ان المال هو لله والإنسان مستخلف ومؤتمن علية ، إضافة إلى ان النفس قد فطرت على حب المال والحرص على جمعه لذا فقد كان الأمر بالإنفاق هو ابتلاء من الخالق جل وعلا ، ولكنه سبحانه عالج فطرة الإنسان المبنية على حب المال بوعده له بأنه سوف يعوضه أضعافا كثيرة في حال ابتغاء وجه الله في هذا الإنفاق حيث قال تعالى :” وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ” سبأ 39 ، بذلك تطمئن النفس وترتاح وتنفق برضا ومن غير تمنن أو تبجح أو أذى حيث قال تعالى :” وما تنفقوا من خير فان الله به عليم ” البقرة 273 ، ويقول تعالى أيضا :” قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) البقرة 263.
وللإنفاق وجوه عديدة ووسائل كثيرة في الإسلام أبرزها الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام لا يقوم الإسلام إلا بها وهي نماء للمال وطهرة له وإرضاء لله وهي عبادة مالية يقع عبئها على من وجبت علية لا يجوز له نقل هذا العبء إلى الآخرين وهذا من تمام تشريع الزكاة قال تعالى :” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ” التوبة 103 فهي تنقي نفس المزكي وتطيب بها نفس الفقير وتتحقق بها الكفاءة الاقتصادية المنشودة لان غاية الإنفاق الأولى في الإسلام هي تحقيق الكفاءة من خلال نظام عادل للتوزيع ونمو امثل للاقتصاد وقد ورد في بعض الأحاديث القدسية قوله تعالى
الأغنياء أوصيائي ، والفقراء عيالي ، فمن منع مالي عيالي أذقته عذابي ولا أُبالي) والإنفاق يحقق التكافل الاجتماعي بابهى صورة ففيه تحقيق لكفاية الفقير دون المساس بكفاية الغني وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنّما الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم )رواه الطبراني وتطبيقا أيضا للأثر القائل :” إن في المال حق سوى الزكاة ” ، وبذلك تكون نظرية الإنفاق في الإسلام من ابرز السياسات لعلاج مشكلة الفقر ولو فكر العالم المعاصر اليوم قليلا في حيثيات وضوابط نظرية الإنفاق لوجدها من ابرز وأنجع الحلول لمشكلة الفقر الذي يعاني منه الملايين في أنحاء العالم ، وبحساب بسيط لحصيلة زكاة أموال المسلمين في أرجاء المعمورة لوجدنا أنها كافية لاغناء كل فقراء المسلمين بل فقراء العالم أجمعين وتحقيق كفايتهم من مأكل وملبس وتعليم ومسكن .
من اثأر الإنفاق في الإسلام هو تعظيم الشعور بالرضا وراحة النفس لدى المنفق لأنه ينتظر عائد عظيما هو عائد الالتزام قال تعالى :” الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار , سرا وعلانية , فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). إضافة إلى الأثر العميق الذي يتركه الإنفاق على سلوك المسلم لأنه يدرك أن نيل الجنة وثوابها لا يكون إلا بأنفاق أغلى ما يملك من متاع الدنيا الزائل مصداقا لقوله تعالى :” لن تنالوا حتى تنفقوا مما تحبون ” ، والآثار المادية ملموسة ومحسوسة وهي كثيرة حيث يضاعف الله ويبارك في المال المؤدى منه الحقوق ” لان الله يضاعف لمن يشاء “ ومن ينفق يدرك انه لن يفتقر مادام يضع اموالة بيد خالقها لان الله وعد عبادة بحمايتهم من الفاقة ان هم انفقوا لوجهه الكريم يقول تعالى في الحديث القدسي : ( يا عبدي ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) . ويقول علية الصلاة والسلام :” أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا “ والتلف والهلاك للمال إنما يكون بمنع حق الله منه حيث يقول علية الصلاة والسلام :” ( ما تلف مال في برٍ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة ).
وأخيرا علينا أن ندرك أن المال ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى والإنسان ان لم ينفقه بما يرضي الله هلك وخاب وخسر لان السؤال عن المال هو من أول الأسئلة التي تواجه الإنسان في قبره ” من أين اكتسبه وفيما أنفقه فهو الأمر الوحيد الذي علية سؤالان وليس سؤال واحد.