محمد- القاهرة
السلام عليكم..
أرجو الاستشارة في أمر قريبة لي، هي متزوجة وتشتكي أنها صدمت في زوجها عندما اكتشفت أنه على اتصال عاطفي بامرأة أخرى، واكتشفت ذلك من خلال متابعة المكالمات، ورسائل الموبايل التي أكدت حقيقة تلك الاتصالات.
وبالطبع حدث مواجهة وشد وجذب، إلا أن الزوج أنكر والزوجة فقدت الثقة تمامًا، ولكنها- حفاظًا على الأولاد- أقنعت زوجها أنها تصدقه، وأنه ليس هناك شيء، وأنها كانت قد أساءت الفهم، لكنها متأكدة يقينًا من خداعه لها؛ حيث إنها أجرت مكالمة بشكل غير مباشر، وبدون علم الزوج بالرقم الذي يراسل زوجها، وتأكدت أنها امرأة..!.
والزوجة لم تجد من تلجأ إليه إلا الله عز وجل، ولكن طلبت مني المساعدة، وأنا أخشى أن أحدث زوجها فيزداد عنادًا وإصرارًا على الإنكار، والأمور تزداد تعقيدًا، أرجو النصح لي وللزوجة... وجزاكم الله خيرًا.
* تجيب عنها: غادة صلاح، الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين):
إن من مشيئة الله سبحانه وتعالى أن المصيبة حين تقع تتدرج إلى مراحل حتى تأخذ مداها وتنتهي؛ فهي تبدأ بالصدمة الأولى لحظة معرفة الحقيقة المرعبة، (وهي هنا أن الزوج على علاقه مع أخرى)، ثم تنتقل إلى الإنكار، فعندما يشعر الإنسان بالإحباط من الصدمة سرعان ما يشعر بعدها بأنه قد خذل؛ فتقول المرأة في نفسها: إن الطرف الآخر لم يكن هو الشخص الذي ظننت أني تزوجته، لقد كنت أحسبه شخصًا غير هذا.. لقد كنت مخدوعة في خصاله طوال هذا الوقت!!.
ثم يتحول الإنسان إلى حالة من الألم على قدر الاختلاف بين تخيلاته السابقة عن شريكه والحقيقة التي أدركها الآن، وهنا ينتاب الإنسان حالة من الغضب والصراخ والنقد وتقاذف الاتهامات، ويبدأ في المساومة وعقد الصفقات، والرجل لا يقبل المساومة، وتلك الحالة تلجأ إليها المرأة قسريًّا عندما تصدم هي، فهي تكون في حالة رغبة من الانتقام والعقاب والصراع القوي، ومحاولة استرداد ما يمكن استرداده، وهي حالة تزيد الأمر سوءًا وتزيد العلاقة توترًا!.
وعندما لا تنجح الصفقة- وهي بالطبع ما يحدث عادة- تصل إلى حالة من اليأس تشعرهما بأنها النهاية التي لا يوجد عندها بارقة أمل!.
وعند هذه النقطة السيناريو النهائي يكون أحد ثلاثة:
- إما الطلاق وهو بنسبة 50% من الحالات- كما توضحه الدراسات والحالات- وأظن قريبتك خارج هذا السيناريو يا سيدي.. ينبئُني بذلك تصرفها الحكيم.
- وإما أن يشغل كل من الطرفين وقته في (البحث عن عمل إضافي.. أو تطوع خيري).
- و5% فقط يتجاوز فيها الأطراف الصراع، أيًّا كان سببه، ويعملون على خلق حياة زوجية مستقرة.
وأنا أظن يا سيدي أن قريبتك مؤهلة للاختيار الأخير لعدة أسباب: أن إنكار زوج قريبتك يعني إبقاءه على رضاها، وإيثاره لها، ورسالة واضحة بأنها الأهم في حياته، وأنها الأولى على قائمة أولوياته، ويعني أنه عقد مقارنةً بينها وبين العلاقة الأخرى فحكم على العلاقة الأخرى بأنها زائلة، ومؤقتة، فلم يثبتها ولم يدافع عنها.
وإني لألمح الحكمة في تصرف قريبتك يا سيدي؛ بأنها أقنعت زوجها بأنها تصدقه، فالرجل حقًّا كالطفل الصغير الذي يحتاج إن أخطأ أن يعود إلى أمه الدافئة الحنون فيجد عندها الصفح والغفران مهما كان حجم خَطَئِه.. والرجل وإن اعتلى أعلى القمم وتقلد أعلى المناصب هو هو الرجل.. يحب أن يشعر أنه الابن المدلل الذي يستحق من أمه الصفح والغفران مهما كانت فداحة فعلته.
