منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الدكتور ياسر عبدالله

إسلامـــــــي - تربـــــــــوي - تعليـــــــمي - إجتماعــــــي- تكنولوجـــــــي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 جدد حياتك

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
dr.office
عضو سوبر
عضو سوبر
dr.office


عدد المساهمات : 166
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

جدد حياتك Empty
مُساهمةموضوع: جدد حياتك   جدد حياتك Icon_minitimeالأربعاء 19 مايو 2010 - 14:47

أحب أن ألفت الجاهلين بالإسلام والقاصرين في فقهه إلى الخاصّة الأولى في هذا الدين، وهي أنه دين الفطرة.
فتعاليمه المنوّعة في كل شأن من شؤون الحياة هي نداء الطبائع السليمة والأفكار الصحيحة، وتوجيهاته المبثوثة في أصوله متنفّس طَلْق لما تنشده النفوس من كمال، وتستريح إليه من قرار.
وقد شُغِفت من أمد بعيد ببيان المشابه بين تراث الإسلام المطمور، وبين ما انتهى إليه جلّةُ المفكرين الأحرار في أغلب النواحي النفسية والاجتماعية والسياسية، وأحصيت من وجوه الاتفاق ما دلّ على صدق التطابق بين وحي التجربة ووحي السماء.
أجل. فكما تتحد الإجابة السديدة على فم شخصين أُلقي إليهما سؤال واحد، اتحد منطق الطبيعة الإنسانية الصالحة – وهي تتحسس طريقها إلى الخير – مع منطق الآيات السماوية، وهي تهدي الناس جميعاً إلى صراط مستقيم.
ولعل احترامي للإسلام وبقائي عليه يرجعان إلى ما لمسته بيدي من تجاوبه مع الفطرة الراشدة، فلو لم يكن ديناً من لدن عالم الغيب والشهادة ما وسعني ولا وسع غيري أن يخترع أفضل منه في إقامة صِلاتي بالله وبالناس.
إلى أصحاب هذه الفطر السليمة من كل جنس ولغة نلفت الأنظار لننتفع بهم.

