. سعيدة أبو سوسو: تجاهل دور الأسرة في الاختيار خطر
- د. حامد الهادي: حب سريع.. زواج سريع.. طلاق سريع
تحقيق: سالي مشالي
تفضل أكثر الأسر أن يتزوج أبناؤها زواجًا تقليديًّا عن طريق الزيارات الأسرية وبالأسلوب المعتاد، وحبَّذا لو اختارت الأسرة بنفسها عروسةَ ابنها أو عريس ابنتهم، وفي المقابل نجد الشباب يختلفون في تفضيلاتهم أي نوعي الزواج يفضلون.. زواج الحب أم زواج الصالون (الزواج التقليدي)..؟ ربما يساعدنا على حسم الموقف أن ندرس حالاتٍ تزوجت بكلٍّ من الطريقتين ونرى أيهما أنجح ولماذا؟!
منال طبيبة ناجحة متزوجة من مهندس متميز ولديها ثلاثة أطفال، تعرفت منال على زوجها عن طريق صديقة طبيبة متزوجة من مهندس..
بداية القصة كانت بعد أن تعرَّف كلُّ طرف على ظروف الطرف الآخر.. المادية والاجتماعية.. من خلال الأصدقاء، ثم تم الاتفاق على المقابلة التي سيشاهد فيها كل منهما الآخر، كانت لحظاتُ اللقاء سريعةً أمام مقرِّ عمل الصديق المشترَك، وحدث القبول المبدئي، بعدها ذهب مصطفى "العريس" لزيارة العروس بمفرده في منزلها والتقى بأسرتها، ومِن ثمَّ كانت الموافقة على استقبال أسرته في الزيارة التالية، وبعد الانسجام بين الأسرتين كانت جلسةُ الاتفاق على التفاصيل والماديات وموعد الزواج.. تم الزواج بحمد الله وبدأت الحياة الزوجية.
وتقول منال: إنها وجَدَت في زوجها "توأم روحها" وإن حبَّها له ملكَ عليها قلبَها، وإنها لم تكن تتخيل أن تتزوَّج زيجةً ناجحةً وموفقةً بهذه الصورة.. إن أحلامهما متشابهة وأفكارهما متوافقة.. إنها تعرف فيم يفكر دون أن يخبرها وهو يُحضر لها ما تتمناه دون أن تطلبه، وهي تحمد الله أن وفَّقها لزوجها الذي لم تكن تتمنى أو تحلم أن تتزوج مَن هو أفضل منه.
حسنًا.. هذا نموذج ناجح للزواج التقليدي، ولكن ماذا عن الصديقَين اللذَين عرَّفا منال على زوجها؟!
هدى صديقة منال المقرَّبة، إنها هي التي اختارت منال لصديق زوجها وهي من دبَّرت لاكتمال اللقاء وعرَّفتْهما ببعضهما.. تزوجت هدى هي الأخرى بالطريقة التقليدية، وقد جاء زوجها إلى أحد الأفراح خصِّيصًا حتى يراها، أما هي فلم تره إلا في زيارة التعارف التي جاء فيها إلى منزل أسرتها، وكان القبول ثم الترتيبات والإجراءات المتعارَف عليها.
تحكي هدى أنها أحبَّت زوجها وأقبلت على حياتها معه بحماس ولكن هل هو أحبها؟! لقد تصاعدت المشكلاتُ بينهما بالتدريج، من أمور صغيرة إلى أمور جوهرية وكبيرة، واتضح أن تدخُّل أهل العلم والثقة لم يغيِّر من حجم المأساة، وبعد أربعة عشر عامًا من المعاناة وأربعة من الأبناء لا ذنبَ لهم فيما يحدث تم الانفصال ثم الطلاق.
إن الطلاق كان جوهرةً كريمةً لم تحلم هدى بالحصول عليها، وبالفعل ساومها زوجُها السابق كثيرًا وأهدر الكثير من حقوقها وحقوق أبنائها قبل أن يُنعم عليها بالطلاق، وترى هدى أن الله أكرمها بالطلاق بالدعاء، وتَعتبر يوم طلاقها من هذا الزوج يوم عيد، رغم إشفاقها على الأبناء، وتلوم هدى زيجة الصالون، ولكنها لا تنكر أن ما حدث كان قدَرًا، وطريقة الزواج لم تكن لتغيِّر من هذا القدر شيء.
زواج الحب
فاطمة فتاة جادَّة جدًّا وملتزمة مع صديقاتها جميعًا من بنات جنسها، وعلاقتها بالشباب في أضيق الحدود، وفي سنة التخرج كانت تذهب إلى المعهد البريطاني للاستعانة بالمكتبة هناك في مشروع التخرج، وفي المعهد البريطاني التقت بأشرف (جارها) الذي حيَّاها وأبلغها سلامَه للأسرة، وهي بدورها أبلغت تحيتها لأخواته ووالدته ومضت في طريقها، في المرة الثانية سألها عن سبب حضورها للمعهد وأخبرها عن سبب حضوره وقليل من كلمات المجاملة وانتهت المقابلة.
في المرة الثالثة جلسا معًا وشربا الشاي حتى تنتهي فترة الاستراحة، وتبادلا الحوارَ في مواضيع مختلفة، وبالتدريج ارتبطا عاطفيًّا ببعض، ثم كانت قصة الحب التي أدّت إلى الزواج، ورغم صغر حجم شقة الزوجية وأن مرتب أشرف وحدَه لا يكفي- مما اضطَّر فاطمة للعمل حتى بعد أن رُزقت بثلاثة من الصغار متقاربين في السن- إلا أن فاطمة تشعر بالرضا وأنها أحسنت الاختيار، فأشرف هو فتى أحلامها الذي أصبح فتى واقعها أيضًا، وقد تأقلما معًا في أمور كثيرة وحرصا على إرضاء بعضهما والحفاظ على علاقتهما الزوجية دائمًا دون معارك أو خلافات بل وتجديد حياتهما من آنٍ لآخر؛ مما جعلها حياةً ناجحةً.
عصافير الجنة
نيفين وهاني شديدا الشبه في ملامح الوجه والتكوين الجسدي؛ حتى إنك إذا رأيتهما ظننت أنهما أخ وأخت.. إنهما في كليتين مختلفتين ومع ذلك فهما دائمًا معًا، فقد كان يحضر معها محاضراتِها وكانت تحضر معه محاضراتِه، لم تعد تقضي وقتها مع صديقاتها؛ لأنها متفرغة له، بل إنها إذا اضطُّرَّت أن تُسلِّم عليهن يكون سلامًا سريعًا وعلى استحياء لأن هاني ينتظر، وهي لا تريد أن تضايقَه، أما هو فلم يعُد له أصدقاء من الأساس فهو متفرغٌ لها ولقضاء "مشاويرِها" الخاصة وظلاَّ سنوات الكلية الأربعة هكذا.
حاولا أن تتم خطوبةٌ رسميةٌ أثناء الدراسة ولكنَّ والدها رفض رفضًا قاطعًا أيَّ ارتباط أثناء الدراسة بل وتمادَى في رفضه لهاني بالذات؛ لأن ابنته تقابله دون موافقته، فبدأ يُضيِّق عليها، بل وضربَها حتى تقطع علاقتَها به، ولكنها ظلت تحاول مع والدها حتى وافق على خطوبتهما بمجرد التخرج، وتمت الخطبة ثم الزواج الميمون، وكانا كعصفوري حبٍّ غاية في السعادة، حتى حدثت حادثةٌ أدَّت لتغيير كبير في العلاقة ولا يستطيع أحدٌ أن يفسره.
لقد فقدت نيفين قدرتَها على الإنجاب بعد ابنها الأول، ورغم أنها كانت مأساةً بالنسبة لها احتاجت هاني ليقف جانبها، إلا أن ما حدث كان العكس.. لقد أصبح هاني يتهرب من الوجود في البيت، ومن أي حوار مشترك بينهما، لقد أصبح يقضي أغلب وقته خارج المنزل، بل ويسيء معاملتها إذا عاد إلى البيت، ولا يسمح لها أن تلومه أو ترجوه أن يعود إلى سابق عهده معها، وهذه هي السنة العاشرة على زواجهما ولم يتغير شيء.. إن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، ونيفين تعاني من اكتئاب شديد وإحباط لا حدودَ له.. هل هذا هو الحب الذي عاشت به سنين؟! هل سيعود هاني إلى عشِّه وتعود السعادة إلى حياتهما؟ لا أحد يدري.
زواج العقل
عرضنا هذه النماذج على الداعية منى محمد علَّقت بقولها: إن التوفيق في الزواج يأتي في المقام الأول بالاستعانة بالله والدعاء وصلاة الاستخارة، وبعد ذلك تأتي حسابات العقل التي تقارن وضع الزوج المادي ومستواه الاجتماعي ودراسة أخلاقه وسلوكه والسؤال عنه وتأتي في النهاية المشاعر والعاطفة؛ لأننا إذا سمحنا للمشاعر أن تسبق ويكون لها الأولوية فسوف يأتي الحكم غير محايد وغير منصف، وقد توافق الفتاة (وأهلها تحت ضغوطها) على أوضاع وظروف لا يمكن قبولها في الأحوال العادية.
إنني لا أنكر بطبيعة الحال أهميةَ الحب والمودة والمشاعر في إقامة حياة زوجية ناجحة، ولكنها لا تصلح وحدها للتوفيق في الزواج، والعكس قد يكون صحيحًا، فتوافق العوامل الإيجابية من ماديات ومستوى اجتماعي وخُلق ودين سوف يؤدي بالتأكيد لمشاعر المودة والرضا إن لم يكن الحب، وبالتالي تسير مركب الحياة الزوجية في هدوء ودون عواصف تقتلعها، وبالتالي فأنا أرى أن زواج العقل يكسب.
