من صعيد الوراثة النقية الثابتة إلى الوراثة الطارئة المشوبة ببيئة الرحم. وهذا ما عناه قوله (ع): (فذاك الذي ركب عقله في بطن امه) متمثلاً في ذلك الرجل الذي يستوفي الكلام لا بعضه، ثم يرده كما هو، أي: أنه يتمتع بمهارة عقلية متوسطة بالقياس إلى المهارة الفائقة التي يتمتع بها صاحب الوراثة النقية.
على ان ثمة ملاحظة جديرة بالاعتبار، ألا وهي أن التركيبة العقلية للجنين في بطن أمه لا تعني بيئة الرحم فحسب، بل من المظنون جداً، ان الإمام الصادق (ع) كان يعني بذلك نمطين من الوراثة الطارئة: أحدهما ما تقدم الحديث عنه وهو (رحم الأم). وأما الآخر فهو: وراثة (النطفة) ذاتها خلال الانعقاد: بصفة أن الوراثة النقية من الممكن أن يطرأ عليها (التغير) بسبب بيئي صرف، فينسحب بدوره على التكوين العصبي للشخصية، وانسحاب ذلك ـ من ثم ـ على (مورثاته ـ الجينات) ثم انسحاب هذه الأخيرة على النطفة المنعقدة. ومثال ذلك: تناول الكحول مثلاً، فهي تسبب تلفاً في خلايا المخ، ويصبح هذا الخلل جزءا من النظام العصبي للشخصية، فينسحب على (جيناته) التي تستقر نطفة في رحم الأم.
على أي حال يعنينا مما تقدم أن نشير إلى أن الإمام الصادق (ع) ألمح إلى الوراثة النقية التي تطبع النوع الإنساني كله. ثم ألمح ـ في التحديد الثاني ـ إلى الوراثة الطارئة (ما قبل الانعقاد وخلاله): أي بيئة الرحم وتدخلها عاملاً مهماً في تغيير السمات النقية من الوراثة الثابتة (والاتجاهات الأرضية لا تكاد تختلف عن التصور الإسلامي فيما يتصل بالوراثة الطارئة، أو وراثة (المحيط) بعامة كما سنرى).
أما التحديد الثالث فيتصل بالمهارة العقلية التي تحددها (البيئة): بيئة ما بعد الولادة فصاعداً. وقد عبر الإمام (ع) عن ذلك بقوله: (فذاك الذي ركب فيه بعدما كبر) متمثلاً في ذلك الرجل الذي لا يستوعب كلام السائل بحيث يطالب باعادة الكلام. وواضح أن هذا النمط من الذكاء يمثل انحطاطاً ملحوظاً في المهارة العقلية. ولسوف نرى لاحقاً أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) في تحديده لمراحل النماء العقلي يشير إلى أثر (التجارب) في العملية المذكورة، كما سنرى أن أئمة أهل البيت (ع) يشيرون إلى أهمية (التعلم) في مرحلة الطفولة، مثلما يقدمون توصيات متنوعة لمراحل ما قبل الولادة. كل أولئك حينما نضعه في الاعتبار امكننا أن ندرك دلالة قول الصادق (ع) عن تركيبة العقل بعد الكبر وموقع ذلك من عنصر (البيئة) وخطورتها في ميدان المهارة العقلية.
مضافاً إلى ذلك فإن تجارب البحث الأرضي عن (التعلم) المبكر وخطورته في الميدان المذكور يظل أمراً لا حاجة إلى التعقيب عليه.
وأخيراً، فإن الإمام الصادق (ع) (في الوثيقة المتقدمة) حسم الموقف بوضوح في تحديده لكل من عنصري الوراثة والمحيط ومستويات كل منهما في ضوء المحددات العامة والخاصة للظاهرة، وقبال هذا التحديد تنتفي الأهمية لأي بحث أرضي يتردد أو يجنح لاتجاه لا يضع تِلكم المحددات العامة والخاصة بنظر الاعتبار.