وإلى الدخلاء عليهم من الأدباء المأجورين، والصحافيين المنحرفين، وأصحاب الفنون القوّادة إلى الخلاعة والعبث نلفت الأنظار كي نحذر على أنفسنا ومستقبلنا.
فقد كثر في الدنيا من يدعو إلى تعرية الأجسام والأرواح من لباس التقوى والفضيلة باسم أن ذلك عود إلى الطبيعة وتمشّ مع الفطرة!!
والحق أن دَوْر هؤلاء بين الناس هو دور الجراثيم (الفطرية) في إعطاب الثمار وإمراض الأبدان، أي أنهم خطر على الطبيعة الصحيحة والفطرة السليمة.
وللفطرة(1) في بلاد الإسلام كتاب يُتلى ودروس تُلقى وشعوب هاجعة!!
ولها في بلاد أخرى رجال يُنقّبون عن هداياتها كما يُنقب المعدّنون عن الذهب في أعماق الصحارى، فإذا ظفروا بشيء منه أغلَوا قدره واستفادوا منه.
وصدق من قال: (الناس رجلان: رجل نام في النور، ورجل استيقظ في الظلام!!).
ونتاج الفطرة الإنسانية في البلاد المحرومة من أشعة القرآن الكريم نتاج واسع الدائرة متفاوت القيمة.
وليس يصعب على من له أثارة من علم الإسلام الحنيف أن يرى المشابه بين الدلالة الصامتة هناك، والدلالة الناطقة هنا.
أو بين العنوان المفصول عن موضوعه هنا، والموضوع الذي فقد عنوانه هناك!!
-----------------------
(1) اقرأ مقدمة كتابنا (الإسلام والمناهج الاشتراكية).
إن الانحطاط الفكري في البلاد المحسوبة على الإسلام يثير اللوعة.
واليقظة العقلية في الأقطار الأخرى تثير الدهشة.
ولا يحملنا على العزاء إلا أن هذه اليقظة صدى الفطرة التي جاء الإسلام يعلي شأنها، أما تخلف المسلمين فسببه الأول تنكُّرهم لهذه الفطرة السليمة وتخاذلهم عن السير معها.
وفي هذا الكتاب مقارنة بين تعاليم الإسلام كما وصلت إلينا، وبين أصدق وأنظف ما وصلت إليه حضارة الغرب في أدب النفس والسلوك. وسيرى القارئ من روعة التقارب بل من صدق التطابق ما يبعثه على الإعجاب الشديد.
لقد قرأتُ كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للعلامة (ديل كارنيجي) الذي عرّبه الأستاذ عبد المنعم الزيادي، فعزمتُ فور انتهائي منه أن أردّ الكتاب إلى أصوله الإسلامية!!
لا لأن الكاتب الذكيّ نقل شيئاً عن ديننا، بل لأن الخلاصات التي أثبتها بعد استقراء جيّد لأقوال الفلاسفة والمربين وأحوال الخاصة والعامة تتفق من وجوه لا حصر لها مع الآيات الثابتة في قرآننا والأحاديث المأثورة عن نبينا.
إن المؤلف لا يعرف الإسلام ولو عرفه لنقل منه دلائل تشهد للحقائق التي قررها أضعاف ما نقل من أي مصدر آخر.
