بسم الله الرحمن الرحيم : فمن تطوع خيراً فهو خير له ( سورة البقرة / آية 184 )
يقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبن عمر رضي الله عنهما ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربه من كرب الدنيا فرج الله عنه كر به من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة ) متفق عليه
ويقول صلى الله عليه وسلم ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات ) متفق عليه .
المقصود بالعمل التطوعى : تكلف الطاعة - أى قام بالعبادة طاعة دون فرض "مختارة"
ومن هنا تأتى أهمية العمل التطوعى على النحو التالى:
1- دعم التنمية الاقتصادية
2- دعم التنمية الاجتماعية
3- دعم التنمية الفكرية
4- تفعيل دور التطوع
يلا كالاتى :
1- دعم التنمية الاقتصادية
جعلته جوهراً للتنمية 0 يقول الله تعالى : )وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين(( سورة القصص / آية 77 ) 0
وفى قولة : ) وأحسن كما أحسن الله أليك( يقول ابن العربي : فيه أقوال كثيرة ، جماعها استعمل نعم الله فى طاعته 0 وقال مالك : معناها تعيش وتأكل وتشرب غير مضيق عليك فى رأى 0 قال القاضي : أري مالكاً أراد الرد على من يري من الغالين فى العبادة التقشف والتقصف والبأساء ، فإن النبىrكان يأكل الحلوى ، ويشرب العسل ، ويستعمل الشواء ، ويشرب الماء البارد ، ولهذا قال الحسن : أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه ، ويقدم ما سوى ذلك لآخرته 0 وأبدع ما فيه عندى قول قتادة : ولا تنس الحلال ، فهو نصيبك من الدنيا ، وياما أحسن هذا ؟" ( 8 ) 0
ويقول الله تعالى : )فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى 0 وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى((سورة الليل/الآيات 5 – 10) .
فحقيقة العطاء هي المناولة ، وهي فى اللغة والاستعمال عبارة عن كل نفع أو ضر يصل من الغير إلى الغير ، ولكن من اتقى فى عطائه يسر الله له أمره ( 9 ) 0
ولقد فقه المسلمون الأوائل هذه المعانى والتزموا بها ، وأن موقف عمر بن الخطاب t من وقفه الذي حبسه على منفعة المسلمين لأوضح شاهد على تأصيل معنى العمل التطوعى فى التنمية الاقتصادية 0
أخرج البخارى فى صحيحه عن ابن عمر t أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله r وكان يقال له ثمغ ، وكان نخلاً – فقال عمر : يا رسول الله إنى استفدت مالاً وهو عندى نفيس فأردت أن أتصدق به، فقال النبي r : تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره . فتصدق به عمر ، فصدقته تلك فى سبيل الله وفى الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذى القربى ، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف ، أو يوكل صديقه غير متمول به " ( 10 ) .
2- دعم التنمية الاجتماعية
كما أن للعمل التطوعى فى الإسلام دور جوهرى فى دعم التنمية الاجتماعية , وذلك عن طريق تنمية المشاعر الإنسانية ، ومد الرعاية للمستضعفين وتقديم المسـاعدة للمحتاجين حتى لا تفتك بهم الأزمات .
ولقد كان للعمل التطوعى فى تحقيق مفهوم هذه التنمية دور رفيع يعبر عن مدى الترابط القوى بين أفراد المجتمع مصداقاً لقول المعصوم r : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً . ثم شبك بين أصابعه ( 12 ) .
