" الانفاق .. تربية للنفس وتزكية للمال "
قال الله سبحانه (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ الله به عليم)(1).
البرّ أصله من السعة بحسب اللغة وقال الراغب الاصفهاني في المفردات: أن البر خلاف البحر، وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير.
والفرق بين البرّ والخير أن البرّ هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك والخير يكون خيراً وإن وقع عن سهو وضدّ البر العقوق وضدّ الخير الشر.
ويقال للصحراء (البَر) بفتح الباء لسعة الصحراء ولهذه الجهة أيضاً يقال للأعمال الصالحة ذات الآثار الواسعة التي تعم الآخرين وتشملهم (البر) بكسر الباء.
واختلف المفسّرون في البر بحسب الاصطلاح فمنهم من قال هو الجنة وقيل هو الطاعة والتقوى وقيل صالحين أتقياء ومنهم من فسره بالأجر الجميل وأما المعنى كما عن الطبرسي في مجمع البيان: أي لن تدركوا بر الله تعالى حتى تنفقوا المال وإنّما كنّي بهذا اللفظ عن المال لأن جميع الناس يحبّون المال وقيل معناه ما تحبّون من نفائس أموالكم دون أرذالها كقوله تعالى:
(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)(2).
وقيل هو الزكاة الواجبة وما فرضه الله في الأموال عن ابن عباس والحسن.
وقيل هو جميع ما ينفقه المرء في سبيل الخيرات عن مجاهد وجماعة وقد روي عن أبي الطفيل قال اشترى علي ثوباً فأعجبه فتصدّق به وقال سمعت رسول الله(ص) يقول من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئاً فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا اكافيك اليوم بالجنة(3).
وفي تفسير التبيان حمل الشيخ الطوسي الآية على الخصوص إذ قال:
(والأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن يقول: هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شيء أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه..)(4).
وبالرغم من اختلاف الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحسب التتبع لأغلب التفاسير هناك في نظري مسألة أهم منحصرة في قوله تعالى (مما تحبّون) تبدو شديدة الأهمية في الآية الشريفة.
وقد سبقت هذه الآية الشريفة آيات عديدة تحث على الإنفاق ووجوب الزكاة وهذا مما لا ريب فيه ولكن الآية الشريفة هذه لها ميزة مهمة على كل آية وردت في باب الإنفاق، إذ أنها لم تتحدث عن الإنفاق وحسب وإنما أشارت إلى أمور منها:
1ـ نيل الإنسان الدرجات العالية عند الله سبحانه.
2ـ الأقدام على التضحية بأغلى شيء على النفس.
أما الميزة الأولى فهي من الأهداف السامية لدى المؤمن والساعي إلى البر ولا حاجة للتفصيل فيها لوضوحها.
وأما الثانية فهي ما أردنا من نقل الآية الشريفة وإن كنا قد أشرنا بشكل سريع إلى بعض خصوصيات تربية النفس في موضوعنا السابق بعنوان طريق الجنة وكان أحد الطرق هو (الإنفاق من اقتار)(5).
أما هنا فنريد أن نقف على مدى صعوبة الإنفاق على النفس.
الدبلومة التربوية
نظام العام الواحد
شعبةعلم اجتماع
تقديم الطالبة/ليلى عبدالنبى سليم ابراهيم