إن الفطرة السليمة سجّلت وصاياها في هذا الكتاب بعد تجارب واختبارات، وما انتهت من تسجيله جاء صورة أخرى للحَِكم التي جرت على لسان النبي العربي الكريم محمد بن عبد الله منذ قرون.
وبذلك اتفق وحي التجربة ووحي السماء.
وسيرى القارئ مدى الصحة أو الوَهم في هذا القول الذي نقول.
وخطتي في هذا الكتاب أن أعرض الإسلام نفسه في حشدين متمايزين:
الأول من نصوصه نفسها، والآخر من النقول التي تُظاهرها في كتابات وتجارب وشواهد الأستاذ الأمريكي (ديل كارنيجي).
فكأن المقارنة العلمية تجيء عرضاً، أو في المرتبة التالية.
وذلك ما قصدتُه، وتعمّدته. فأنا قبل كل شيء كاتب مسلم، آمنتُ بهذا الدين عن دراسة مجردة لأصوله، وأعرف أن حاجة العالم إليه غير متوقفة على شواهد تجيئه من هنا ومن هناك، طبيعية كانت أو متكلّفة.
وأمر ثان أشير إليه: إن مشاعر التعصب لجنس من الأجناس ماتت في دمي لأني مسلم، غير أن التحمس للعروبة وأدبها غلبني في هذه الآونة، إذ أحسست كأن التضحية بالعرب ولغتهم بعض ما تكنّه السياسة الدولية في ضميرها الملوّث؟ وبعض ما تسخر له أتباعها وأذنابها في ربوع بلاد الإسلام.
لذلك حرصتُ في كتابي على إحياء الحكمة العربية الأولى، وإمتاع القراء بطُرف منها في سياق المعارف الدينية والعلمية التي يجدونها.
وإذا كان (ديل كارنيجي) يحيا بقرّائه في جو أمريكي بحت، فمن واجبي أن أعيش مع قرّائي في جوّ عربي خالص، لا أتركه إلا للمقارنات الإنسانية الأخرى، وهي مقارنات لا صلة لها بجنس معين.
وأمر أخير: إن تبديد الغيوم الاجتماعية المخيِّمة في كثير من أقطارنا العربية واجب لا محيص عن القيام به، ولا أستطيع التخلي عنه تقيداً ببحث محدود، فلا يستغربَنّ أحدٌ أن أخوض في مشكلات شخصية وعلل خلقية، ولا أن أستطرد بذكر حوادث وشواهد مختلفة تمسني من قرب أو بعد.
إنني لا أكتب إشباعاً لترف علمي قدر ما أكتب إصلاحاً لأغلاط شائعة وأوضاع جائرة.
وأعرف أن من أحزاب الميمنة وأحزاب الميسرة من يكره هذه الكتابات ويتمنى الشر لصاحبها، وقد أردّد وأنا ضاحك قول العقاد:
وكذا العهد بمشبوب القِلَى عـارمُ الفطنـة جيّاش الفؤاد
أبـداً يهتف بالقــول فلا يُعجب الغيَّ ولا يُرضى الرشاد
لكنني أستدرك فأقول: إن ما لا يُعجب الغي يجب أن يرتضيه الراشدون.
وإذا استوحشت من صنوف الناس فإلى رب الناس المفزع: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ (1).النَّعِيمِ
محمد الغزالي