ولئن سألتني عن مشاعرها وكرامتها وصدمتها فسأجيبك بأنها ليست معفاةً من الخطأ الذي حدث، بل هي طرف أصيل فيه، فالرجل يفعل ما فعل ذلك الزوج حينما يجد شيئًا جديدًا داعب مشاعره ودغدغ عينيه وأذنيه، فلقد وجد عند المرأة الأخرى ما لم يجده عند زوجته.
ولعلها تراجع نفسها مرة أخرى؛ لتجد ما نسيته في علاقتها بزوجها، أو ما أفقدها إياه الزمن والانشغال بالأولاد والمنزل والأمور الأخرى، ولتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "الكيس من دان نفسه"، وإني لأحسبها بهذا الوصف الذي وصفه صلى الله عليه وسلم.
أخيرًا.. ذكِّرها يا سيدي بأن المشكلة إذا احتاجت لكي تنعقد إلى الطرفين فإنها تحتاج لكي تحل إلى طرف واحد؛ هو الأحكم والأكثر فطنة وإيجابية.
وتجيب عنها أيضًا نادية عدلي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخ الفاضل:
أرى أن الأمر قد تكون له احتمالات متعددة، فربما كانت هذه المرأة التى يتصل بها زوجها لها مشكلة حياتية، ومن هذه المشكلة بدأت القصة وربما لم تنته مشكلتها بعد، وبالتالي فسيكون الشك في أمر الزوج وافتعال المشكلات معه من أجل أمر هو ليس في نيته، ربما يثير تفكيره في الأمر جديًّا.
الاحتمال الآخر أن يكون الأمر بدأ من جهة المرأة؛ لأنها وجدت فيه الزوج الصالح، وهو ما تفتقده هي ولم تفكر سوى في ذاتها، وبالتالي فستعطي الرجل من الاهتمام والمشاعر وإظهار كم احتياجها إليه وتضخيم شخصه ما يجعله ينجذب إليها، ويزداد الأمر إشكالاً إذا كان الإعجاب بدأ من الرجل بهذه المرأة؛ لأنه وجد فيها ما يفتقده في زوجته، وما قد يكون وجهها إليه مرارًا؛ لكنها لم تأبه له، في حين أن الأخرى تبدي أفضل صورة وتظهر العطاء والتشبث، وتستخدم من الأساليب ما يستقطب الرجل جهتها.
وأرى أن تصديق الزوجة لزوجها في إنكاره هو شيء جيد، سيجعله يعيد حساباته ويراجع نفسه؛ ليثبت لها فعلاً أنه ليس على علاقة بهذه المرأة.. الشيء الآخر المفروض عمله من قبل الزوجة هو مراجعة نفسها، فيما كان يضايق زوجها من قبل، وما كان يتمناه منها ولم تكن تفعله، فإن قالت: أنا لا أقصر في حقه مطلقًا، فربما يكون له احتياجات مغايرة لما في ذهنها، فلتجلس معه جلسة صفاء وود وتسأله عما يحبه ويرضاه، وما قد تكون شغلت عن أدائه بسبب انشغالها بشئون البيت الأخرى، وتتعرف على ما يجول بخاطره دون تعليق أو معارضة أو نقد أو عتاب، فقط هي جلسة استطلاعية؛ لتقارن بين ما كانت تعطيه له وما يريد هو أن تبذله من أجله من وجهة نظره، لا من وجهة نظرها.
كذلك تصرح له هي بما تودُّه منه من كلام طيب أو تقدير أو حنان أو غير ذلك؛ مما يزيد من دافعيتها للبذل والعطاء له، لكن ذلك بعد معرفة مكامن نفسه وما يستشعر نقصه أو افتقاده في حياته الزوجية، وبالطبع فإن أول ما تراجعه مع نفسها هو حقوقه الشخصية، وثانيها هو الاهتمام والتقدير والاحتواء له، وأن تضع في حسبانها أن طبيعة الرجل غير طبيعة المرأة فسيولوجيًّا، فما تعتقد المرأة أنه القمة في العطاء قد لا يعتبره الزوج كذلك؛ لذا ينبغي المصارحة بشأن ما يريد ويحب؛ لتدرك الأمور من وجهة نظره فتستجيب لما يرضيه، ثم تعبر له عما يرضيها ويزيد من طاقتها في العمل من أجله.
ولتعلم أن الحياة الزوجية يصيبها الملل وتحتاج للتغيير في المظهر أو النشاط أو غير ذلك، وأن أسلوب الحوار له أكبر دور في إدارة المشكلات وحلها، فلتستعن بالإنصات لما يقول وبالصوت الخفيض وعدم المجادلة وبالكلام الطيب عند عرضها لما تريد عرضه، مع إشعاره بحبها له وكونه أكبر قيمة في حياتها، بأحسن أسلوب وحين توفر له كل ما يريد ويتفاهمان بشأن كل الأمور سيجد الزوج أنه لا ضرورة لإقامة أي علاقة أخرى، وستتلاشى بالتدريج تلك العلاقة ويصلح الله ذات بينهما بإذنه تعالى