يقول الإمام ابن رجب الحنبلى (و في الصحيحين عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا و كونواعباد الله إخوانا ) ويروى معناه من حديث أبى بكر مرفوعاً 0
فقوله صى الله عليه وسلم : (لا تحاسدوا ) يعنى لا يحسد بعضكم بعضاً والحسد مركوز في طباع البشر وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شىء من الفضائل ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام 0
فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغى عليه بالقول والفعل ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه ومنهم من يسعى في إزالة نعمته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه وهو شرهما وأخبثهما وهذا هو الحسد المذموم المنهى عنه وهو كان ذنب إبليس حيث كان حسد آدم عليه السلام لمارآه قد فاق على الملائكة بأن الله خلقه بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شىء وأسكنه في جواره فمازال يسعى في إخراجه من الجنة حتى أخرج منها : ويروى عن ابن عمر أن إبليس قال لنوح : اثنان أهلك بهما بنى آدم الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطاناً رجيماً والحرص ابيح آدم الجنة كلها فأصبحت حاجتى منه بالحرص 0
خرجه ابن أبى الدنيا 0
وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع من كتابه (القرآن ) كقوله تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }البقرة109
وقوله : ({أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }النساء54 وخرج الإمام أحمد والترميذى من حديث الزبير بن العوام عن النبى – صلى الله عليه وسلم - :"دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء ، والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر ،والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا ،أولا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟أفشوا السلام بينكم " اسناده ضعيف.
وخرج أبوداود من حديث أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – "إياكم والحسد ،فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ،أو قال العشب "
وخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :"سيصيب أمتي داء الأمم " ،قالوا :يا نبي الله وما داء الأمم ؟ قال: الأشر والبطر،والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج" اسناده صحيح .
وقسم آخر من الناس إذا حسد غيره لم يعمل بمقتضى حسده ولم يبغ على المحسود بقول ولا بفعل .
وقد روي عن الحسن أنه لا يأثم بذلك ،وروي مرفوعاً من وجوه ضعيفة .وهذا على نوعين :
إحداهما : أن لا يمكن إزالة هذا الحسد عن نفسه ويكون مغلوباً على ذلك فلا يأثم به .
والثاني :من يحدث نفسه بذلك اختياراً ويعيده ويبدئه في نفسه مستروحاً إلى تمني زوال نعمة أخيه ،فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء ، وربما يذكر في موضوع آخر إن شاء الله . ولكن هذا يبعد أن يسلم من البغي على المحسود بالقول فيأثم بل يسعى في اكتساب مثل فضائله ويتمنى أن يكون مثله ، فإن كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك كما قال الله تعالى " {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }القصص79
وإن كانت فضائل دينية فهو حسن ،وقد تمنى النبي – صلى الله عليه وسلم – الشهادة في سبيل الله وفي الصحيحين عنه قال " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار "
وهذا هو الغبطة ،وسماه حسداًمن باب الإستعارة . وقسم آخر إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان إليه والدعاء له ونشر فضائله وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبته أن يكون المسلم خيراً منه وأفضل،وهذا من أعلى درجات الإيمان ،وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (جامع العلوم والحكم صــــ366-367 )