جدد حياتك

كثيراً ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، ولكنه يقرن هذه البداية المرغوبة بموعد مع الأقدار المجهولة، كتحسُّن في حالته، أو تحول في مكانته.
وقد يقرنها بموسم معين، أو مناسبة خاصة كعيد ميلاد، أو غرّة عام مثلاً.
وهو في هذا التسويف يشعر بأن رافداً من روافد القوة المرموقة قد يجيء مع هذا الموعد، فينشِّطه بعد خمول ويُمنّيه بعد إياس.
وهذا وهمٌ. فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس.
والرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وبصر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرّفه وفق هواها. إنه هو الذي يستفيد منها‘ ويحتفظ بخصائصه أمامها، كبذور الأزهار التي تُطمَر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة!! لقد حوّلت الحمأ المسنون والماء الكَدِر إلى لون بهيج وعطر فوّاح.. كذلك الإنسان إذا ملك نفسه وملك وقته، واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجه من شؤون كريهة، إنه يقدر على فِعل الكثير دون انتظار أمدادٍ خارجية تساعده على ما يريد.
إنه بقواه الكامنة، وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة، أو التافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد.
لا مكان لتريُّث، إن الزمن قد يفد بعون يشدُّ به أعصاب السائرين في طريق الحق، أما أن يهب المقعد طاقةً على الخطْو أو الجري فذاك مستحيل.
لا تعلّق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير.
الحاضر القريب الماثل بين يديك، ونفسك هذه التي بين جنبيك، والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك. : (إن الله يبسط يده بالليل ليتوبَ مسيءفلا مكان لإبطاء أو انتظار، قال رسول الله النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيء الليل)(1).
ثم إن كل تأخير لإنفاذ منهاج تجدّد به حياتك، وتصلح به أعمالك لا يعني إلا إطالة الفترة الكابية التي تبغي الخلاص منها، وبقاءك مهزوماً أمام نوازع الهوى والتفريط.
بل قد يكون ذلك طريقاً إلى انحدار أشد، وهنا الطامّة.
: (النادم ينتظر من اللهوفي ذلك قال رسول الله الرحمة. والمعجب ينتظر المقت. واعلموا عباد الله أن كل عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها.
والليل والنهار مطّيتان فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة.
واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة.
ولا يغترنّ أحدكم بحلم الله عز وجل، فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ،من شِراك نعله. ثم قرأ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا (2).يَرَهُ
------------------------
(1) مسلم.
(2) الزلزلة- (7-8).
ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرّف عيوبها وآفاتها، وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلص من هذه الهنات التي تُزرى به.
في كل بضعة أيام انظر إلى أدراج مكتبي لأذهب الفوضى التي حلّت به من قصاصات متناثرة، وسجلات مبعثرة، وأوراق أدّت الغرض منها.
يجب أن أرتب كل شيء في وضعه الصحيح، وأن يستقر في سلة المهملات ما لا معنى للاحتفاظ به.
وفي البيت، إن غُرفه وصالاته تصبح مشعّثة مرتبكة عقب أعمال يوم كامل. فإذا الأيدي الدائبة تجول هنا وهناك لتنظف الأثاث المغبرّ، وتطرد القُمامة الزائدة، وتعيد إلى كل شيء رُواءه ونظامه.
ألا تستحق حياة الإنسان مثل هذا الجهد؟ ألا تستحق نفسك أن تتعهد شؤونها بين الحين والحين لترى ما عراها من اضطراب فتزيله، وما لحقها من إثم فتنفيه عنها مثلما تُنفى القمامة عن الساحات الطهور؟!
ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غُنْم أو غُرْم؟ وأن نُرجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجّتها الأزمات، وهزّها العراك الدائب على ظهر الأرض في تلك الدنيا المائجة؟..
إن الإنسـان أحـوج الخلائق إلى التنقيـب في أرجاء نفسه وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك.
ذلك أن الكيان العاطفي والعقلي للإنسان قلّما يبقى متماسك اللبنات مع حِدّة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات.. فإذا تُرك لعوامل الهدم تنال منه فهي آتية عليه لا محالة، وعندئذ تنفرط المشاعر العاطفية والعقلية كما .... مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُتنفرط حبات العِقْد إذا انقطع سلكه.. وهذا شأن (1).عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
والنفس الإنسانية إذا تقطّعت أواصرها، ولم يربطها نظام يُنسق شؤونها ويركز قواها، أصبحت مشاعرها وأفكارها ------------------------
(1) الكهف- 28.

