كثير منا مشارك في تلك القضية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر , بعضنا مشارك فيها بالصمت عليها وبعضنا مشارك فيها بعدم الإنكار أو بالمشاركة السلبية أو غيرها .. ولاشك أن بعضنا قد شارك فيها مشاركة فعلية فتسبب في انحراف بناتنا انحرافا نفسيا تلاه انحراف سلوكي فعلي !
الجوانب التي نريد الحديث عنها مختلفة وبعضها مترابط وبعضها لاترابط بينه لكنها جميعا تصب في بوتقة واحدة هي بوتقة الدور الأسري في تربية البنت
فلاشك أن كثيرا من الآباء يريد لبناته العفاف والستر والحياة المليئة بالرفاهية لكن قد يقع الآباء في خطر غير مقصود من اجل ذلك وقد يتعرض كثير من البنات لأزمات نفسية وسلوكية بسبب تشدد الآباء في الحفاظ على نفس المستوى المعيشي لهن بعد زواجهن .
إنني أتذكر زمنا ليس ببعيد كان فيه الزواج سهلا وكان الآباء حريصين على اختيار الزوج لبناتهم فإذا وجدوا في ذلك الزوج الرجولة والاستقامة تساهلوا معه في متطلبات ذلك الزواج , فكانت الأمور سهلــة ومبسطة وخالية من التعقيد , أما الآن بعد أن ظهر بين الأسر التفاخر والتباهي تجد كل والد يريد الزواج لأبنته بالمستوى العالي والمال و.. و ... و... , ويرفض التنازل وينسى أن الإنسان لا يأخذ ولا يدرك كل شيء في الدنيا دفعة واحدة وينسى قوله صلى الله عليه وسلم " إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنه " .
وهذه الرسالة وصلتنا من إحدى الفتيات تقول :" إننا ثلاثة بنات فأنا الابنة الكبرى أصبح سني الآن اثنان وثلاثون عاما فكلما تقدم لي شاب لخطبتي رفض أبي وأمي بحثا عن العريس الغني وصاحب الخلق وصاحب البيت الواسع وصاحب السيارة يريدون كل هذه الشروط ويرفضون التنازل عن أي شرط , أما أختي الأصغر مني سنا فقد تقدم إليها شاب ليس غنيا فهو مكافح يعمل بكل قوة لكسب الرزق الحلال وبيته متواضع جدا وبعد محاولات تمت الخطبة ثلاثة شهور وأراد والدي بعد ذلك أن يفك هذه الخطبة لكن تمسكت أختي بخطيبها وبدأت المشاكل تتوالى لكي تترك ذلك الشاب لكن أختي رفضت ترك خطيبها , فهربت معه وتزوجت وعاشت في بيته الفقير لأن عمرها وصل إلى سبعة وعشرون عاما فإنهم كانوا يريدون تكرار المأساة التي أنا فيها الآن "!
فمع الإقرار الكبير بخطأ البنت وسوء سلوكها فيجب ألا ننسى أيضا أن تعقيد الأمور بالنسبة للآباء كان السبب الأول لدفع الفتيات والشباب للهروب فمنهن من تتزوج بالزواج العرفي ومنهن من تضيع أخلاقها في كارثة اجتماعية وانتكاسة أخلاقية .
وجه آخر للمشاكل يتسبب فيه عدم الرجوع إلى شرع الله سبحانه , فغياب التنشئة الدينية ورح المراقبة لله سبحانه وتعالى والاستهانة والاستخفاف بحدوده أدى إلى التقليد الأعمى الغربي مما أدى إلى ذوبان شخصيتنا وهويتنا , وأقصد هنا ما انتشر من رغبة الفتاة في تحديد مصيرها بنفسها بعيدا عن وليها , فنسمع كثيرا منهن تتحدث عن حريتها وشخصيتها وقرارها الذي لا تريد فيه تدخلا من أحد لدرجة إقصاء رأي الأسرة بكاملها وهو نوع من الخلل تقع فيه الفتاة إذ تغفل عن قدرة المحيطين بها من رؤية المصلحة الخاصة بها وخصوصا وليها الذي ألمح إليه النبي صلى الله عليه وسلم وإلى دوره الرئيسي بقوله : " لا نكاح إلا بولي " .
الوجه الثالث للأزمة يظهر أكثر بين طلبة الجامعات المختلطة تحت ظل الحرية الغير منضبطة التي أعطتها بعض الأسر لأفرادها في مصاحبة من شاءوا من أصناف البنات والاختلاط بالجنس الآخر دون تدخل لمعرفة آثار هذه الحرية المزعومة وهي تفعل ذلك تحت دعاوي المدنية والتقدم
وهاهنا تقع المسئولية على المسئولين عن تلك الخلطة المحرمة , فهم قد وضعوا الفتاه بجانب الشاب على مدرج واحد مدة سنين !! أدى ذلك إلى كارثة ما يسمونه إعجاب الزميل بزميلته والعكس .
حتى في الحالات الأقل انحرافا وعندما يقرر الشاب هاهنا أن يذهب ليتقدم إليها من الباب ليتزوجها فيقابل بالرفض من قبل الوالد لأنه مازال صغيرا وما زال يدرس وليس مؤهلا لتحمل المسئولية بعد وعندئذ لا يجد الاثنان بابا سوى الزواج السري أو العرفي وتعود الكارثة من جديد بوجه آخر !
كذلك فإن غلق باب الحوار بين الآباء وأبنائهم سبب آخر في تلك المشكلات , فالبنت لا تجد من يتحادث معها ولا من يتقرب إليها فتفاجأ من الغرباء بحديث جديد على آذانها منمق معسول , فما تلبث أن تسقط في براثنه !
فلابد من توفير وقت من قبل الأب والأم للجلوس مع الأبناء والبنات بالخصوص والحوار معهم في جميع الأمور ومناقشة أرائهم وعدم الضغط عليهم لأن الضغط يولد الانفجار مما يدفعهم للإقدام على أعمال غير مدروسة لا تحمد عقباها ..!
إن غياب الرقابة الأسرية والقرب الأسري من الأبناء هو العمود الفقري لتلك المشكلات أجمعها
من جانب آخر فإن هناك بعض الممارسات التي تساعد في إنشاء المشكلة ابتداء من مثال سفر الآباء إلى الخارج وله نوعان من المخاطر الأول بعده عن أولاده وتركهم دون رقابة , أما الخطر الثاني من سفره فإنه برغبته أن يعوض أولاده عن بعده لهم بإرسال الأموال الطائلة إليهم فتجد غزارة الأموال في أيديهم تفسدهم فيتوجهوا بهذا الإسراف المادي إلى مظاهر العبث و الفوضوية .
وكذلك سماح أولياء الأمور بخروج الفتيات متبرجات ناسين في ذلك حديثه صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فعليه عدم السماح بالخروج إلى بالزي الشرعي الكاسي لبدنها والأحفظ لها.
وكذلك ما يمكننا أن نلحظه في البيوت من استهانة الآباء في مشاهدة ومتابعة ما يظهر في وسائل الإعلام من أفلام ساقطة وإعلانات فاضحة وخليعة مما أمرض قلوب أبنائنا , فعلى ذلك الإعلام أن يتقى الله سبحانه في شباب هذه الأمة وعدم إثارة الشباب بالسموم المبثوثة من وسائله البعيدة كل البعد عن العفة والفضيلة فإنه يستوجب غضب الله تعالى " واتقوا فتنه لاتصيبن اللذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب"
ومهما تطورت أنماط حياة الإنسان ومهما تغيرت أشكالها سلبا أو إيجابا فإن ديننا الإسلامي قادر على السير بالإنسان نحو السعادة والهناء بثوابته الربانية بما يتضمنه من الوحي الإلهي الذي يحمل للناس حلول المشاكل كلها على مر الزمان .
تحياتى لكم،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،