الصبر
خاص بيت القيم
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال( والصبر ضياء) وقال في حديث آخر ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره له كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم .
فإذا نزلت بالمؤمن الكرب والابتلاءات والأعباء واشتدت به الأزمات والضوائق جاء الصبر ليضيء له الطريق ويخفف عنه الآلام ، فهو سلاح مهم وضروري يحتاجه المسلم في جميع أموره الدينية والدنيوية، وهو سلاح جميع الأنبياء والرسل وسلاح الدعاة والمصلحين فعن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءا( قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) ( حسن صحيح ) [المشكاة 1562 ، الصحيحة 143].
وقد أكد الله عز وجل أن الابتلاء في هذه الدنيا أمر محسوم لا بد منه قال تعالى:{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}سورة الملك , فيجب على الإنسان أن يوطن نفسه بالصبر ويحسن تعبده لله بكل رضا واحتساب مبتعداً عن اليأس والقنوط .
ويرتكز الصبر على حقيقتين ذكرهما الشيخ محمد الغزالي في كتابه حسن الخلق وهما:
الأولى: والتي تتعلق بحقيقة الحياة الدنيا فالله عز وجل لم يجعل هذه الدنيا دار جزاء وقرار وإنما جعلها دار تمحيص وابتلاء{ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصير} سورة الإنسان, فيبتلي الله الإنسان بالمال والأحزان والمصائب والفتن وغيرها.
وكان سليمان عليه السلام عالما بطبيعة الدنيا عندما رزق الملك العظيم{ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }النمل40.
وقد يكتب القدر على البعض صنوفا من الابتلاء ربما انتهت بمصارعهم وليس للفرد إلا أن يستقبل البلاء بالصبر والتسليم، وما دامت الحياة امتحاناً فلنكرس جهودنا للنجاح فيه.
أما الحقيقة الثانية: فتتعلق بطبيعة الإيمان فالإيمان صلة بين العبد وربه ولا تظهر هذه الصلة وصدقها من زيفها إلا بالابتلاء والتمحيص ليظهر المحب الصادق من غيره {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2} والله يعلم كل ما هو كائن، وأمر الابتلاء لا يأتي بجديد بالنسبة للعلم الإلهي، ولكن ليحاسبهم بما ظهر لهم بأنفسهم من أعمالهم الشخصية فإذا أنكر شهدت عليه أعضاؤه.
ولهذا كان الصبر نصف الإيمان لأنه ما من طاعة أو عبادة أو تقرب إلى الله إلا ويلازمه الإيمان.
ومن تحقق فيه الصبر فقد أعطي أعظم العطاء قال الرسول صلى الله عليه وسلم( ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا و أوسع من الصبر).
وهو سر ثبات العظماء والقادة والأبطال وهو من أعظم صفات الرجولة والثبات والتي أوحت لقائد أمريكي أن يقول " لا تسأل الله أن يخفف حملك ولكن اسأل الله أن يقوي ظهر".
وننبه هنا على خطأ يحصل حيث يفهم بعض الناس أن الإسلام يمجد الآلام لذاتها ويكرم الأوجاع لأنها أهل التكريم والموادة وهذه لا يصح. فعن أنس بن مالك قال رأى رسول الله صلى الله عليه شيخا يهادى بين ابنيه فقال ( ما بال هذا ؟ ) قالوا نذر أن يمشي قال ( إن الله عن تعذيب هذا لغني ) وأمره أن يركب)، وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَأَنَّهَا لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ مَشْىِ أُخْتِكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً ».
واعلم أخي المسلم أن للصبر فوائد عظيمة نذكر بعضها منا
1- سبب لنيل رضا الله عز وجل ونيل معية الله قال تعالى {إن الله مع الصابرين}.
2- سبب لغفران الذنوب.
3- الصبر سبب لحسن العاقبة قال تعالى: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين}
4- الصبر خير معين للنجاح في أمور الدنيا والدين قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }
5- الصبر يولد الهدوء الداخلي مما يجعلك مرتاحا مطمئنا وبهذا تحافظ على سلامة صحتك.
6- الصبر يساعد على تكوين علاقات متماسكة مع الآخرين تشعر فيها بمزيد من الحب و السعادة.
وهذه بعض الوسائل المعينة لتحقيق الصبر منها
1- قراءة قصص الأنبياء والصالحين وكيف كان صبرهم على ما لاقوه من محن وابتلاءات عظيمة للتأسي والاقتداء بهم .
2- توقع ما هو أكبر من المصيبة الواقعة حاليا .واحمد لله على ذلك ...
3- اللجوء إلى الله بالدعاء بأن يكتب لنا الثبات ويقوي صبرنا..
4- الاعتقاد التام ,بأن بعد العسر يسرا قال تعالى: ( سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً) (الطلاق 7).
5- القناعة التامة بأن المصائب تمحى الذنوب ....وترفع درجات المؤمن في الجنة .
6- الشعور بالرضا بما قسمه الله من النعم .
7- القناعة بأن السعادة ليس بالمال والمظاهر الكذابة.
8- -اليقين بحسن جزاء الله تعالى: خصوصاً للصّابرين المحتسبين يقول تعالي { وبشر الصابرين