كهذه الحبات المنفرطة السائبة لا خير فيها ولا حركة لها.
ومن ثَمّ نرى ضرورة العمل الدائب لتنظيم النفس وإحكام الرقابة عليها.
والله عز وجل يُهيب بالبشر – قُبيل كل صباح – أن يُجدّدوا حياتهم مع كل نهار مقبل.
فبعد أن يستريح الأنام من عناء الأمس الذاهب، وعندما يتحرّكون في فرشهم ليواجهوا مع تحرُّك الفلك يومهم الجديد.
في هذه الآونة الفاصلة تستطيع أن تسأل: كم تعثّر العالمُ في سيره؟ كم مالَ مع الأَثَرة؟ كم اقترف من دَنيّة؟ كم أضلته حَيْرته فبات محتاجاً إلى المحبة والحنان؟
في هذه اللحظة يستطيع كل امرئ أن يجدد حياته، وأن يعيد بناء نفسه على أشعة من الأمل والتوفيق واليقظة.
إن صوت الحق يهتف في كل مكان ليهتدي الحائرون : (إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تباركويتجدّد البالون. قال رسول الله وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيُعْطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيُغفر له؟.. حتى ينفجر الفجر)(1). وفي رواية: (أقرب ما يكون العبد من الربّ في جوف الليل)(2). فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تلك الساعة فكُنْ.
إنها لحظة إدبار الليل وإقبال النهار، وعلى أطلال الماضي القريب أو البعيد يمكنك أن تنهض لتبني مستقبلك.
ولا تؤودنّك كثرة الخطايا، فلو كانت رُكاماً أسود كزَبد البحر ما بالى الله عز وجل بالتعفية عليها إن أنت اتجهت إليه قَصْداً وانطلقت إليه ركضاً.
قُلْ يَاإن الكُنود القديم لا يجوز أن يكون عائقاً أمام أوبة صادقة، عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ (3).الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ...
وفي حديث قدسي عن الله عز وجل: (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي.
------------------------
(1) مسلم.
(2) الترمذي.
(3) الزمر- (53-54).
يا ابن آدم لو بلغت ذُنوبُك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي. يا ابن آدم لو أتيتني بقِراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقِرابها مغفرة)(1).
وهذا الحديث وأمثاله جُرعة تُحيي الأمل في الإرادة المخدّرة، وتُنهض العزيمة الغافية وهي خجلى لتستأنف السير إلى الله، ولتجدّد حياتها بعد ماض ملتوٍ مستكين(2)!
لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربهم على أجنحة من الشوق بدل أن يساقوا إليه بسياط من الرهبة؟
إن الجهل بالله وبدينه هو عِلّة هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النافر – بالتعبير الصحيح –، مع أن البشر لن يجدوا أبرّ بهم ولا أحنى عليهم من الله عز وجل.
وبرُّه وحنوُّه غير مشُوبين بغرض ما، بل هما من آثار كماله الأعلى وذاته المنزّهة.
الحـق أن الله لـم يرد للناس قاطبة إلا اليسر والسماحة ------------------------
(1) الترمذي.
(2) اقرأ مبحث الخطيئة والمتاب من كتابنا (عقيدة المسلم).
والكرامة، ولكن الناس أبَوا أن يستجيبوا لله وأن يسيروا وفق ما رسم لهم، فزاغت بهم الأهواء في كل فجٍّ، وطفحت الأقطار بتظالمهم وتناكرهم.
ومع هذا الضلال الذي خبطوا فيه فإن منادي الإيمان يهتف بهم أن عودوا إلى بارئكم.
إن فرحته بعودتكم إليه فوق كل وصف. قال رسول الله : (لَله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دويّة مُهلكة، معه راحلته، عليها طعامُه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته!! فطلبها، حتى إذا اشتد عليه الحرُّ والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت.. فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابهُ، فالله أشدّ فرحاً بتوبة المؤمن من هذا براحلته)(1).
ألا يبهرك هذا الترحاب الغامر. أترى سروراً يعدل هذه البهجة الخالصة؟
------------------------
(1) البخاري.
إن أنبل الناس عِرْقاً وأطهرهم نفساً قلّما يجد فؤاداً يتلهف على لقائه بمثل هذا الحنين. فكيف بخطّاء أسرف على نفسه وأساء إلى غيره؟ إنه لو وجد استقبالاً يستر عليه ما مضى لكان بحسبه ذلك الأمان المبذول ليستريح ويشكر.
أما أن يفاجأ بهذه الفرحة، وذلك الاستبشار، فذاك ما يثير الدهشة.
لكن الله أبرُّ بالناس وأسرّ بأوبة العائدين إليه مما يظن القاصرون!! وطبيعي أن تكون هذه التوبة نُقْلة كاملة من حياة إلى حياة، وفاصلاً قائماً بين عهدين متمايزين، كما يفصل الصبح بين الظلام والضياء.
فليست هذه العودة زَوْرة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف.
وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم وقوة التحمّل وطول الجَلَد، كلا، كلا. إن هذه العودة الظافرة التي يفرح الله بها هي انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول، وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية، وانطلاقة من قيود الهوى والجحود، ثم استقراره في مرحلة أخرى من الإيمان والإحسان، والنضج والاهتداء.
هذه هي العودة التي يقول الله في وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّصاحبها: (1).اهْتَدَى
إنها حياة تجدّدت بعد بِلى، ونُقلة حاسمة غيّرت معالم النفس، كما تتغيّر الأرض المَوَات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصّبات.
إن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة، أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلاً حميداً، ولا مسلكاً مجيداً.
إنها عودة تتطلب – كما رأيت – أن يجدد الإنسان نفسه، وأن يعيد تنظيم حياته، وأن يستأنف مع ربه علاقة أفضل، وعملاً أكمل، وعهداً يُجري على فمه هذا الدعاء: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، ------------------------
(1) طه- 82.
أبوءُ لك بنعمتك عليّ، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)(1).













