أم كـــلــثـوم بــنـت عـــقــبة بـــن أبــي مــعـــيـط
صحابية جليلة سجلت لها في التاريخ نفحة من نفحات الخلود حين أكرمها الله
بالإسلام ،
فقد أسلمت ورأت بنفسها صرخات المتألمين ، و آهات المعذبين تحت سياط
وضرب كفار قريش ، فما اهتز إيمانُها ولا تزعزعت ثقتها بالله ،
لكن أنى لها وهي امرأة وحيدة لا زوج لها ولا أهل مسلمين يعينونها على
اللحاق برسول الله إلى دولة الحق و الإيمان ،
لقد كتمت إيمانها ، وحملت في قلبها الأمل بالله عز وجل بأن يعينها على
الفرار بدينها من دولة الباطل وحزبه إلى مدينة النور والإيمان ،
وجاء يوم اقترب فيه رسول الله من مكة فخفق قلبها ،
لقد جاء رسول الله ومعه صحابته يريدون البيت لأداء العمرة ، لكن قريش
منعتهم ووقفت دون رسول الله وما يريد ،
إلى أن كان صلح الحديبية الذي تم بين رسول الله وبين قريش ، ذلك الصلح
الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم قال تعالى { إنا فتحنا لك فتحا" مُبينا" }
و أحست أم كـــلــثـوم بقلبها يخفق بل ويكاد أن يطير من الخوف والرهبة من قريش ، فكيف لها أن تُهاجر
وقد كان من شروط الصلح ( أن يرد رسول الله من يهاجر إليه من المسلمين إلى قريش )
وهي طالما تمنت أن تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنال شرف
الهجرة في سبيل الله والدين والعقيدة ،
وخرجت أم كـــلــثـوم وحيدةٌ لا أنيس ولا ونيس لها من النساء تريد المدينة ،
وصاحبت رجُلا" من خُزاعة كانت قد اتفقت معه بعد أن بلغها إسلامه ،
فاتفقا على الهجرة إلى المدينة ،
وقدمت أم كـــلــثـوم على رسول الله مُهاجرةٌ فرارا" بدينها من ظلم المشركين
وكفرهم ، وما كادت تحط رحالها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى أدركها أخواها ( عـــمــارة و الـــولــيـد ) ابنا أحد رؤوس الكفر عقبة بن
أبي معيط ، فدخلا على رسول الله وقالا : " يا محمد أعد لنا أختنا أم كـــلـثـوم
ردها إلينا هناك شروط متفق عليها بيننا وبينكم ، و أنت من نعلم لا تنقض
عهدا" ولا تخلف وعدا" " ،
فـقـالـت أم كـــلــثـوم : ( يا رسول الله أنا امرأة ، وحال النساء إلى الضعف ،
فأخشى أن يفتنوني في ديني ولا صبر لي )
فنزل قوله تعالى : *{ ياأيها الذين ءامنوا إذا جآءكم المؤمنات
مُهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات
فلا تُرجعُهُن إلى الكفار لا هُنّ حلٌ لهم ولاهم يحلون لهُنّ وءاتوهم
مآأنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكيحوهن إذآ ءاتيتموهن أجورهن ولا
تُمسِكوا بعصم الكوافر وسئلوا مآأنفقتم وليسئلوا مآ أنفقوا ذلكم حُكمُ
الله يحكم بينكم والله عليم حكيم }*
وبذلك نقض الله تعالى العهد في النساء ، واستثناهن ، وكان
الإمتحان ( لأم كـــلــثـوم )
التي كانت الممتحنة الأولى ،
لقد خرجت حبا" في الله ورسوله وطلبا" للإسلام ، لا حبا" لزوج
أو مال ،
حتى كان رسول الله يقول للنساء : " آلله ما أخرجكنّ إلا حب الله
ورسوله
والإسلام أما خرجتن لزوج ولا مال ؟ فإذا قلن ذلك لم يرجعهن إلى الكفار "
وتقدم لتلك المهاجرة العظيمة ( زيد بن حارثة ) رضي الله عنه ، وتزوجها
واستشهد ( زيد ) فتزوجها ( عبدالرحمن بن عوف ) رضي الله عنه وولدت
إبراهيم وحميدا" ، ثم تزوجها ( عمرو بن العاص ) وتوفي وهي زوجة له
لتختم حياة كريمة حافلة ،
إنها امراءة آمنت بالله ربا" وبالإسلام دينا" وبمحمد نبيا" ، فباعت كل شئ
وهاجرت في سبيل ذلك ،
إنها امثولة في الإيمان والعقيدة ، ومثالا" صادقا" على الإخلاص لله عزوجل
لم يهدأ لها بال وهي تعيش وسط بيئة الكفر والشرك في مكة ، وما فكرت
بضعفها ولا بحياتها كامرأة لا معين لها ، بل قررت أن تخرج في سبيل الله
حيث العلم والإيمان والمعلّم ، فكانت صادقة مخلصة عظيمة ، لذلك استحقت
أن تكون ممتحنة ، وأن ينزل فيها إنصاف واستثناء من الله عز وجل ، بأن لا
تعود إلى الكفار ، فالله تعالى تكفل برعايتها وحمايتها ،
رضي الله تعالى عن المؤمنة المهاجرة فقد كانت قدوة في التضحية والعزيمة
والاصرار والصبر والثبات .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
تحياتى لكم،،،،،،،،،،،،