النية: أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بُنِيَ؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة(8)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..."(9).
وقال الله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
وهذا يدل على أهمية ومكانة النية، وأن الدعاة إلى الله وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية، فإذا صلحت أُعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم، ولو لم يعمل إنما نوى نية صادقة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"(10)، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كُتبَ له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة"(11).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئًا"(12).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"(13).
وهذا يدل على فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: "لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه"، قالوا: يا رسول الله كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: "حَبَسهُمُ العذر"(14).
وبالنية الصالحة يضاعف الله الأعمال اليسيرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه مقنع بالحديد، فقال يا رسول الله: أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أسلم ثم قاتل"، فأسلم ثم قاتل فَقُتِلَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمل قليلاً وأجر كثيرًا"(15).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل في الإسلام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام وهو في مسيره فدخل خف بعيره في جحر يربوع فوقصه بعيره فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلاً وأجر كثيرًا" قالها حماد ثلاثًا(16).
وبالنية الصالحة يبارك الله في الأعمال المباحة فيثاب عليها العبد، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة"(17)، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك"(18).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء"(19).
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة..."(20).