------------------------
(1) البخاري.

(2)
عِشْ في حدود يومك

من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله الطويل.
والمرء حين يؤمل ينطلق تفكيره في خط لا نهاية له، وما أسرع الوساوس والأوهام إلى اعتراض هذا التفكير المرسل، ثم إلى تحويله هموماً جاثمة، وهواجس مقبضة.
لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟! عِشْ في حدود يومك فذاك أجدر بك، وأصلح لك.
ولقد ساق (ديل كارنيجي) عدداً من التجارب التي خاضها رجال ناجحون، رجال لم يتعلقوا بالغد المرتقب، بل انغمسوا إلى الأذقان في حاضرهم وحده يواجهون مطالبه ويعالجون مشكلاته، فأمّنوا بهذا المسلك الراشد يومهم وغدهم جميعاً، ثم أهدوا لنا خلاصات تجاربهم في هذه الكلمات: (ليس لنا أن نتطلع إلى هدف يلوح لنا باهتاً من بعد، وإنما علينا أن ننجز ما بين أيدينا من عمل واضح بيّن).
وهي نصيحة للأديب الإنكليزي (توماس كارليل).
والعيش في حدود اليوم – : (من أصبح آمناً في سِربه، معافىً فيوفق هذه الوصايا – يتّسق مع قول الرسول بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزتْ له الدنيا بحذافيرها)(1). إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها في يديك فاحذر أن تحقرها.
إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد قوى تُتيح للعقل النيّر أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيراً قد يغيّر به مجرى التاريخ كلّه، بلْه حياة فرد واحد.
إن هذه النعم الميسّرة ضمان كبير لصاحبها كي يقطع من الزمن فترة كاملة الإنتاج، مطّردة السير، مُراحة من العوائق والمثبطات.
كان الخليل إبراهيم عليه السلام إذا طلع عليه الصباح يدعو: (اللهم هــذا خلق جديد فافتحه عليّ بطاعتك، وأختمه لي ------------------------
(1) الترمذي.
بمغفرتك ورضوانك، وارزقني فيه حسنة تقبلها مني وزكّها وضعّفها لي، وما عملت من سيئة فاغفرها لي، إنك غفور رحيم ودود كريم)(1).
وكان يقول: (من دعا بهذا الدعاء إذا أصبح فقد أدّى شكر يومه).
تلفتنا إلى صحة هذهوسيرة رسول الله الطريقة في تجزئة الحياة، واستقبال كل جزء منها بنفس محتشدة وعزم جديد.
فهو إذا أصبح يقول: (أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله، لا شريك له، لا إله إلا هو وإليه النشور)(2) وإذا أمسى قال مثل ذلك، وقد يدعو: (اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر، فأتمم نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة)(3). وإذا أمسى دعا بمثل ذلك.
وبعض الناس يستهين بما أولاه الله من سلامة وطمأنينة في نفسه وأهله، وقد يزدري هذه الآلاء العظيمة، ويضخّم ------------------------
(1) الإحياء. (2) الترمذي.
(3) أبو داود.
آثار الحرمان من حظوظ الثروة والتمكين. وهـذه الاستهانة غَمْط للواقـع ومتلفة للدين والدنيا! روي أن رجلاً سأل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امراة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء.. قال: فإن لي خادماً. قال: فأنت من الملوك(1).
والذين لا يشْكون الحرمان – لأنهم أوتوا الكثير – قلّما ينتفعون بما أوتوا إذا هم فقدوا الطاقة النفسية على استغلال ما معهم والإفادة مما حولهم. هذه حقيقة يؤكدها النبي الكريم مطلع كل صباح فيقول: (ما طلعت شمسٌ قط إلا بُعث بجَنْبتيْها ملكان يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلُمّوا إلى ربكم، فإن ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى. ولا غربت شمس قط، إلا وبُعث بجنبتيها ملكان يناديان: اللهم عجّل لمنفق خلفاً وعجّل لممسك تلفاً)(2).
------------------------
(1) مسلم. (2) الترغيب والترهيب.
واسمع قول أبي حازم: (إنما بيني وبين الملوك يومٌ واحد!!
أما أمس فلا يجدون لذته.
وأنا وهم من غدٍ على وجلٍ.
وإنما هو اليوم. فما عسى أن يكون اليوم؟!).
هذا الفقير الصالح يتحدّى الملوك. إن لذائذ الماضي تفنى مع أمس الذاهب، ما يستطيع احد إمساك بعضها.
والغد في ضمير الغيب يستوي السادة والصعاليك في ترقبه.
فلم يبق إلا اليوم الذي يعيش العقلاء في حدوده وحدها.
وفي نطاق اليوم يتحوّل إلى ملك من يملك نفسه ويبصر قصده.
فما وجه الهوان؟ وما مكان التفاوت؟!
على أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.
وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر وبين التوجّس المربك المحيّر مما قد يفد به الغد.
والواقع أن ذلك مسلك يعين على بلوغه إحسان العيش في حدود اليوم، فإن الحاضر المكين أساس جيد لمستقبل ناجح، ومن ثَمّ يجب نبذ القلق.
قال الشاعر:
سهرتْ أعينٌ ونامت عيونٌ في شؤون تكون أو لا تكون
إن رباً كفاك بالأمس ما كان سيكفيـك فـي غدٍ ما يكون
أتدري كيف يُسْرَق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله، ويده صِفْر من أي خير.
كتب (ستيفن ليكوك) يقول: (ما أعجب الحياة!!
يقول الطفل: عندما أشب فأصبح غلاما.
ويقول الغلام: عندما أترعرع فأصبح شاباً.
ويقول الشاب: عندما أتزوج. فإذا تزوج قال: عندما أصبح رجلاً متفرغاً. فإذا جاءته الشيخوخة تطلّع إلى المرحلة التي قطعها من عمره، فإذا هي تلوح وكأن ريحاً باردة اكتسحتها اكتساحاً.. إننا نتعلم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها، نحيا كل يوم منها وكل ساعة).
في هؤلاء الذين ضيّعوا أعمارهم يَوْمَ تَقُومُسُدىً، وتركوا الأيام تفلت من أيديهم لُقىً، يقول الله تعالى: (1).السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ
ويقول: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ (2).ضُحَاهَا