الزواج السريع
ويعقد د. حامد الهادي- الأستاذ بآداب الزقازيق- مقارنةً بين نوعَي الزواج، فيقول: إن الثقافة السائدة في مجتمعاتنا هذه الأيام هي ثقافة السرعة، فنجد زواج الحب هو: حب سريع.. زواج سريع.. طلاق سريع، إن هذا النوع من الزواج فيه الاندفاع السريع والخوف من العنوسة، والاحتكام فيه والتقييم يكون للعاطفة في المقام الأول؛ مما يؤدي إلى التغاضي عن العيوب وهذا التغاضي يكون مؤقتًا، وهو زواجٌ يبدأ بالكتمان والتستر من جهة، ومن جانب آخر يكون التكتم تجاه الأهل، وهو زواج استسهال وتيسير غير عقلاني وعدم اهتمام حتى للأساسيات والضرورات حتى يحدث الاصطدام بالواقع، فتقول الفتاة: لا يهم الشقة، لا يهم الوظيفة، لا يهم الراتب.. إلخ، ويقول الشاب لا يهم عيوبها، لا يهم أخلاقها، لا يهم أسرتها، فيصبح الفشل في الغالب من نصيبهما.
أما زواج الصالون فهو الأفضل لأنه زواج العقل والحكماء والخبراء من الأهل من الجانبين، كما أنه يحقق الفرصة الكافية لدراسة الطرفين من كافة الجوانب (الأخلاقية والاجتماعية والدينية والمادية)، والاحتكام للعادات والتقاليد، ووجود مرجع من الطرفين يمكن الرجوع إليهم عند الاختلاف حول أي مشكلة.
الحب الناضج
وتعلق د. سعيدة أبو سوسو- أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الأزهر- قائلةً: يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
ومن خلال المشكلات التي عُرضت علي لاحظت أن الزواج عن طريق ترشيحات الأهل فُرَصُه أعلى كثيرًا من زواج الحب؛ لأن زواج الحب يكون في أغلب الأحوال في مرحلة الجامعة، وهذا السن هو امتدادٌ لسن المراهقة ولا يحمل علامات النضج النفسي، ونفس هؤلاء الشباب لو تقابلوا في مرحلة عمرية متقدمة عن سن الجامعة فلن يختار أحدهما الآخر في أغلب الأحوال، ولا يُعتبر الحب أحدَ شروط الزواج الناجح، ولا يعني هذا أني أنفي أهمية الحب في العلاقة الزوجية، ولكن الحب الناجح هو الحب الناضج المتعقِّل، وليس الحب المتأجِّج الخيالي المرتبط بمشاهد السنيما والروايات العاطفية.
لقد شاهدت العديد من الزيجات التي قامت على الحب وفشلت رغم هذا؛ لاختلاف الطباع والتربية أو الفشل في إقامة علاقات اجتماعية ناجحة من الزوجة تجاة أهل الزوج، أو من الزوج تجاه أهل الزوجة.
ولا أستطيع الحكم على كل حالات الزواج عن حب بالفشل ولكن يهمني أن أنبه الشباب أن الزواج ليس فقط حبًّا ولكنه علاقات أسريَّة واجتماعية ونفسية متشعبة.
نحتاج البركة
أما الداعية سمية رمضان فرأيها أن علاقة الارتباط العاطفي التي تتم بين الشباب- سواءٌ في الجامعة أو خارجها- هي علاقة غير شرعية، ولا يمكن أن يبارك الله سبحانه وتعالى فيها ولا في نتيجتها (إن كانت زواجًا) ولا في ثمارها (من الأبناء).. هولاء الشباب يحتاجون البركة ورضا الله عليهم في كل تفاصيل حياتهم؛ ولهذا زادت حالاتُ الطلاق بصورة واسعة، هذه الفتاة التي تخدع والديها للخروج مع شاب ما الذي يضمن لهذا الشاب أنها لن تخدعه عندما تصير زوجةً له؟!
ولماذا السعي في الحرام إذا كان الحلال متاحًا ومتسعًا؟ إن الحب الشرعي السليم وفي الإطار الأسري موجود، ويسهل على أي شاب أن يتقدم لأسرة معروفة لأسرته ويختار إحدى بناتها ويخطبها ثم يتزوجها دون الوقوع في محرم، من أين لهذه الفتاة المرتبطة في الجامعة المقياس لكي تحكم على أي شاب.. إنها لا تختار زوجًا صالحًا وإنما تختار ولدًا تحبه، ونجد الشاب المتمرس في العلاقات النسائية يستحيل أن يتزوج فتاةً خرج معها، أما الشاب الخام فأنصحه أن يختار الأسرة قبل الفتاة؛ لأن هذه الزوجة هي التي ستربِّي له أبناءَه، ولا ينبغي أن يعتمد على الهيئة الخارجية والمظاهر.