فضائل شهر شعبان
04/07/2011
أسامة جادو
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه..
شهر كريم مبارك أظلنا عن قريب، فأهاج مشاعر الهداية والإيمان، وهتف بنا إلى الطاعة والعبادة والإحسان، ومن يُمنْ الطالع أن تهلَّ علينا هذه الأيام المباركات لتكون خير زاد للأمة الإسلامية، وخير معين للشعوب الثائرة من المحيط إلى الخليج، وقد ثارت على حكامها الطغاة الغلاظ الذين كبتوا حرياتهم وأهانوا شعوبهم، وتسببوا في تأخرهم عن ركب الشعوب الحرة التي تنعم بحريتها وكرامتها وترتقي حضاريًّا وتتقدم علميًّا وتزدهر ثقافيًّا وصناعيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا، وأولى بذلك كله شعوب أمتنا الإسلامية.
يأتي شهر شعبان يحمل الخير للأمة؛ كي تنهض وتتقدَّم وتبني حياتها من جديد، وتؤسس حضارتها وتستعيد عافيتها وكرامتها، ولا شكَّ أن الأمم التي تسعى لإحداث نهضة عظيمة وبناء دولة قوية مجيدة تحتاج إلى مقومات أساسية وطاقات جبارة ووقود روحي لا ينضب، ولا تجد نظامًا يمتلك كل ما تحتاج إليه الأمم الناهضة كما يمتلكها نظام الإسلام.
إنَّ بلادنا تمرُّ بأخطر العهود وأشد المراحل، عهد الانتقال من حياة إلى حياة، ومن نظام للحكم قمعي دموي متسلط مستبد إلى نظام جديد يحدده الشعب، والرأي فيه شورى بينهم والحكم للشعب، لا إقصاء ولا استبعاد ولا استبداد بالرأي، ونأمل أن تجتاز البلاد هذه المرحلة الانتقالية الخطيرة على خير حالٍ وأقرب حين؛ حتى تتحقق آمال البلاد وتطلعات العباد.
فهذا الشهر الكريم تقدمة لشهر رمضان المبارك، وتمرين للأمة الإسلامية على الصيام والقيام وصالح الأعمال؛ حتى يذوقوا لذة القرب من الله تعالى، ويستطعموا حلاوة الإيمان، فإذا أقبل عليهم شهر رمضان أقبلوا عليه بهمة عالية ونفس مشتاقة، وانكبُّوا على الطاعة وعكفوا على العبادة، ونتناول في السطور التالية:
- فضائل شهر شعبان:
- حكمة إكثار النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شهر شعبان:
- خطوات نتواصى بها ونحن على عتبات الشهر الكريم:
* فضائل شهر شعبان:
روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي في سننه بسند حسن عن أسامة بن زيد- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسرد حتى نقول لا يفطر، ويُفطر حتى لا يكاد يصوم، إلا يومين من الجمعة إن كان في صيامه، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك، وإلا صمتهما: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" أي يومين؟" قال: الإثنين والخميس، قال صلى الله عليه وسلم: "ذلك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأُحب أن يُعرض عملي وأنا صائم".
في هذا الحديث يصف الصحابي الجليل أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- صيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مدار العام؛ فكان من هديه أن يصوم ويطيل الصوم حتى يخيل لأصحابه أنه لا يفطر، وكان يفطر أيامًا متتالية حتى يظن أنه لا يصوم، وهذا ما عبَّرت عنه أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-أنها قالت: "كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم"، وكان "أنس بن مالك"- رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى يُقَال قد صام قد صام، ويُفطِر حتى يُقَال قد أفطر قد أفطر.
ومعنى ذلك أن صومه وفطره قد علِمَه الكافة، فمن رآه أيام صومه يقول: لا يفطر من كثرة أيام صيامه، ومن يره أيام فطره يقول: لا يصوم من كثرة أيام فطره، بل كان ذلك هديه صلى الله عليه وسلم.
من السنة صيام يومي الإثنين والخميس:
كان النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- يتحرَّى هذين اليومين ويصومهما، ويحرص على ذلك، كما أخبر "أسامة بن زيد" في الحديث السابق، وكما روت الصديقة أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها.
إن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتحرَّى صيام الإثنين والخميس وحين أدرك الصحابة ذلك عنه سألوه، فقيل يا رسول الله، إنك تصوم الإثنين والخميس، فقال صلى الله عليه وسلم "إن يوم الإثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا متهاجرين".
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول أنْظِروا هذين حتى يصطلحا".
وحين سُئل الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن حكمة صيامه يومَي الإثنين والخميس؟ قال: "ذلك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين, وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
وعرض الأعمال على الله تعالى في هذين اليومين هو عرض خاص غير العرض العام الذي يكون كل يوم بكرة وعشية، فترفع أعمال الليل إليه- سبحانه وتعالى- قبل النهار، وترفع أعمال النهار إليه قبل الليل، كما صحَّ الحديث بذلك عند مسلم وابن ماجه.
