الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والإنتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم
وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة عن الإرشاد كمصطلح حديث عملية ليست جديدة، وليست سهلة أما عدم جدتها فلأننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل بالإسلام – بصفته ديناً شاملاً – قد تضمن عملية الإرشاد والتوجيه وأصلها وفرعها، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك، وأما عدم سهولتها فلأن عملية الإرشاد المذكورة تحتاج إلى علم وقدرة ومهارة في آن واحد.
س: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟
وإجابة هذا السؤال تتضمن مراحل متلاحقة من حيث الزمن والإجراء ينبغي أن تشتمل عليها العملية الإرشادية، وأن تكون هذه المراحل واضحة لمن يقومون بالإرشاد النفسي كخطوات منطقية لكل عملية تتضمن علاقة إنسانية تقصد التأثير بالإتجاه الإيجابي، وهذه المراحل لا يتصور الانفصال بينها إلا في الإطار النظري بل هي مراحل متداخلة يخدم بعضها بعضاً، وفي شكل (1) ما يوضح هذه المراحل المتتابعة للعملية الإرشادية، ولأن الإرشاد يعد عملية، وليس أدباً أو وعظاً أو فلسفة، ولكي ننحو منحى عملياً ربطنا هذا النموذج بمرحلة معينة من مراحل النمو ليتم التمثيل والتوضيح واستعملنا مرحلة الشباب لأهميتها.
ولابد عند القيام بالإِرشاد النفسي من تحديد الأهداف الخاصة للحالة المراد علاجها، وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها المرشد على نطاق فردي أو جماعي أو داخل الوسط التعليمي، فإذا كانت الحالة مثلاً هي إخفاق طالب في دراسته أو تخلفه عن زملائه، فيجب وضع أهداف محددة للعملية الإرشادية التي سيقوم بها الموجه لعلاج هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب.
والإرشاد بهذه الأهداف يمثل جزءاً من مهمة الداعية في الإسلام. والإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد المرشدين إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقي النفس في مدارج الكمال الإنساني.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ"[4].
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ"[5].
والقرآن يعالج ويرشد الإِنسان بطرق مختلفة، فتارة بطريق القدوة، وتارة بالإِستدلال العقلي وتارة بمخاطبة الوجدان بالموعظة والعبرة وتارة بغير ذلك.
فالطريقة الاقتدائية مثل قوله تعالى:
"فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُريَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُوَن مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"[6].
والطريقة الاستدلالية مثل قوله تعالى:
"ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[7].
والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"[8].
وكأن من مقاصد القرآن استخدام الأساليب المتنوعة في الإِرشاد وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة.