التفكير الابداعي والتفكير الاستدلالي:
كمدخل لفهم التفكير التقاربي والتباعدي
إعداد
الدكتور خالد ناهس العتيبي
قسم التربية وعلم النفس، كلية المعلمين بالرياض
يستخدم مفهوم الإبداع Creative ليشير إلى العمليات العقلية، والمزاجية، والدافعية، والاجتماعية التي تؤدي إلى الحلول، والأفكار، والتصورات، والأشكال الفنية، والنظريات، أوالمنتجات التي تكون فريدة وجديدة(عبد الحميد،1995). في المقابل يتهم التفكير الاستدلالي باستناج نتائج جديدة من قضايا مسلم بصحتها، أي انه يسير من المعلوم الى المجهول. ويرى نيكرسونNicerson بان التفكير الاستدلالي يشتمل على مجموعة من العمليات العقلية التي نستخدمها في تكوين وتقييم أفكارنا فيما نعتقد بأنه صحيح، وتقييم البراهين والحجج، والبحث عن الأدلة، والتوصل إلى الاستنتاجات، واختبار الفروض، وتوليد معرفة جديدة(Small,1990) .
وبمراجعة ممعنة لنظريات المفسرة للإبداع التي تعد أساسا جيدا أمكن من خلالها تفسير بعض جوانب العملية الإبداعية، فالإبداع من المنظور الجشطلتي إنما هو نوع من الاستدلال، وان هذا الاستدلال أما يكون عقلياً خاصاً يتعامل مع المفاهيم المجردة أو يكون أدرا كيا أي أن الإبداع نتاج لتفاعل بين خيال الفرد الذي يظهر تأمله للأشياء وصوره، وبين العمليات العقلية كالاستدلال والتجريد والإدراك(عبد الحميد،1995)، وفي دراسة تحليله للعملية الإبداعية أظهرت دراسة هاتت Hitt عاملين أساسيين هما الأصالة والاستدلال المنطقي قائلاً بأنهما يشكلان جانبا متكاملا في الإبداع ،وبعبارة أخرى أن بينهما اعتماد متبادلاً بحيث إذا عملا معا أمكن لهما إنتاج أفكار إبداعيه، ويبدو بان الشخص المبدع ينتج أفكار جديدة ثم يقيمها بتطبيق منطقاً استدلالاً صارماً في اختبار مدى صلاحية أفكاره (سويف،1981)، وبذلك يؤكد هاتت على دور الاستدلال عندما يُعمل الفرد مهاراته الاستدلالية للتحقق من صحة ما توصل إليه، وقد تناولت دراسة صالح (1991) العلاقة بين مراحل النمو العقلي والتفكير الإبداعي الممثل في بعد الأصالة لدى عينة من طلاب الصف الثالث الثانوي، خلصت إلى وجود علاقة طرديه بين قدرة التفكير التجريدي والقدرة على الأصالة، أي أن الأفراد الأكثر تجريدا لأفكارهم يستطيعون إنتاج أفكار أكثر أصالة وجدة(صالح،1991)، وبما إن القدرة التجريدية هي جوهر التفكير الاستدلالي فضمناً فان القادرين على التفكير الاستدلالي يكون اكثر إنتاج لأفكار أصيلة ومبدعة.
والواقع أن الاستدلال والإبداع يتلخص كل منها في إيجاد حلول للمشكلات إدراك العلاقات فالأفراد ذوي القدرة المرتفعة في الاستدلال والإبداع لديهم القدرة على إدراك الحلول الموجودة إلا انه في الاستدلال عباره عن كشف علاقات كانت خفية رغم أنها موجودة في الأصل بينما الإبداع إنتاج علاقات لم تكن موجودة من قبل وليس الفارق بينهما من الوهلة الأولى مطلق فكل اكتشاف يمكن اعتباره إبداعاً وان جاء بحلول جديده وأصيلة مهما كانت أصالتها فهو لاشك يستعين بمواد موجودة من قبل والجديد هو التأليف بين هذه المواد(جروان،1999)، وبذلك يختلف التفكير الإبداعي في الدرجة فقط عن التفكير الاستدلالي والحدسي ويعود هذا الفرق إلى تأهب الفرد واستعداده فيما يتعلق بتوفر شرط الجدة في الإنتاج(ابوحطب وعثمان،1978).
وفقا لمبدأ تكاملية التفكير الإنساني فان الإبداع والاستدلال يشتركان في مواجهة مشكلة ما فالاستدلال يبدأ بتحليل عناصر هذه المشكلة بطريقة منطقية أما الإبداع يبدأ بإعادة تركيب عناصر المشكلة والنظر إليها من زاويه جديده، وان الفرق بينهما يكون في درجة أصالة الأفكار من قبل المبدعين تكون مرتفعة أكثر من الأفراد ذوي القدرة الاستدلالية، ويعود ذلك إلى أن الإبداع يتحرر من قيود الواقع بينما الاستدلال مقيد بقواعد المنطق و لا يتجاوز الجديد فيه حدود المعلومات المتاحة.
ولعلنا نخلص إلى ما ذكره جليفورد Guilfordفي تقسيمه للنشاط العقلي إلى عمليتين أساسيتين هما التفكير التباعدي Divergent thinking والتفكير التقاربي Convergent thinking نجد أن التفكير الاستدلالي تفكير تقاربي يقوم على توليد معلومات، وأفكار، وتقديم استنتاجات من المعلومات المعطاة محكومة بقواعد المنطق، أما التفكير الإبداعي فهو تفكير تباعدي يقوم على ابتكار اكبر عدد من الحلول المتنوعة للمشكلة واحدة على اعتبار أن الإنتاجية من معايير التفكير الإبداعي.
قائمة مراجع للقراءة والاستفادة:
3. أبو حطب ،فؤاد وعثمان،سيد(1978).التفكير :دراسة نفسية.القاهرة:مكتبة الانجلو المصرية.
4. صالح،احمد محمد(1991). مراحل بياجية للنمو العقلي وعلاقتها بالأصالة لدى طلاب الصف الثالث الثانوي "بابوظبي" دراسات تربوية.مجلد6،عدد32: 263-291.
5. عبد الحميد،شاكر(1995). علم نفس الإبداع.القاهرة:دارغريب.
6. جروان، فتحي(1999).تعليم التفكير. العين: الكتاب الجامعي
7. Small, M.Y (1990).Cognitive development. New York, HBJ.