ويظهر هذا الدور جلياً فى صور كثيرة لا سبيل إلى حصرها ، ومن أورع هذه الصور التى يمكن أن نذكر طرفاً منها ، ذلك العتاب الرقيق لأبي بكر t حين أقسم ألا ينفق على مسطح من أثاثة بعد أن أشترك مع من خاضوا فى حق عائشة t فى حديث الإفك ، وكان أبو بكر ينفق على مسطح لقرابته منه ، ولفقره وحاجته أيضاً ، فلما أقسم ألا ينفق علية عاتبة رب العزة سبحانه وتعالى بهذا العتاب 0 يقول الله تعالى : )ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربي والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم((سورة النور / آية 22 ) 0
فالعلاقات الاجتماعية بين بعض جوانب المجتمع كادت أن تنقطع ، وأوشكت النزعة البشرية أن تلعب دورها فى هذا الموقف الذي خاض فيه مسطح فى عرض عائشة بنت أبي بكر ، وهى زوجة الرسول الأكرم r ، ولكن القرآن العظيم يرد للقلوب طهارتها وللصدور سلامتها ويرفض أن ينقطع المرء عن العمل التطوعى بحال وذلك من خلال هذا السؤال التقريري : )ألا تحبون أن يغفر الله لكم(( سورة النور / آية 22 ) 0
3- دعم التنمية الفكرية
إن دور العمل التطوعى فى الإسلام فى دعم التنمية الفكرية لا يمكن إنكاره بحال ، لما له من أهمية رفيعة فى كافة مظاهر النشاط العلمى بجميع أنواعه وأشكاله ، ولذا دعا الرسول r إليه صراحة فى أحاديث كثيرة ورغب فيه .
عن أبى هريرة t قال : قال رسول الله r إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علماً علمه ونشره ، وولداً صالحاً تركه ، أو مصحفاً ورثه ، أو مسجداً بناه ، أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله فى صحته وحياته تلحقه من بعد موته " ( 16 ) .
وعن أبى هريرة t أن رسول الله r قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً " ( 17 ) .
ومع وضوح الدعوة الإسلامية وصراحتها فى الحث على العمل التطوعى لنشر العلم وتنمية الفكر ، شهد التاريخ تسابق الأمراء والأثرياء والأغنياء وأصحاب الأعمال فى بناء المساجد والمدارس ودور العلم فى الشرق والغرب ، وعملوا على ما يضمن استمرارها فى أداء رسالتها .
يقول ابن كثير فى حوادث سنة إحدى وثلاثين وستمائة : " فيها كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ، ولم يبن مدرسة قبلها مثلها ، ووقفت على المذاهب الأربعة ، من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً ، وأربعة معيدين ، ومدرس لكل مذهب ، وشيخ حديث ، وقارئان ، وعشرة مستمعين ، وشيخ طب ، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ومكتب للأيتام ، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد " ( 18 ) .
إن التنمية الفكرية فى أوج ازدهار الحضارة الإسلامية ما كان لها أن تبلغ ما بلغت إليه من هذه الدرجة لولا العمل التطوعى وغير الحكومى ، وهو ما ترتب عليه أيضاً إبراز أهمية دور العمل التطوعى فى تحقيق الأهداف التنموية والخدمات العامة .
4- تفعيل دور التطوع
لقد كان التطوع قديماً يملأ ربوع المجتمع الإسلامى ، حتى كان للعمل التطوعى أكبر الأثر فى النهوض بالحضارة الإسلامية وإبقاء الإسلام جذوه متقدة فى مواجهة العديد من الأزمات ، بل لم يقتصر دور التطوع على مواجهة الاحتياجات الملحة ، وإنما امتد ليخدم المسلمين فى شتى المجالات .
ولاشك أن إعادة تفعيـل دور التطـوع إلى ما كان عليه منذ مئات السنين منوط بتوجيـه
الفكر نحو ما يتمشى مع حياة الأمة واحتياجاتها وتشجيع الفرد – كل حسب إمكانياته – لإنشاء أعمال وخدمات ترتفع بكينونته ومكانته ومكانة وطنه ، ومن ذلك على سبيل المثال :
روى عن أنس بن مالك t أن رجـلاً من الأنصار أتى النبى r يسأله فقـال النبى r : " أما فى بيتك شئ " ؟ قال : بلى حِلْـس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقَعْب نشرب فيه من المـاء . قال النبى r: " ائتنى بهما " ، فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله r بيـده وقال: " من يشترى هذين " ؟ قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قـال : " من يزيد على درهم " ؟ مرتين أو ثلاثاً ، قال رجل : " أنا آخذهما بدرهمين " فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصارى . وقال اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً فاتنى به " فآتاه به ، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده ثم قال له " اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوماً " فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشـرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبـاً وببعضها طعاماً ، فقال رسول الله r : " هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة فى وجهك يوم القيامة ...." ( 19 ) .
غادة رمضان عبدالجليل حسانى
دبلومة العام الواحد
شعبة اجتماع