ولحسن الحظ ـ كما أشرنا ـ فإن غالبية البحث المعاصر قد انتهت لهذه الحقائق التي قررها المشرع الإسلامي.
2 ـ الأصول النفسية
إن الوثيقة التي قدمها الإمام الصادق (ع) عن المهارات العقلية وصلتها بالوراثة الثابتة والطارئة تظل مبدأ عاماً للأصول النفسية بأكملها أيضاً.
وإذا كان البحث الأرضي في بعض أشكاله أو غالبيتها يصطنع فارقاً بين الأصول العقلية والنفسية من حيث شمول الطابع الوراثي للمهارات العقلية وفق نسب مختلفة وضمور أو انعدام الطابع الوراثي للسمات النفسية،...
أقول، إذا كان البحث الأرضي يلفه مثل هذا الاصطناع بين ما هو عقلي وبين ما هو نفسي، فلأن دراساته وتجاربه عن السمات العقلية وفرت لديه القناعة بامكانات خضوعها للوراثة بنسب أكبر حجماً بالقياس إلى السمات النفسية. ومع أن هذه الحقيقة لا تخلو من الملاحظة الصائبة، إلا أنها لا يمكن أن تأخذ صفة التعميم بقدر ما ينبغي أن نخضعها أيضاً للشروط الخاصة التي لحظناها عند حديثنا عن المهارة العقلية.
ومن هنا، فإن المشرع الإسلامي يخضع الظاهرة النفسية لمحددات عامة وخاصة: تأخذ كلا من الوراثة والمحيط بنظر الاعتبار وفقاً لشروط معينة تتحكم في الظاهرة وقبل أن نقدم النصوص الإسلامية في هذا الصدد، ينبغي أن نشير عابراً لملاحظة سنتحدث عنها مفصلاً في موقع لاحق،... وهذه الملاحظة تتمثل في اصطناع التفرقة بين نمطين من الأصول النفسية:
أ ـ السمات الفكرية، أو ما يطلق عليه الباحثون كلمة (الاتجاه).
ب ـ السمات النفسية الخالصة.
والمشرع الإسلامي يصطنع حيناً مثل هذا الفارق، لكنه يردمه حيناً آخر أيضاً. والسر في ذلك عائد إلى أن المشرع يأخذ بنظر الاعتبار (وحده) السلوك البشري في خضوعه لمفهوم العبادة أو الخلافة على الأرض، فتتلاشى حينئذٍ فارقية الأصل النفسي والأصل الفكري، إلا أنه ـ في الحين ذاته ـ يتجه إلى الكائن الآدمي بعامة، راسماً له معالم السلوك السوي بغية الافادة منها: بغض النظر عن هوية الكائن المذكور وموقفه الفلسفي من الكون.

في ضوء الملاحظة المذكورة، نعود إلى وجهة النظر الإسلامية عن المحددات العامة والخاصة للأصول النفسية بدلالتيهما المتقدمتين، فنجدها متمثلة في نمطي الوراثة الثابتة (النقية) والوراثة الطارئة.أما الوراثة النقية فتتمثل أولاً في ظاهرة (الاستعداد)، أو (القوة) حيث أشرنا إلى أن الطبيعة البشرية ترث مجرد (استعداد) لممارسة هذا الأصل النفسي أو ذاك: حسب محددات البيئة التي تترجم (الاستعداد)، أو (القوة) إلى (الفعل) يختاره الفرد بمحض أرادته وليس على نحو (الفرض). طبيعي، ثمة فارق بين الوراثة الثابتة أو النقية التي تحدثنا عن خضوع المهارة العقلية لها، وبين خضوع (القوة) أو (الاستعداد) لها، فالأول ـ أي المهارة العقلية ـ يجسد عنصراً ايجابياً هو: الذكاء في درجته الفائقة. أما الآخر ـ أي (الاستعداد) ـ فهو عنصر محايد يجسده الكائن الآدمي في سلوك لاحق بالشخصية: قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً حسب نمط (الفعل) الذي يختاره بمحض إرادته. بيد أن الوراثة النقية تأخذ دلالتها المماثلة لما لحظناه في "المهارات العقلية" حينما ننقل الحديث إلى صعيد فلسفي متمثل في: صياغة الطبيعة البشرية وفق تركيبة قائمة على معرفة (السماء) وتوحيدها وهو أمر نحدده في موقع لاحق، فيما سنشير إليه ـ دون تفصيل ـ بغية الاحتفاظ بالطابع النفسي لدراستنا.
على أي حال، يعنينا أن نحدد الآن: وجهة النظر الإسلامية حيال (الأصل النفسي) وموقعه من الوراثة الثابتة: حيث نجد المشرع مؤكداً نقاء هذا الأصل في النوع الإنساني كله: خالياً من أية شائبة، أو فارقية بين النوع: شأنه في ذلك شأن سائر الأصول العضوية والحيوية والعقلية التي يرثها النوع الإنساني على حد سواء يستوي في ذلك أن يكون الأصل فكرياً أو نفسياً.
أما الأصل الفكري، فيحدده الإمام الصادق (ع) على النحو التالي: "إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبها من الشر شيء. حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شيء. فإذا وضعته لم يصبها من الشر شيء: حتى يجري القلم".[2]
هذا النص من الوضوح بمكان كبير، فهو يحدد أصلاً فطرياً عاماً للنوع يتسم بنقاء الأفكار من أية شائبة وراثية يستوي في ذلك أن يكون "الأصل" في أصلاب الرجال، أو أرحام الأمهات، أو حتى في مراحل الطفولة: بمعنى أن الشخصية تقبل على محيطها الجديد نقية من كل شائبة حتى تبلغ سن الرشد، وحينئذٍ يتحدد بملء اختيارها نمط السلوك الذي تختطه لها. والأمر ذاته، يقرره الإمام الصادق (ع) فيما يتصل بالسمات أو الأصول النفسية، حيث يحدثنا عن جملة من السمات، قائلاً عنها: (فإن استطعت أن تكون فيك، فلتكن: فإنها تكون في "الرجل" ولا تكون في (ولده)، وتكون في "الولد" ولا تكون في "أبيه"...
قيل ما هنَّ؟؟ قال (ع) صدق البأس، وأداء الأمانة، وصلة الرحم الخ...)[3] وبيّن، أن السمات الأخلاقية التي يحدثنا الإمام الصادق (ع) عنها، تظل (اكتسابية) صرفاً لا صلة لها بأية أصول وراثية. فهي قد تكون في (الأب) لكنها لا تنتقل إلى (الابن). وقد تكون في الابن، لكنها لا تنتقل عن أبيه وهكذا. وهذا يعني أن النوع الإنساني كله لا يرث أصولاً أخلاقية أو أصولاً نفسية بنحو عام، وإنما يكتسبها النوع من خلال (المحيط).
ولكن، هل يعني ذلك ان القاعدة المذكورة تظل متسمة بالثبات، دون أن تخضع لوراثة طارئة في ظل بعض الشروط أو الظروف؟؟
إن الوراثة الطارئة التي لحظناها عند حديثنا عن (المهارة العقلية)، تتحكم بدورها هنا، أي: في الأصول النفسية أيضاً. يستوي في ذلك أن تتم النقلة الوراثية من خلال أصلاب الرجال أو أرحام الأمهات.
