بقلم: معتز شاهين
ساعات ويهل علينا شهر الرحمة والعتق من النيران، وهذا الشهر العظيم يحتاج منا نحن الكبار إلى استعداد إيماني خاص حتى نستطيع أن نستغل أيامه المعدودة في فعل الخيرات، وكذلك الحال مع الصغار، بل إنهم يحتاجون إلى استعداد مكثف لكي يدركوا أن الشهر الذي سيهل عليهم شهر غير عادي.
وكذلك هو وسيلة لزرع كل خير فيهم، وإبعادهم عن كل ما هو سيئ، لذا يجب على المربي اغتنام الساعات المقبلة، والتي تسبق الشهر الكريم في تهيئة الجو المحيط بالصغير، وتهيئته نفسيًّا للجو الرمضاني من صيام، وصلاة وعبادة وقرب من الله.
وهذا الشهر يعد فرصة عملية وواقعية لتقوية إرادة الأطفال وزرع الثقة في أنفسهم والاعتماد عليها، فهي وسيلة فعالة وعملية للتربية؛ ولكن يسبق هذا المارثون العملي استعدادات يمكن أن تزيد من إيجابية وتفاعل الطفل مع ذلك الشهر الكريم.
تهيئة الطفل نفسيًّا لقدوم رمضان:
ويمكن الاستعداد لذلك الشهر بداية بوضع ملصق أو لافتة على باب المنزل، يكتب عليها عدد الأيام المتبقية على قدوم الشهر الكريم، ويكتب على اللافتة ساعات ويأتي إلينا ضيف عزيز، ومع كل ورقة مكتوب عليها يوم نصيحة، أو حديث يحث على فضيلة من الفضائل.
وكذلك يمكن للوالدين أن يعقدا ندوة أسرية بسيطة تعرف أطفالهما برمضان وفضله، مع الوعد بحوافز ومكافآت لمن يصوم ويقوم الشهر مع الوالدين، ويمكن كذلك عقد مسابقة بسيطة حول شهر رمضان بحيث يشجع هذا الطفل على البحث بنفسه والتعرف على فضل شهر رمضان.
وكذلك على الوالدين تعليق الزينات في أرجاء البيت، وإشراك الصغار في تعليق تلك الزينات، مما لها من أثر نفسي مبهج، وسعيد على الصغار، ويجعل قدوم هذا الشهر الكريم يرتبط معهم بذكريات سعيدة ومبهجة.
تهيئة الطفل نفسيًّا للصوم:
- الاستعداد النفسي للصيام مهم بالنسبة للطفل وخصوصًا صغار السن منهم، فيبدأ الأب يمهد للطفل بكلامه حول هل ستصوم هذه السنة؟ وهل لك أصدقاء سيصومون معك؟ مع ضرورة التدرج في عدد ساعات الصوم. وضرورة إلهاء الأطفال أثناء الصوم بما يحبون من الألعاب ونحوه، وذلك اقتداء بما كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم مع صغارهم، فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت "أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من أصبح مفطرًا فليتم يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم"، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك، حتى يكون عند الإفطار" (رواه البخاري ومسلم)
وكذلك ضروري ألا يتم معايرة الوالدين أو أحد أفراد الأسرة لإفطار الطفل قبل موعد الإفطار، بل يكون هناك تحفيز ويؤكدون له بأنه لو أتم صيامه لآخر اليوم فسوف تكون هناك مفاجأة كبيرة له، وعندما يتم الطفل أول صيام كامل له يكون الإفطار عبارة عن حفلة تحتفل فيها الأسرة بأكملها بإتمام الطفل الصيام لآخر اليوم.
كذلك يمكن استخدام القصة المفيدة والنافعة لتوصيل إيحاء إيجابي للطفل حول الصيام، والصبر على ما نحبه هو الطريق للفلاح في الحياة المستقبلية للطفل. مع عدم إظهار الشفقة الزائدة عن الحد أمام الطفل بسبب جوعه أو عطشه، بل تحفيزه ودفعه إلى ذلك بأنه رجل ويتحمل المشاق.
تهيئة الطفل نفسيًّا للصلاة والقيام:
وكذلك الاستعداد النفسي للصلاة والقيام (التراويح) في المسجد- بشرط أن يكون الطفل واعيًا، ولا يسبب مشاكل في المسجد ورواده-، فنربط الطفل بالمسجد وصلاة التراويح بأن نجعل هناك نزهة بعد كل صلاة، ولو بسيطة للطفل وشراء حلوى، وما شابه للصغار، حتى ولو لم ينزل الطفل للصلاة، حتى يرتبط المسجد والصلاة معه بكل ما يتمناه ويريده.
وكذلك مراعاة إحضار جميع الأبناء إلى المسجد، وعدم ترك أحد في المنزل بأي حجة، كي لا يكون سببًا في تقليل همة البقية، مع إمكانية مشاركة الصبية الصغار في أعمال بسيطة داخل المسجد وأثناء الصلاة، من توزيع المياه والتمر على المصلين، مما يعزز من ثقته في نفسه، ويجعله منفتحًا على الآخرين.
تهيئة الطفل نفسيًّا لقراءة القرآن والذكر:
الطفل الصغير ما هو إلا نسخة مصغرة من والديه، فإذا رأى والديه يقرآن القرآن ويذكران الله، حتى وإن لم يكن قد أتقن النطق وهو صغير بعد فسنجده يتمتم بكلمات غير مفهومة مقلدًا والديه، لذا فالوالدان هما مفتاح السر هنا في تهيئة الأطفال منذ صغرهم لحب القرآن وذكر الله.
وفي رمضان يكون استعداد الطفل النفسي على أشده، لذا يجب على الوالدين تحفيز ذلك الشعور وتنميته بوسائل عدة معنوية ومادية، مع مراعاة التدرج في قراءة القرآن.
رمضان والتلفاز:
بالنسبة لمشكلة التلفاز في رمضان، يقترح أن يعقد الوالدين اجتماعًا عائليًّا يحددون فيه وزيرًا للإعلام داخل الأسرة من أبنائهم، ويقومون متعاونين بتحديد البرامج المفيدة والنافعة التي يمكن مشاهدتها أثناء الشهر الكريم، ويتم عرض هذا البرنامج في مكان ظاهر بجوار التلفاز ويعذر من يخالفه أثناء الشهر.
وكلمة أخيرة أن الأمر عائد إليكما أيها الوالدين في تكوين ذاكرة إيجابية لدى صغاركم حول هذا الشهر الكريم، فتعامل الأب والأم مع الطفل أثناء الصيام بشيء من الغلظة والعصبية والحجة بأني صائم ولا أطيق ما يفعله الصغار هو ذاكرة سلبية لرمضان تخزن لدى الطفل، وتؤثر في اتجاهاته وسلوكه نحو هذا الشهر العظيم، لذا يجب على الوالدين تكوين ذاكرة سعيدة ومبهجة لصغارهم نحو هذا الشهر الفضيل.