الشيخ محمد عبد الله الخطيب يكتب: موجز لأهم أعمال الحج والزيارة
الشيخ محمد عبد الله الخطيب
كانت تعاليم الإسلام- وما زالت- تهدف إلى إيجاد الفرد المسلم، والأسرة المؤمنة، والمجتمع الرباني، الذي غمر الإيمان قلبه، وملأ أقطار نفسه، ووجهه الوجهة السليمة لإقامة منهج الله في الأرض.
الحج هو الفريضة الرابعة في الإسلام، قال عز وجل: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 97)، وهو من أفضل الأعمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "ثم حج مبرور").
وشروط وجوبه: (الإسلام- البلوغ- العقل- الحرية- الاستطاعة)، وتتحقق الاستطاعة بصحة البدن وأمن الطريق والملك للزاد والراحلة، عن طريق البر أو البحر أو الجو.. ويُزاد بالنسبة للمرأة على هذه الشروط أن يصحبها زوج أو محرم.
1- الحج يبدأ بالميقات، وهو المكان الذي حدده الشرع ليحرم منه أهل كل جهة، ولا يجوز لحاج أو معتمر أن يتجاوزه دون أن يحرم.
2- والإحرام يتمثل في نية الحج أو العمرة، أو هما معًا، والتجرد من الثياب المعتادة، والاقتصار على لبس ثياب بيضاء لا أثر فيها للصنعة، بل هي متواضعة كثياب الكفن، ثم يرفع الحاج صوته بالتلبية معلنًا تجرده الخالص لله، واستجابته له، وخروجه من كل شيء (لبيك الله لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من محرم يضحى يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه".
3- ويُباح للمحرم الاغتسال وتغيير الرداء والإزار.
4- ويحرم عليه الجماع ودواعيه، واكتساب السيئات، واقتراف المعاصي!!!، والمجادلة، يقول الحق جل وعلا: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 197)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". ويحرم عليه لبس المخيط كالجبة والسراويل، كما يحرم عليه لبس الخف والحذاء، وإذا وجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، هذا بالنسبة للرجل. أما المرأة فلا تلحق بالرجل في لبس المخيط والنعل ولها أن تلبس جميع ذلك.
5- وعند دخول الحاج مكة يبادر إلى البيت، ويدخل من باب السلام، ويقول في خشوع (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صلي على محمد وآله وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك). وإذا وقع نظره على البيت رفع يديه وقال: (اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام).
6- ثم يقصد الحجر الأسود فيقبله، فإن لم يتمكن استلمه بيده، فإن عجز أشار إليه بيده ثم يدعو: (اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم).
7- ثم يقف بحذائه، ويشرع في الطواف وهو تحية البيت، ويُستحب أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأول، فيسرع في المشي، ويمشي عاديًا في الأشواط الأربعة الباقية. ويُستحب أن يستلم الركن اليماني، ويُقبل الحجر الأسود أو يستلمه في كل شوط من الأشواط السبعة، ويُكثر من الذكر والدعاء, ويتخير من الدعاء ما يشرح له صدره. فإذا انتهى إلى الركن اليماني دعا فقال ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) ﴾ (البقرة: من الآية 201)، ويقول في رمله: "اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا". فإذا فرغ من الأشواط السبعة صلى ركعتين عند مقام إبراهيم تاليًا قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: من الآية 125)، وبهذا ينتهي بالطواف، ويُسمى طواف القدوم، وطواف التحية.
8- وشروط الطواف: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وستر العورة، وأن يكون سبعة أشواط كاملة، وأن يبدأ من الحجر الأسود وينتهي به، وأن يكون البيت عن يسار الطائف، وأن يكون الطواف خارج البيت وموالاة السعي.
9- ويُستحب للطائف بعد فراغه من طوافه وصلاته ركعتين عند المقام أن يشرب من ماء زمزم، فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم، وأنه قال: "إنها طعام طعم وشفاء سقم"، وإن جبريل غسل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائها ليلة الإسراء.
10- السعي بين الصفا والمروة، وقد اختلف العلماء في حكمه، فذهب ابن عمر وعائشة إلى أن السعي ركن من أركان الحج، وذهب ابن عباس إلى أنه سُنة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب وليس بركن. وشروطه أن يكون بعد طواف، وأن يكون سبعة أشواط، وأن يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، وأن يكون في الطريق الممتد بين الصفا والمروة، وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تُشترط الطهارة للسعي، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو في سعيه ويقول: "رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم".
11- وفي يوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، يُسن أن يتوجه الحاج إلى منى، ويُستحب الإكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى، ولا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس اليوم التاسع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
12- ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع مع التكبير والتهليل والتلبية، وأجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مناديًا ينادي "الحج عرفة"، أي الحج الصحيح من أدرك الوقوف يوم عرفة. ووقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع إلى طلوع فجر يوم العاشر، ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت وينبغي الوقوف مع المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة، والإكثار من الاستغفار والدعاء لنفسه ولغيره، مع حضور القلب والخشوع، ويُسن الإفاضة من عرفة بعد غروب الشمس بالسكينة إلى المزدلفة ليبيت بها، وفي الحديث: "كل مزدلفة موقف"، ويُكثر من الدعاء، قال تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾ (البقرة: من الآية 198).
13- أعمال يوم النحر: يبدأ بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت، وهذا الترتيب سُنة. وبرمي الجمرة يوم النحر، وحلق الشعر أو تقصيره، يحل للمحرم كل ما كان محرمًا عليه ما عدا النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة وهو طواف الركن حل كل شيء إلى النساء، وأيام الرمي ثلاثة أو أربعة، يوم النحر، ويومان أو ثلاثة من أيام التشريق، ويُستحب أن يقول عن الرمي: (اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا).
14- زيارة النبي صلى الله عليه وسلم: يُستحب إتيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكنية والوقار، وأن يأتي الروضة الشريفة فيصلي بها تحية المسجد، فإذا فرغ من الصلاة اتجه إلى القبر الشريف مستقبلاً له، فيسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا رسول العالمين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك عبده ورسوله، وأمينه وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده. ثم يتأخر نحو ذراع إلى الجهة اليمنى فيسلم على أبي بكر الصديق، ثم يتأخر نحو ذراع فيسلم على عمر الفاروق رضي الله عنهما، ثم يكثر من التعبد في الروضة الشريفة بقدر ما يستطيع لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي" (رواه البخاري).
هنيئًا لمن وفقه الله لأداء هذه الفريضة، وهداه للطريق المستقيم.
نسألكم الدعاء لاداء فريضة الحج.....