ويمكننا ملاحظة النقلة الوراثية الطارئة (من خلال الأصلاب)، متمثلة في التوصيات التي يقدمها التشريع عن (الزواج الانتقائي). فالإمام الصادق (ع) ذاته يؤكد بنفس القوة التي نفى من خلالها وراثة الأصول النفسية، يؤكد بالقوة ذاتها امكان الوراثة الطارئة أيضاً، في ظل بعض الشروط أو الظروف. ان سمة (الغدر) ـ على سبيل المثال ـ واحدة من الأصول النفسية التي يحذرنا الإمام الصادق (ع) منها، عبر توصيته بالزواج الانتقائي. يقول (ع) مشيراً إلى بعض الرهوط: "لا تزوجوا إليهم، فإن لهم "عرقاً" يدعو إلى عدم الوفاء"[4] وفي نص ثان: "فإن لهم أرحاماً تدل على غير الوفاء"[5] وفي نص ثالث: "فإن لهم "أصولاً" تدعوهم إلى غير الوفاء"[6] وأوضح ان كلاً من (العرق) و(الأرحام) و(الأصول) التي وردت في النصوص الثلاثة تشير إلى عملية النقلة الوراثية لسمة (الغدر) وانسحابها على (المورثات) التي تستقر نطفه في رحم الأم.
وأما النقلة الوراثية الطارئة (من خلال بيئة الرحم)، فإن التشريع طالما يقدم توصياته في هذا الصدد، مشيراً إلى أهمية (التغذية النفسية) للجنين. يقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع) "اطعموا حبالاكم اللبان: فإن يكن في بطنها غلام: خرج زكي القلب... شجاعاً، وإن تك جارية: حسن خلقها وخلقها"[7] ففي هذا النص، يشير الإمام الرضا (ع) إلى سمات الخلق والشجاعة ونحوهما من الأصول النفسية والعقلية، وانسحابها على الجنين: خلال بيئة الرحم، مما نخلص منه بوضوح إلى امكانات الوراثة الطارئة في هذا الصدد.
بيد أن ما تجدر ملاحظته في هذا الصدد، إن البحث الأرض يصطنع ـ في الغالب ـ فارقاً بين نمطين من الأصول النفسية هما: السمات "المزاجية" و"السمات الأخلاقية". فالانطواء أو الانبساط مثلاً يعدان من سمات (المزاج) وهو (بُعد) من الممكن أن يرتكن إلى "الوراثة". أما السمة (الأخلاقية) كالوفاء والصدق ونحوها مثلاً، فإنهما يكتسبان اكتساباً ولا علاقة لهما البتة بأية وراثة طارئة.
ومع ان هذه الملاحظة من الممكن أن تتسم بالصواب إلا أننا لا نستطيع ـ في ضوء التصور الإسلامي ـ أن نعممها على النوع كله. بل يتعين علينا ان نذهب إلى أنها تأخذ طابع (التغليب) وليس طابع (العموم).
ان النصوص الإسلامية التي تقدم الحديث عنها قد تبدو لأول وهلة متساوقة مع وجهة النظر الأرضية في اصطناعها الفارق بين الأصول "المزاجية" و(الأخلاقية) فالإمام الصادق (ع) حينما اشار إلى بعض السمات من نحو: أداء الأمانة، وصدق البأس ونحوهما، إنما عزلها من دائرة (الوراثة)، ونسبها إلى "المحيط": وهي سمات أخلاقية صرف: كما هو واضح. وحينما حدثنا عن نقاء النطفة في أصلاب المشركين وأرحام المشركات إنما عزل هذه السمة (الفكرية) عن (الوراثة) ونسبها إلى (المحيط) أيضاً.
ولكن حينما تحدث الإمام (ع) عن سمة (الغدر) مثلاً، الحقها ـ عندئذٍ ـ بالوراثة عن بعض الرهوط. وبما أن (الغدر) سمة عدوانية والعدوان بدوره أخذ افرازات (المزاج الانطوائي) مثلاً، فحينئذٍ يكون خضوعه للوراثة ناجماً من كونه سمة (مزاجية) وليس سمة أخلاقية.
وإذن هذه النصوص تتوافق مع الاتجاه الأرضي الذاهب، إلى أن (السمات الأخلاقية) خاضعة للاكتساب، و(السمات المزاجية) خاضعة للوراثة.
بيد أن هذا الاصطناع بين أصول (المزاج) و(الأخلاق) يظل ـ مثلما قلنا ـ ظاهرة تأخذ طابع (التغليب) لا (العموم).