ومن هنا ندرك الحكمة من تحرِّي النبي- صلى الله عليه وسلم- لصيام الإثنين والخميس وحرصه على ذلك، فهو يحب أن تعرض أعماله على ربه الجليل وهو صائم، فذلك أحرى أن تُقبل منه.
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يكثر الصيام في شهر شعبان:
اشتهر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- صيامه في شهر شعبان، وأن صيامه في شعبان أكثر من صيامه في غيره، فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان.
فإلى الذين يستنون بسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- ويقتدون به، ويعلنون للدنيا أن الرسول قدوتهم نقول: قد أقبل عليكم شهر حبيب إلى حبيبكم- صلى الله عليه وسلم-، وقد بان لكم خصوصية هذا الشهر ومكانته وعلمتم فضائله ومنزلته، وكيف كان حال النبي- صلى الله عليه وسلم- فيه، فلقد شاع الخبر أنه كان يُكثر الصيام فيه, فماذا أنتم فاعلون؟
إن الباقَة الكريمة من الأحاديث الشريفة التي نوَّرت السطور السابقة، وعطرت مسامعنا تنادي فينا.. هلموا يا أتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى خير كان يحرص عليه حتى وفاته.
حكمة إكثار النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شعبان:
لم يختلف الصحابة الكرام في حال النبي- صلى الله عليه وسلم- في شهر شعبان، وكيف كان يُكثر الصيام فيه، فما الحكمة في ذلك؟
ذكر الإمام الشوكاني- رحمه الله تعالى-: ولعل الحكمة في صوم شهر شعبان أنه يعقُبه رمضان، وصومه مفروض، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يُكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهر غيره لما يفوته من التطوع الذي يعتاده بسبب صوم رمضان.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله تعالى- في بيان حكمة إكثار النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصيام في شعبان: أن شهر شعبان يغفُل عنه الناس بين رجب ورمضان؛ حيث يكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك، فقد روت السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: "ذُكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ناسٌ يصومون شهر رجب فقال: "فأين هم من شعبان".
وفي قوله: "يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان".. دليل على استحباب عمارة الأوقات التي يغفل عنها الناس ولا يفطنون لها، كما كان في بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين (المغرب والعشاء)، ويقولون هي ساعة غفلة، وكذلك فضل القيام في وسط الليل؛ حيث يغفل أكثر الناس عن الذكر؛ لانشغالهم بالنوم في هذه الساعة، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-"إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن", وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله تعالى في وقت من الأوقات، قلَّ مَن يذكر الله فيه.
وقد صح عن النبي الأكرم- صلى الله عليه وسلم- قوله: "العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ"، وخرجه الإمام أحمد في مسنده ولفظه "العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"، وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع ما يرضيه ويجتنب ما يغضبه... كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه.
والمعنى الآخر للحكمة ما عبَّر عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث أسامة بن زيد- رضي الله عنهما-: "وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم"، فأحب النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تُرفع أعماله وتُختَم أعمال السنة وهو على أفضل حال من العبادة والطاعة؛ ولذلك قال: "وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
وذكر في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لصيام رمضان، وترتاض النفوس على طاعة الرحمن.
شهر شعبان شهر القراء:
قال سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي- رحمه الله تعالى-: وذلك لأن القوم كانوا إذا أقبل عليهم شهر شعبان تفرغوا لقراءة القرآن الكريم، ومن ثمَّ قالوا: شعبان شهر القُرَّاء.
خطوات نتواصى بها ونحن على أعتاب الشهر الكريم:
هذا موسم من مواسم الطاعة، وفرصة من الفرص الذهبية التي تتاح لعشاق الجنة الذين يتوقون إلى رفقة سيد المرسلين محمد- صلى الله عليه وسلم- ما أجمل التسابق بين أفراد الأسرة في طاعة الله!!، وما أطيب التعاون بينهم على البر والتقوى والعبادة والطاعة, لا سيما في هذا الشهر الكريم!!.
وقبل أن نفترق نوصي أحبتنا ببعض الوصايا النافعة:
1- الاقتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتأسي به في طاعته لله تعالى، وكثرة صيامه في هذا الشهر الكريم.
2- إن تسارع المسلمات الفضليات بقضاء ما عليهن من أيام رمضان الماضي؛ اقتداءً بأمهات المؤمنين زوجات النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-، حيث كُنَّ يأخِّرن قضاء رمضان إلى شعبان ليوافق صيام النبي- صلى الله عليه وسلم- في شعبان؛ وذلك لأنهن كُنَّ يشتغلن مع النبي- صلى الله عليه وسلم- عن قضاء ما عليهن من رمضان.
3- أن يُقبل الجميع على كتاب الله تعالى تلاوةً وتدبرًا وتعبدًا وتخشعًا، فما هي إلا أيام ويقبل علينا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم.
4- أن يسارع الإخوة الكرام، أئمة المحراب، الذين يؤمون المسلمين في صلاة التراويح، ويبادروا إلى مراجعة ما يحفظون من كتاب الله تعالى، وأن يشغلوا أنفسهم في شهر شعبان بهذا الواجب؛ حتى يكونوا في رمضان على أفضل حال.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير.
________