أهمية الإنفاق العام وآثاره
يمكن تعريف الإنفاق العام بأنه مبلغ من النقود يقوم بإنفاقه شخص عام بغرض تحقيق نفع عام
ومن هذا التعريف يتضح ثلاثة عناصر مهمة تميز الإنفاق العام، وهي:
* أن الإنفاق العام يتسم بكونه مبلغا نقديا
* أن الإنفاق العام يقوم به شخص عام ( سواء كان استهلاكيا أم استثماريا )
* أن الإنفاق العام يستهدف تحقيق منفعة عامة أو إشباع حاجة عامة
وليس هناك من شك في أهمية الدور الذي يلعبه الإنفاق العام باعتباره أداة فعالة من أدوات السياسة المالية للدولة التي تقوم سلطاتها المالية بتنفيذها لتحقيق أهدافها سواء الاقتصادية أو الاجتماعية التي ترمي إليها خلال فترة معينة.
ولقد أدى تطور دور الدولة وتغير طبيعة هذا الدور بانتقالها من " الدولة الحارسة " أو " المحايدة " إلى الدولة المتدخلة " ثم بعد ذلك إلى " الدولة المنتجة " إلى اتساع وظائف الدولة وأغراضها، الأمر الذي استتبع معه تزايد الإنفاق العام، وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة آثاره الاقتصادية، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالإنفاق الاستثماري أو الإنفاق بهدف إعادة توزيع الدخل. وقد حظيت أداة الإنفاق العام بصفة خاصة باهتمام خاص من العديد من الاقتصاديين باعتبارها من أوائل الأدوات الكينزية وأشهرها التي تم تطبيقها من أجل الخروج من أزمة الكساد الكبير التي ضربت العالم خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي.
ولعل من أهم الآثار المباشرة للإنفاق العام تلك التي يحدثها في كل من الإنتاج والاستهلاك باعتبارهما النشاطين الرئيسيين في الاقتصاد القومي، ويمكن توضيح تلك الآثار فيما يلي:
أولا: أثر الإنفاق العام على الإنتاج القومي:
يتوقف الإنتاج القومي لأية دولة على نوعين من العوامل، هما:
• المقدرة الإنتاجية القومية: أو ما يطلق عليها العوامل المادية للإنتاج، وهذه تشمل كل من الموارد الطبيعية للدولة، وعنصر العمل فيها، ورأس المال العيني، والفن الإنتاجي المستخدم في العملية الإنتاجية.
• الطلب الفعلي: أو الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على السلع الاستثمارية ( الناتج القومي الجاري ).
ومن المعلوم أن الإنفاق العام ينقسم إلى إنفاق عام رأسمالي ( استثماري أو إنتاجي ) وإنفاق عام استهلاكي ( جاري ). ويؤدي الإنفاق العام الاستثماري إلى حدوث زيادة مباشرة في الدخل القومي الجاري من خلال المكافآت ( الأجور والمرتبات ) التي تتولد لعوامل الإنتاج المشاركة في حدوث هذا الدخل، بالإضافة إلى زيادة المقدرة الإنتاجية للدولة. كما أن الإنفاق العام الاستهلاكي يؤدي أيضا إلى زيادة المقدرة الإنتاجية ( وعلى سبيل المثال، يؤدي الإنفاق الاجتماعي على الخدمات التعليمية والصحية والثقافية، والتدريب الفني للعمال، إلى الارتقاء بمستوى العمالة، مما يؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية )، بالإضافة إلى إسهامها في زيادة الناتج القومي الجاري. كما تؤدي الإعانات العامة الاقتصادية التي تُعطى للمشروعات الخاصة والعامة إلى زيادة معدل أرباح تلك المشروعات، مما يؤثر على زيادة مقدرتها الإنتاجية. كما أن الإنفاق العام التقليدي على خدمات الدفاع والأمن والعدالة يؤدي إلى تحقيق الاستقرار الضروري للعملية الإنتاجية.