تدلنا على ذلك: نفس النصوص الإسلامية التي تقدم توصياتها المتصلة بتحسين النسل (كما سنرى لاحقاً) حيث تجيء الإشارة على حسن الخلق، والحلم، والاستقامة في الدين ونحوها، واضحة في انتسابها إلى (سمات أخلاقية) صرف، ومنها: النص الذي قدمه الإمام الرضا (ع) عن التغذية المنتقاة في مرحلة (الحمل) حيث أشار إلى (حسن الأخلاق) وصلته بـ(اللبان) الذي تتناوله الحامل.
إذن: السمات الأخلاقية بدورها، خاضعة للوراثة الطارئة في نطاق خاص. على أن بعض الباحثين يحاول أن يصل بين الأخلاق (وهي صفة اكتسابية) وبين (المهارة العقلية الفائقة ـ أي الذكاء) وهي سمة وراثية، محاولاً من خلال إيجاد هذه الصلة بينهما تقديم تفسير آخر عن صلة السمات الخلقية بالوراثة والمحيط. فقد أجري اختبار لمجموعة تتميز بالذكاء (وفقاً لروائز الذكاء التي يستخدمها البحث الأرضي): حيث لوحظ تميزهم أيضاً بسمات أخلاقية عالية، كانت تفتقدها (المجموعة الضابطة) التي اسقطتهم روائز الذكاء. ومع ذلك، فإن بعض الباحثين يصر على أن السمات الأخلاقية التي افتقدتها (المجموعة الضابطة) ناجمة من افتقارهم إلى الذكاء في اكتسابه، لا أنها وليدة الوراثة.
وعلى أي حال، فإن الحكم بصواب هذه الملاحظة لا ينفي امكان الوراثة الأخلاقية مادام المشرع الإسلامي قد حدد الإمكان المذكور بوضوح، ومادام الارتباط الوراثي بين الأصول المزاجية والأخلاقية والفكرية والعقلية لا يمكن اغفاله: على الأقل في حالات معينة منها، على النحو الذي قرره المشرع الإسلامي.
وبعامة، فإن التصور الإسلامي لعنصري (الوراثة) و(المحيط)، يتمثل في: ان النوع الإنساني يرث (أصلاً نفسياً) عاماً على مستوى الوراثة النقية لا يتمايز من خلالها فرد عن آخر سواء أكان ذلك متصلاً بالمهارات العقلية أو العمليات النفسية بعامة. بيد أن هناك (وراثة طارئة) تدرج ضمن شروط خاصة تتصل بالأفراد أو الرهوط، فيما تشكل (استثناء) للقاعدة العامة. وخارجاً عن ذلك، فإن (التنشئة) تتكفل بتحديد النمط الذي تختطه الشخصية في ضوء (الأصل النفسي) الذي ترثه بـ(القوة)، ونعني به قدرتها على (التمييز) و(اختيار) النمط الملائم من السلوك.
أما التصور الأرضي للظاهرة، فقد توزعته شتى الاتجاهات بدءاً من الاتجاه النافي للبيئة، مروراً بالاتجاه النافي للوراثة، وانتهاء بالاتجاه المزاوج بينهما، حتى انتهى إلى نسبة تقريبية هي 62% تكاد تتمخض للوراثة قبال 38 % للمحيط حسب بعض الدراسات المعاصرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://abotisht.arabstar.biz/
 
علم النفس الاسلامى (الوراثه والبيئه)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» علم النفس الاسلامى
» معنى التاصل الاسلامى لعلم النفس
» التاصل الاسلامى لعلم النفس التربوى
» (علم النفس الاسلامى)الاصول النفسيه ومراحل النمو
» بحث عن فائدة علم النفس وكيفية تطوير الذات وعلم النفس الايجابي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الدكتور ياسر عبدالله :: العلوم التربوية :: علم النفس من منظور إسلامي-
انتقل الى: