بقلم: نبيل جلهوم
يقول المولى تبارك وتعالى في حديثه القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًّا فله" (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" (رواه البخاري ومسلم).
وقد جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" (أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه).
يا مسلم يا عبد الله، هنا السعادة هنا العبادة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالفرج قريب.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالله مجيب.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالله لن يضيعك.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالدنيا ساعة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالعمر حتمًا زائل وإن كان يطول.
****
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أن الله معك.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أن لك قائدًا ومربيًا عظيمًا اسمه محمد.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أنك تملك قلبًا طاهرًا ويدًا ترتفع إلى ربها بالدعاء.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أن القرآن رفيقك في جيبك تقرأه نهارك وليلك.
****
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أنك تحافظ على الوضوء الذي يغسل الخطايا.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أنك تقيم الصلاة المريحة للنفوس.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أنك تُطيل الذكر وتُعمل الفكر وتصلي الوتر.
أَحْسِنْ في الله الظن.. طالما أنك متوكل دائمًا عليه.
****
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من فشل كان سببًا في نجاح وتمّيز.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من محنة كانت سببًا في منحة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من مرض كان سببًا في دخول الجنة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من ضيق تبعه سعة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من معيون ومحسود ومسحور قد شُفي في لحظة.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من فقير صار ميسورًا وذا مال.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من الشباب طال شوقه للزواج لضيق اليد ثم تزوج وفرح.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من الفتيات طال انتظارهن للستر والعفاف ثم تزوجن وسعدن.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من عقيم شفاه الله ورُزق البنين والبنات بعدما ذهب حلمه ومات.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من حُلم تحقق، وكم من أمل صار واقعًا.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فكم من ليل طال سواده ثم تحوّل لحظة لفجر جديد وصبح مجيد وسعيد.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فالجنة تشتاق والنبي ينتظرك والحور الحسان تتهيأ.
****
أَحْسِنْ في الله الظن.. حتى لا تمرض وتتلقفك الوساوس والمخاوف.
أَحْسِنْ في الله الظن.. حتى لا تفشل وتخسر.
أَحْسِنْ في الله الظن... حتى لا تتصف بخصلة من خصال الكافرين.
أَحْسِنْ في الله الظن.. حتى يُسرع اليسر مجيئًا بعد العسر.
****
أحْسِنْ في الله الظن.. فإن مع الصبر النصر.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فإن من طَرَقَ باب الله لا يخيب وحتمًا سيُفتَح.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فإن من كان الله معه فماذا يكون قد فقد.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فإن من كان ربه هو همّه فسيكفيه كل هم.
أَحْسِنْ في الله الظن.. فإن من شغله ذكره أعطاه ما لم يعط السائلون.
اعْلَمْ..
اعلم أن إحسان الظن بالله.. هو من شيم المؤمنين.
اعلم أن إحسان الظن بالله.. هو ثقة بالله وإيمان به وتصديق ويقين.
اعلم أن إحسان الظن بالله.. هو حقيقة من حقائق التوحيد الخالص له.
اعلم أن إحسان الظن بالله.. هو إيمان بالربوبية لله وتفرده بالإلوهية ووحدانيته بالوحدانية.
إن أحسنت الظن بالله
إن أحسنت الظن بالله.. فثق به ولا تيأس من روحه أبداً.
إن أحسنت الظن بالله... فثق به ولا تقنط من رحمته يومًا.
إن أحسنت الظن بالله.. فثق أن الدنيا مهما ضاقت في وجهك
والأبواب مهما غُلّقت والأسباب مهما تقطّعت
فستنفتح فتحًا مبينا وستيسر تيسيرًا عظيمًا.
إن أحسنت الظن بالله.. فهنيئًا لك، فإنّ من لم يحسن الظن فيه صار متمردًا عليه خارجًا عنه كافرًا به.
إن أحسنت الظن بالله.. فلا تقنط، فالقنوط من دلائل الضلال.
هلمّوا.. نُحسن الظَنَّ بالله
حين تضعف إرادة الإنسان وتلين عزيمته فإن نفسه تتأثر وتكاد تنهار عند مواجهة أي مشكلة من مشكلات الحياة ومتاعبها التي تواجهنا كل دقيقة وكل يوم.
وحين يفشل مثل هذا الإنسان في موقف ما فإنه يصاب بالإحباط الذي يكون بمثابة همّ ثقيل يمنعه من العيش بصورة طبيعية فيرتبك ويقبع ولا يقدر على العمل والإنتاج لتغيير واقعه بسبب سوء ظنه بربه وسيطرة الإحباط أو اليأس على نفسه وخوفه من كل ما هو آت في المستقبل.
فهذا في حقيقته قد ساء ظنه بربه ولم يثق في سيده ومولاه.
وهذا في حقيقته ما هو إلا ضعيف التوكل على الله وقاطعًا رجاؤه في ربه ومولاه.
وهذا في نهايته ما هو إلا بمثابة إعصار نفسي سيئ قد أصاب نفسه به وبنفسه لأنه يقعد بالهمم عن العمل ويشتت القلب بالألم ويقتل فيه روح الأمل.
إن العبد المؤمن المحسن الظن بالله لا يمكن لليأس أن يتمكن منه أبدًا.. ولا للإحباط أن يعرف إليه سبيلاً.
فهو يثق في ربه ويحسن الظن به وفيه ودائمًا ينظر لقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)﴾ (يوسف).. ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)﴾ (الحديد: 22)
وهذا دائمًا حال المُحسن ظنه بالله
فهو يواجه أمور حياته كلها بإرادة قوية ورضا تام وعزم صادق وإيمان راسخ وثقة في الله لا تتزعزع ويعمل باستمرار على الأخذ بأسباب التوكل والنجاح.. ويقرأ القرآن دائمًا فتنبعث في نفسه روح الأمل والتفاؤل عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ (الزمر: من الآية 53).
وهو يؤمن بأن الأمور مهما تعقدت، والخطوب مهما اشتدت، والعسر مهما تعسر، فالفرج من الله قريب: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾ (يوسف).
إن الإنسان ما دام على قيد الحياة حيًّا يتحرك فلا بد له أن يحسن الظن في ربه ولا ييأس، ويجب أن يتوقع أن يواجه عدم التوفيق في أمور كثيرة- لحكمة ربانية- وأنه يجب أن يبعث في نفسه روح الأمل وجميل الظن بالله، فيراجع نفسه باحثًا عن أسباب عدم التوفيق والتعسر ليتجنبها في المستقبل ويرجو من ربه تحقيق المقصود ويجعل شعاره دائمًا: (سأُحسن الظَنَّ في ربي ما حييت).