بقلم المهندس / عبد اللطيف البريجاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))
(( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى
يسأل الرجل عن أهل بيته ))
ما زلنا نبحث عن وسائل متعددة لإصلاح الأسرة المسلمة
هذه الأسرة التي هي مفتاح الهزائم ومفتاح الانتصارات ..
فبقدر ما تكون قريبة من الإسلام فإنها تكون سعيدة منتجة
وبقدر ما تكون بعيدة عن الإسلام تكون شقية متفرقة.
ذكرنا نقاطا :
• تخفيف مثيرات الشهوة في البيوت " صيد الفوائد تربة
الأبناء "
• اشاعة ثقافة المصارحة في البيوت . "
• اشاعة ثقافة الشورى في البيت "
نتابع اليوم
تخفيف التيتم والترمل الصوري :
إن مكانة اليتيم عند الله سبحانه وتعالى مكانة عالية جدا
حتى أنه ورد في ذلك الآيات والأحاديث التي تحض على
كفالة اليتيم وتحذر من مغبة ضياعه في المجتمع وأكل
حقوقه
قال تعالى " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما
يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا
(10) النساء
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن
قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا
بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف
وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " البخاري
وحث الإسلام على كفالة اليتيم والسعي على الأرملة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة
والوسطى وفرج بينهما شيئا" البخاري
عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله
أو القائم الليل الصائم النهار " البخاري
ولو سألنا أنفسنا لماذا هذا التشديد على موضوع اليتيم
والأرملة بشكل خاص عن باقي أفراد المجتمع لوجدنا
الجواب واضحا بأن هذه الفئة قد فقدت المنفق والمشرف
والموجه وبفقد هذه الثلاثة يمكن أن يضيع اليتيم أو تضيع
الأرملة ويصبح الواحد منهم أقرب إلى الانحراف نتيجة
الوضع المادي ( بغياب المنفق ) ونتيجة للوضع الأخلاقي
( بغياب المشرف والموجه ) .
إن اليتم الحقيقي يحرك من مشاعر المسلمين فيتهافتون
ويتسارعون إلى رعاية هذه الفئة
لكن هناك تيتم وترمل من نوع آخر إنه التيتم والترمل
الصوري هو :
" أن يكون الأب أو الزوج على قيد الحياة لكنه بمثابة
الميت ليس له أي أثر في حياة زوجته أو أولاده "
ويأخذ هذا التيتم والترمل أشكالا مختلفة في العالم الإسلامي
منها :
- كثير من الآباء قد جعلوا أولادهم أيتاما فبعد مجيئه من
العمل ما إن يتناول طعاما ويستريح قليلا حتى يغادر إلى
عمل آخر نتيجة ظروف اقتصادية معينة ثم يعود مساء لينام
وليعيد الكرة في اليوم الثاني وهكذا وبالتالي يصبح البيت
مكانا للطعام والنوم ولا يمارس فيه أي نوع من أنواع
التوجيه والتربية مع أن القرآن حذر من الانشغال بالرزق
عن الصبر على الأهل والأمر بالطاعات قال تعالى :
" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن
نرزقك والعاقبة للتقوى" (132) طه
فكثير من الرجال ينسون واجباتهم المختلفة بالتربية نتيجة
انشغالهن بالرزق وهذا نوع من التيتم والترمل .
- صنف آخر من الرجال يقضون نهارهم بالعمل ولياليهم
بالسهر مع الأصدقاء وإلى ساعات متأخرة من الليل فلا
يعود إلا وقد نام الأولاد وأرهقت الزوجة من الانتظار وهو
لا يريد سماع صوت زوجته ولا أصوات أولاده وهو يكتفي
بوضع مصاريف البيت على الطاولة عند الخروج فالأولاد لا
يعرفون من أبيهم أي نوع من أنواع التوجيه والتربية
فينشؤون كلا على ليلاه وعلى ما يقدمه لهم المجتمع من
نماذج مختلفة .
- صنف ثالث من الرجال يقضي عمره مغتربا عن زوجته
وأولاده من أجل العمل وتأمين لقمة العيش ومستقبل مادي
أفضل وينسى احتياجات الزوجة من قرب الرجل منها
واحتياجات الأولاد من قرب أبيهم منهم .
- صنف آخر من الرجال يقضون نهارهم بالعمل ولياليهم
بالسهر في بيوتهم لكنهم يقضون هذه الليالي بالسهر أمام
شاشات التلفاز ومتابعة الفضائيات المختلفة حتى أصبح
البيت مجرد صالة للسينما لا يتكلم فيها أحد ولا يعرض أي
موضوع مهم وويل للأولاد إذا تكلموا
إن أولادنا وزوجاتنا ليسوا بحاجة إلى المال فقط وليسوا
بحاجة إلى الطعام واللباس وما شاكل ذلك من ماديات بل هم
بحاجة إلى رعاية وحنان وعطف وتوجيه
والأصل في ذلك مجموعة أحاديث وآيات منها :
* ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده
الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع إن لي عشرة
من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال " من لا يرحم لا يرحم "
* وقد روى الترمذي عن جابر بن سمرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يؤدب الرجل ولده
خير من أن يتصدق بصاع " قال أبو عيسى هذا حديث
غريب
* وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تقوم الليل
وتصوم النهار قلت إني أفعل ذلك قال .. وإن لنفسك حقا
ولأهلك حقا فصم وأفطر وقم ونم " وحق الأهل يشمل
حقوقا مختلفة منها حق الرعاية والتوجيه
إن ظاهرة التيتم والترمل الصوري في المجتمع ظاهرة
خطيرة جدا لا ينتبه إليها كثير من الناس وربما لا يعبؤون
بها وهي تشكل خطرا جسيما يهدد الأسرة من الداخل
ويجفف ينابيع الود والرحمة المزروعة من قبل الله بين
الزوجين ويطفأ العاطفة الملتهبة بين أفراد الأسرة إلى
درجة البرودة القاتلة..
فيا أكرم الأكرمين عرفنا واجباتنا حتى نقوم بها على الوجه
الذي يرضيك واجعل خيرنا أول ما يكون لأهلينا كما قال
عليه السلام " خيركم خيركم لأهله " الترمذي آمين.
والحمد لله رب العالمين