المعنى الاصطلاحي للإنفاق
النفقة: إخراج الشيء من الملك ببيع أو هبه أو صلة أو نحو ذلك، وقد غلب في العرف على إخراج ما كان من المال من عين أو ورق[2].
أهداف الإنفاق
يمكننا أن نقول: إن لعملية الإنفاق أهدافاً ملحوظة على كل المستويات، سواء الاجتماعية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو غيرها، نحاول أن نذكرها باختصار.
أ ـ القضاء على الفوارق الطبقية التي تنشأ من تجمع وكنز الأموال
الإسلام يحارب الثراء الفاحش على محورين:
الأول: يحرم الأساليب والطرق غير المشروعة لجمع تلك الأموال تطبيقاً لقاعدة أو نهج "الغاية لا تبرر الوسيلة"، فقد حرّم الربا وحارب من يتعاطاة بأيّ شكل من الأشكال.
(يا أيها الذينَ أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله…) (البقرة:278)، إضافة إلى أنه حرّم كل الأساليب والطرق الإبتزازية التي تجعل من رأس المال وسيلة لاستغلال الآخرين.
الثاني: يشرع القوانين والأحكام التي تخص العطاء من تلك الأموال التي جمعت بالطرق المشروعة، فأوجب الزكاة والخمس في الوقت الذي دعى إلى الصدقات المندوبة، وهدّد من يكنز الأموال ولا ينفقها في سبيل الله:
(الذينَ يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليمٍ) (التوبة:34).
وبهذا فالإسلام يضمن للمجتمع تكافلاً وتوازناً اقتصادياً وتقارباً معيشياً، حيث يحول دون التجميع المفرط للأموال عند الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال من جانب، ومن جانب آخر يرفع المستوى المعيشي لدى الفقراء والمحتاجين والمسحوقين.
في رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له".
وبهذا تصان كرامة الإنسان ويعطيه الإسلام القيمومة على الأموال على العكس مما هو عليه في عالمنا الحالي الذي يدّعي التطور والرقي حيث يجعل من الإنسان أسيراً، للمادة والمال وما أبلغ قول الإمام علي (عليه السلام) واصفاً هذه الحالة: "وقد اصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدباراً والشرّ فيه إلاَ إقبالاً، والشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعاً" إلى أن يقول (عليه السلام): "اضرب بطرفك حيث شئت، هل تبصر إلاّ فقيراً يكابد فقراً؟ أو غنياً بدّل نعمة الله كفراً؟ أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وقراً؟ أو متمرداً كان بأذنه عن استماع المواعظ وقراً"؟.
ب ـ نشر المحبّة والتآلف والتآخي بين أفراد المجتمع
فالغني المنفق يعطف على الفقير، وهذا الأخير يشعر بذلك العطف فيبادله المحبّة والإحترام ويدعو له بالخير، وبهذا يشعر الجميع بأنهم كالجسد الواحد لا فرق بينهم، بل هم سواسية أمام التشريعات الإسلامية، فيعمل الكل بجدّ وإخلاص لتقديم ما لديه من إمكانيات في سبيل خدمة الآخرين والعمل لما يرضي الله تعالى.
ج ـ تربية وتزكية النفوس
في رواية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه كان يأمر الخادم إذا أعطى السائل أن يأمره بالدعاء، له: "إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء، فإنه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم"، وفي ذلك تربية للنفس وتزكية لها حيث يشعر المنفق بالإطمئنان وراحة الضمير والتواضع والتذلل لله سبحانه وتعالى.
أما إذا كان الإنفاق لمصلحة شخصية مادية أو معنوية فإنه يبتعد بالإنسان عن الهدف الإلهي، ويصبح تجارة ينتظر فيها المنفق الربح المادّي الذي يبعده عن سبيل الله ورضوانه.
د ـ معالجة المشاكل الرئيسية للمجتمع
المجتمع الذي تنتشر فيه ظاهرة البذل والعطاء ويمتاز أغنياؤه وأثرياؤه بتلك الصفة الكريمة يمكنه أن يسير قدماً إلى الأمام وبخطوات رصينة وسريعة في كل الأصعدة، وذلك من خلال بناء المؤسسات الخيرية كالمدارس والمستشفيات والجسور وغيرها من الأمور التي تعالج المشاكل الرئيسية لذلك المجتمع والتي من شأنها أن تتقدم بالمجتمع وتجعله مجتمعاً متطوراً مزدهراً معتمداً على طاقات أبنائه ومستقلاً في بناء نفسه، دون الإعتماد على غيره من المجتمعات التي لا عطي ولا تبذل دون مقابل.
ويمكننا أن نقول: إن المنفق يبتغي من العطاء والإنفاق في كل المجالات رضوان الله تعالى الذي يتحقق من خلال تقديم الخدمات للناس، وهو بهذا يصبح من أفضلهم تطبيقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "خير الناس من نفع الناس"، وهو ينتظر فوزاً وربحاً في تجارة لن تبور، في تجارة يعقدها مع رب الناس تلك التجارة التي تعبّر عنها الآية الكريمة بأنها نجاة من العذاب الأليم: (يا أيها الذينَ أمنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنونَ بالله ورسولهِ وتجاهدونَ في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم…) (الصف:11).
الاسم: هبة محمد عبد الهادي أحمد
شعبة تجارة