بكى يوماً فسألوه عن سبب بكائه، فقال: مضت لنا سبعة ايام لم يأتنا ضيف، وما كانوا يبنون منزلاً إلا وفيه موضع للضيافة، وضيف الكريم كريم. أربعة أشياء لا ينبغي للرجل أن يأنف منها قيام الرجل من مجلسه لأبيه واجلاسه فيه، وخدمة الرجل لضيفه وخدمة العالم لمن يتعلم منه والسؤال عما لا يعلم، وكانوا (عليهم السلام) يخدمون الضيف فإذا اراد الرحيل لم يعينوه على رحيله كراهة لرحلته وأعظم الجود الإيثار مع الضرورة الشديدة كما آثر آل محمد (ص) بالقرص عند افطارهم، وباتوا طاوين فمدحهم الله سبحانه بسورة هل أتى، قال مصنف هذا الكتاب: ينبغي للعبد أن يكون الغالب عليه الإيثار والسخاء والرحمة للخلق والإحسان إليهم، فان هذه أخلاق الأولياء وهو أصل من أصول النجاة والقرب من الله تعالى، فقد قال النبي (ص) السخاء شجرة من اشجار الجنة من تعلق بغصن منها فقد نجى، وقال جبرائيل(ع): قال الله تعالى: هذا دين ارتضيه لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فالزموهما ما استطعتم..)(12).
وقال النراقي في جامع السعادات:
(وأن يعطي الاجود والأحب والأبعد عن الشبهة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، واخراج غير الجيد سوء أدب بالنسبة إلى الله، إذ إمساك الجيد لنفسه وأهله، وانفاق الرديء في سبيل الله، يوجب إيثار غير الله وترجيحه عليه، ولو فعل هذا لضيف وقدم إليه أردأ طعام في البيت لانكسر قلبه ووغر به صدره. هذا إذا كان نظره إلى الله بأن يتصدق لوجه الله، من غير ملاحظة عوض لنفسه في دار الآخرة، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة، فلا ريب أن العاقل لا يؤثر غيره على نفسه، وليس له من ماله إلا ما تصدق فابقى، وأكل فأفنى.
ولعظم فائدة إنفاق الاجود الأحب، وقبح إنفاق الردئ الأخس، قال الله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)(13).
أي لا تأخذونه إلا مع كراهية وحياء، وهو معنى الاغماض، وهذا شأنه عندكم فلا تؤثروا به ربكم. وقال سبحانه: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)(14) وقال (ويجعلون لله ما يكرهون)(15).
وفي الخبر: (سبق درهم مائة ألف درهم) وذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده، فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل، وقد يخرج مائة ألـــف درهم مما يكـــره من ماله، فيدل علـــى أنه ليس يؤثر الله بشيء مما يحبه(16).
الطالبة فاتن محمد حلمى
المجموعة :ـالثانية
شعبة اللغة العربية