ومن ناحية أخرى، يشكل الإنفاق العام جزءا هاما من مكونات الطلب الفعلي ( أو الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية )، وهو ما يؤثر تأثيرا مباشرا على حجم الإنتاج، وذلك بشرط أن يكون مستوى النشاط الاقتصادي أقل من مستوى التشغيل الكامل لعوامل الإنتاج ( الأرض والعمل ورأس المال )، وأن يتمتع الجهاز الإنتاجي بالمرونة اللازمة التي تسمح بانتقال عناصر الإنتاج فيما بين الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
ويلاحظ أن الإنفاق العام الاجتماعي بنوعيه، سواء التحويلات الاجتماعية العينية ( كتلك المبالغ التي تخصص لإنتاج سلع وخدمات تستخدم في تحقيق أغراض اجتماعية، كالأغراض الصحية والثقافية والتعليمية والإسكان ) أو التحويلات الاجتماعية النقدية ( كتلك التي تتم لصالح الطبقات الفقيرة لمقابلة حالات المرض أو الشيخوخة أو البطالة ) يؤدي إلى زيادة الناتج الجاري من السلع الاستهلاكية التي يخصص الإنفاق العام للحصول عليها. كما أن التحويلات النقدية لذوي الدخول المحدودة تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية الضرورية، ومن ثم فإنها تؤدي إلى زيادة إنتاج هذه السلع. كما أن الإعانات الاقتصادية التي يتم منحها لبعض المشروعات الخاصة أو العامة، أو لبعض السلع والخدمات، مثل دعم بعض السلع الأساسية كالخبز والبنزين، تؤدي لمحاربة التضخم من خلال خفض الأسعار، وإلى زيادة الناتج القومي من خلال تحقيق التوازن المالي لبعض المشروعات ذات النفع العام وذلك بتغطية ما يكون في ميزانياتها من عجز، وتشجيع الصادرات بمنح إعانات للمصدرين بهدف تحسين ميزان المدفوعات، وتشجيع الاستثمار والتنمية، وخصوصا بالنسبة لبعض الصناعات الضرورية للتنمية الاقتصادية.
ثانيا: أثر الإنفاق العام على الاستهلاك القومي:
يؤثر الإنفاق العام في الاستهلاك بطريق مباشر من خلال ما قد يحدث من زيادة أولية في الطلب على السلع الاستهلاكية بسبب هذا الإنفاق. ويمكن ملاحظة هذا النوع من الآثار المباشرة للإنفاق العام على الاستهلاك القومي من خلال نفقات الاستهلاك الحكومي أو العام، ومن خلال النفقات التي توزعها الدولة على الأفراد في صورة مرتبات أو أجور يُخصص نسبة كبيرة منها لإشباع الحاجات الاستهلاكية من السلع والخدمات.
• نفقات الاستهلاك الحكومي أو العام:
قد تقوم الدولة – بهدف أدائها لوظيفتها – بإنفاق الأموال على إدارتها للمرافق العامة. فقد تقوم الدولة بشراء خدمات استهلاكية، مثل الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية وخدمات الدفاع والأمن والعدالة. وهذا هو ما يعرف بالاستهلاك الحكومي أو العام. وبذلك فإن الدولة تكون مستهلكة عند الإنفاق على إشباع تلك الحاجات العامة، مثلما يكون الفرد مستهلكا عند إنفاقه لمبلغ معين على إشباع حاجاته الخاصة. والاستهلاك الحكومي أو العام قد يتم في شكل شراء سلع أو مهمات تتعلق بأداء الوظيفة العامة أو تلزم للموظفين العموميين أو عمال المرافق العامة. ومثال ذلك النفقات التي تدفعها الدولة من أجل تنظيف وإضاءة وصيانة مبانيها الحكومية أو هيئاتها العامة، والنفقات التي تدفعها لشراء الأجهزة والآلات والمواد الأولية التي تلزم للإنتاج العام. كما تقوم الدولة في بعض الأحيان بتوفير الغذاء والكساء لموظفيها، مثل نفقات ملابس وغذاء أفراد القوات المسلحة أو نفقات غذاء للمدرسين أو مصروفات انتقال بعض فئات الموظفين والعمال الحكوميين، باعتبارهما يلزمان لأداء الوظيفة العامة. وتعتبر مثل هذه النفقات استهلاكية.
• نفقات الاستهلاك المخصصة للدخول الموزعة:
تمنح الدولة لموظفيها وعمالها نفقات في صورة مرتبات وأجور ومعاشات. ويخصص الجزء الأكبر من دخول هذه الأفراد – نظرا لارتفاع ميلهم للاستهلاك - لإشباع الحاجات الاستهلاكية من السلع والخدمات. ومن الواضح أن إنفاق الدولة في هذه الحالة يعتبر مقابل ما يؤديه عمالها من أعمال أو خدمات. ولذلك فهي تعتبر من قبيل الإنفاق العام المنتج، حيث يؤدي هذا الإنفاق مباشرة إلى زيادة الإنتاج الكلي. فدخول الأفراد هنا تؤدي إلى زيادة الاستهلاك، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاج من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات المطلوبة.
كما يؤثر الإنفاق الذي تقوم به الدولة في صورة إعانات اجتماعية لصالح بعض الفئات أو الطبقات الفقيرة، مثل إعانات البطالة والعجز والشيخوخة، أو في صورة إعانات اقتصادية لصالح بعض الصناعات بغرض تخفيض أسعار المنتجات – يؤثر هذا الإنفاق العام على الاستهلاك القومي، إذ يترتب عليه زيادة الطلب، ومن ثم زيادة الاستهلاك.
ومن البديهي أن الدولة تعمل على إتباع سياسة مالية معينة تناسب وضعها، وذلك بتوجيه إنفاقها العام – سواء ذلك الذي يتم في صورة الإنفاق الاستهلاكي الحكومي، أو في صورة مرتبات وأجور، أو في صورة إعانات اجتماعية أو نقدية – الوجهة التي تتوافق مع حالتها الاقتصادية والاجتماعية، للتأثير على حجم الاستهلاك القومي بما يتفق وحقيقة تلك الأوضاع.
وبالنسبة للدول النامية، ومنها مصر، فتتمثل المشكلة فيها أن حجم المدخرات ضئيل، وجهازها الإنتاجي لا يتسم بالمرونة الكافية التي تمكنّه من مواجهة هذه الزيادة في الاستهلاك. ومن ثم فيكون توجيه سياسة الإنفاق العام محوطا بهذين الاعتبارين، للتحكم في حجم الاستهلاك بالشكل الذي يضمن تحقيق المدخرات الكافية للاستثمارات التي تتطلبها عملية التنمية، ويكون متفقا في الوقت ذاته مع مدى مرونة العرض الكلي للسلع والخدمات بما لا يؤدي لحدوث التضخم.
ومن السياسات الشائعة للدول التي تسير في طريق التنمية، العمل على رفع الطلب على الاستهلاك الخاص بالطبقات الفقيرة أو محدودة الدخل، مع الإقلال من الطلب على الاستهلاك الخاص بالطبقات ذات الدخل أو الثروة المرتفعة، رغبة في توجيه مدخرات أفرادها نحو الاستثمار وإنتاج الأموال للتصدير لتحسين ميزان المدفوعات.
ومن الواضح والحال هكذا أن سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين تغل كثيرا من يد الدول في استخدام أداة الإنفاق العام كسياسة مالية تستطيع توجيهها نحو الوجهة المناسبة التي تريدها. وعلى سبيل المثال، فإن صندوق النقد والبنك الدوليين يشترطا في برامجهما عدة أمور، من أهمها:
* إطلاق الأسعار، والتشديد على ضرورة إلغاء الدعم للسلع الشعبية اللازمة للفقراء، وبذلك يتم تحرير أسعار تلك السلع لتخضع لآليات السوق أو قوى العرض والطلب.
* تجميد الأجور، ويكون ذلك من خلال عدم توظيف الحكومة للأفراد الداخلين الجدد إلى سوق العمل. كما يتضمن ذلك أيضا الاستغناء عن خدمات العاملين بالفعل في القطاع الحكومي والقطاع العام، من خلال ما يعرف ببرامج الخصخصة.
الاسم / سيده محمد يونس محمد
الشعبة / حاسب آلى
م / 5