اسماعيل حامد
إن رسالة الإسلام في مجملها رسالة تربوية أتت لخير الناس وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، وقد بين رب العزة المهمة التي بعث من أجلها الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال: " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" فأساس رسالة النبي هو التربية والتزكية للنفس، وقد جعل الإسلام الغرض الأسمى من العبادات أن تؤدي بالإنسان إلى الصلاح والتقوى، وأنها تهدف لتزكية النفس وتربيتهاوتهذيبها، فالصلاة مدرسة للتربية والتهذيب وتقويم السلوك"اتل ما أوحي إليك من الكتاب و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله أكبر"، والزكاة مدرسة أيضا للتزكية " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" والحج مدرسة للتربية والتزكية " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" وهكذا هو شأن كل البعادات تأخذ بالمسلم في طريق التربية والتزكية وإصلاح النفس .
ولعل فريضة الصيام وشهر رمضان لا يخرجان عن هذه القاعدة التربوية، فقد قال تعالى " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" فالهدف الأسمى من الصيام الوصول بالمسلم لمنزلة التقوى وإصلاح نفسه وتزكيتها، ويتميز شهر رمضان وعبادة الصيام عن غيرهما من الشهور والعبادات بأن الله جعل فيهما ما لم يجعله في غيرهما من مقومات وأسس التربية الراشدة التي تأخذ بالإنسان في طريق الهداية والتزكية، فقد اجتمعت في فريضة الصيام أركان العملية التربوية ( المربي – المتربي– المنهج – البيئة )بشكل مؤثر وقوي وفعال على النحو التالي :
1- المربي في شهر رمضان يعيش غايته ويدرك الرسالة التي يحملها، ويجد في نفسه القدرة على القيام بمهمته على أكمل وجه، ويفرغ نفسه ووقته لأداء تلك المهمة، ويسعى هنا وهناك، يأخذ بيد هذا ويرشد ذاك، وينصح ثالثا، ويلتف حول رابع، ويدعو خامسا، فهو في رباط تربوي حتى ينتهي الشهر الكريم، وبعده يواصل حصد ما جناه مع المتربين.
2- المتربي قد تهيأت نفسه للشهر الكريم، وتحقق فيه قوله تعالى " وأما من جاءك يسعى وهو يخشى" فقد تحققت فيه أهم شروط ومقومات نجاح التربية وهما السعي والخشية ، فهو مقبل على الله بقلبه، باك بين يديه، لين بين إخوانه، ساع لكل خير، حريص على هداية نفسه، باحث عن الصحبة الصالحة .
3- المنهج بأهدافه ووسائله وأنشطته وأدوات تقويمه متاحة كاملة في الشهر الكريم، إنها مدرسة التربية المتعددة المناهج والوسائل ما بين تلاوة القرآن والصيام والقيام والاعتكاف والدعوة والحركة والصدقة .
4- البيئة التربوية متوفرة بشكل غير مسبوق في غير هذا الشهر الكريم، إنها البيئة الفريدة، فقد " فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" فلا أصدقاء سوء ولا شياطين توسوس ولا دنيا تزخرف، بل صحبة صالحة ومحاضن تربية رائدة ومساجد عامرة ومناخ مجتمعي عالى الإيمان
وهكذا يجعل الله في شهر رمضان ما لا يتوفر لغيره " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناسو بينات من الهدى والفرقان" ، فقد تجمع فيه : (مرب يعيش رسالته، ومترب مقبل على الله، ومنهج متكامل وحي وفعال، وبيئة تربوية فريدة) .
ومن هنا كان شهر رمضان عبر التاريخ مدرسة متواصلة ومستمرة في التربية والإعداد والتزكية، وهي المدرسة التي يجب أن يهتم بها المربون وألا يغفلوا عن أثرها في تربية الناس وتوزيدهم بالشحنات الإيمانية وتثبيت القيم التربوية والأخلاق الإسلامية في تلك النفوس، وتتميزهذه المدرسة بالمحطات المتتابعة والمتتالية والمتدرجة في الأخذ بالنفس، مع الاستفادة من أحوال النفس صباحا ومساء، ومع التنوع في الأعمال التربوية ما بين صيام النهار وقيام الليل والذكر وتلاوة القرآن، والعمل المتعدي بالنفع للغير والاعتكاف والدعوة والجهاد والانفاق في سبيل الله وغير ذلك من تلك الأعمال الصالحة والمقومة للنفس .
وحول مدرسة رمضان التربوية سنقف وقفات طوال هذا الشهر الكريم، نستلهم منها الدروس والعبر، وننتقل بأنفسنا من مرتبة إلى مرتبة في طريق الهداية والإصلاح والتربية والتهذيب حتى نحقق الغاية المنشودة والرسالة التربوية لهذا الدين العظيم .. والله أكبر ولله الحمد
ـــــــــــ
كاتب وباحث إسلامي