هل منهم نبي أو رسول ؟
جمهور العلماء سلفاً وخلفاً علي أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ،كذا روي عن ابن عباس ،ومجاهد،والكلبي ،وأبي عبيد.(لقط المرجان .جلال الدين السيوطي .ص39)
أخرج ابن حميدة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله تعالي {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } الأنعام130 قال : ليس في الجن رسل ، إنما الرسل في الإنس ، والنذارة في الجن ، وقرأ {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } الأحقاف29 النذارة : الإنذار وأخرج ابن جرير عن الضحاك : أنه سئل عن الجن هل كان منهم من نبي قبل أن يبعث النبي () ؟ فقال : ألم تسمع إلي قوله تعالي {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } الأنعام130 ، يعني بذلك رسلاً من الإنس ورسلاً من الجن .
قال ابن حزم : لم يبعث إلي الجن نبي من الإنس ألبته قبل محمد () ؛ لأنه آخر المرسلين بإجماع ، وقد قال النبي -" صلى الله عليه وسلم "- (( وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة ))، قال : وباليقين ندري أنهم قد أنذروا ، فصح أنه جاء هم أنبياء منهم في قولهم تعالي {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } الأنعام130 .
قلت : والذي أرجحه هنا أن الرسل كانت من الإنس وإنما رسل الجن هم الذين كانوا ينقلون كلام النبي الإنسي إلي قومهم من الجن ، وهذا لايناقض قوله تعالي {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } الأنعام130 لأنه حقاً تكون الرسل من الجن ولكنها لا تنقل عن الله ولكن عن نبي البشر الذي أرسله
الله والذي يؤكد ذلك ما ذكره الله تعالي {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } الأحقاف30 وهذا يدل علي أنهم يعلمون ما أنزل من الكتب السابقة ، والذي يدعم قولنا بأن رسل الجن يسمعون من رسول الإنس ثم يذهبون إلي قومهم حاملين لهم الرسالة من رسول الإنس هو قول الله تعالي {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } الأحقاف29
أي أنهم بعد ما سمعوا القرآن ذهبوا إلي قومهم من الجن لينذروهم ، وبذلك يصبحوا رسل من الجن إلي قومهم ولكن أخذوا الرسالة من رسول الإنس لا من الله سبحانه وتعالي . وفي قوله (( ألم يأتكم رسل منكم ، قال جماعة : الرسل كانت من الإنس ، ولكن الله كان يبعث قوماً من الجن ليسمعوا كلام الرسل ، ويأتوا قومهم من الجن بما سمعوا ، لقط المرجان صـ 41.
وتأولها الجمهور علي أنهم قوم من الجن ليسوا رسلاً عن الله ؛ ولكن بعثهم الله في الأرض ، فسمعوا كلام رسل الله الذين هم بني آدم ، وعادوا إلي قومهم من الجن فإنذر وهم .لقط المرجان صـ40
. وعن ابن عباس في قوله تعالي {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ }الطلاق12 قال ، سبع أراضين في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيس كعيسي . (لقط المرجان (41 ) قال السبكي في فتاويه :وقال الكلبي وحكاه الزمخشري :كانت الرسل قبل أن يبعث محمد عليه الصلاة و السلام يبعثون إلي الإنس ،ورسول الله ()بعث إلي الجن و الإنس .
قال:ليس في هذا موافقة للضحاك في أن رسل الجن منهم؛بل مراده أن الرسل التي تبعث للإنس يخاطبونهم خاصة ،ولا يخاطبون الجن كما خاطبهم النبي ()لما توجه إليهم ،ولكنهم يسمعون منهم أو من بعض المؤمنين عنهم ،ومن ثم العمل بما سمعوه يبين ذلك أن الواحدي نقل عن الكلبي في جملة القائلين من إنما كنت من بني آدم .لقط المرجان ص 41 قلت : وهو يقصد بقوله "إنما كانت من بني آدم "أي الرسالة كانت تؤخذ من بني آدم الأنبياء وليست من الله ،وهذا يؤيد قولنا الذي قلناه سابقاً وهو (( أن رسل الجن يسمعون من رسل الإنس))ثم يذهبون إلي قومهم حاملين لهم الرسالة من رسول الإنس ))وهم بذلك أي رسل الجن هم رسل رسل البشر وليس هم رسل الله مباشرة . وقال السبكي في قوله : ((ألم يأتكم رسل منكم ))قال جماعة :الرسل كانت من الإنس ،ولكن الله كان يبعث قوماً من الجن يسمعوا كلام الرسل ،ويأتوا قومهم من الجن بما سمعوا .لقط المرجان 41 .
ثم قال السبكي : ولا شك أن الجن مكلفون في الأمم الماضية كما هو مكلفون في هذه الملة ، والتكليف إنما يكون بسماعهم من رسول الله أو من صدق عنه ، أما أكون ذلك إنسياً أو جنياً فلم يرد فيه دليل قاطع . وظاهر القرآن مع ما قاله الضحاك ، و الأكثر ون علي خلافه . وتحقيق لك مما لا فائدة فيه ، ولا يترتب عليه خير ، غير أننا نقطع بأنهم سمعوا ببعثة رسل الإنس ؛ بقوله {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } الأحقاف30 وظاهر هذا أنهم كانوا مؤمنين بشريعة موسى ، والظاهر أن الشياطين الذين سخرهم الله لسليمان كانوا يأتمرون في الشرائع بقوله ؛ وهو من أنبياء بني إسرائيل . هل كان شرع مستقل أو علي شرع موسى ؟ رأيت بعض الناس تقف في ذلك ، وقد عد الله مع الرسل في قوله {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَ الأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }النساء163 هذا كلام السبكي لقط المرجان صـ41.
وأخرج بن أبي حاتم ، قتادة ، ليس كل الجن مسخراً له ، كما تسمعون {ِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يأذن رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }سبأ12 ))لقط المرجان صـ41.