الثباتُ والأَناةُ والاحتيالُ

إذا دهمتك شدة تخاف منها على كيانك كله، فما عساك تصنع؟
تدع الروع ينهب فؤادك، والعواصف الجائحة ترمي بك في مكان سحيق؟ أم تقف مطمئناً، وتحاول أن تتلمّس بين هذه الضوائق مأمناً يهديك إليه الفكر الصائب؟
يقول (ديل كارنيجي):
1- سل نفسك: ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي؟
2- ثم هيئ نفسك لقبول أسوأ الاحتمالات.
3- ثم اشرع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وهذه خطة يوصي العقل والدين معاً باتباعها. وفي أدب العرب ذخائر لا تحصى من شجاعة الرجال في استقبال المحن، ومن حرصهم على الخروج منها مخرجاً لا يخدش المروءة ولا الشرف.
ولا شك أن الرجل الذي يضبط أعصابه أمام الأزمات، ويملك إدارة البصر فيما حوله هو الذي يظفر في النهاية بجميل العاقبة.
وتأمل في قول قطريّ:
أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطـال ويحـك لن تُراعي
فإنك لو طلبـت بقــاء يومٍ على الأجل الذي لك لن تُطاعي
وقول الآخر:
أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تُحمدي أو تستريحي
إن هذه الأبيات تصوير حسن لموقف الرجولة من النوازل العصيبة.
ماذا يجديك أن تفقد رشدك إذا هدّدتك أو دهمتك أزمة؟
وعندما يبقى الفكر يقظاً على هبوب الأخطار، وعندما يظل المرء رابط الجأش يقلّب وجوه الرأي ابتغاء مخلّص مما عراه، فإن النجاح لن يخطئه.
: (إنماولذلك يقول رسول الله الصبر عند الصدمة الأولى).
وقد يتوقع الإنسان بعض النوازل المخوّفة، ويستبد به القلق في انتظارها، وكأنما هي الموت أو أشد.
وربما لم يهنأ له طعام، ولا ارتسم على فمه ابتسام من تفكيره المشدود إلى ما يتوقع.
والناس من خوف الفقر في فقر، ومن خوف الذل في ذل!!
وهذا خطأ بالغ. فالمؤمن الراشد يفترض أن أسوأ ما يقلقه قد وقع بالفعل، ثم ينتزع مما يتبقى له – بعد هذا الافتراض – عناصر حياة تكفي، أو معاني : (لِتعزّ المسلمين في مصائبهم المصيبة فيَّ)،عزاء تشفي، على نحو ما قال الرسول أي: إنهم لن يصابوا بمثلي.
أعرف رجلاً قُطعت قدمه في جراحة أجريت له، فذهبتُ إليه لأواسيه، وكان عاقلاً عالماً، وعزمتُ أن أقول له: (إن الأمة لا تنتظر منك أن تكون عدّاءً ماهراً، ولا مصارعاً غالباً، إنما تنتظر منك الرأي السديد والفكر النيّر، وقد بقي هذا عندك ولله الحمد).
وعندما عُدْتُه قال لي: (الحمد لله. لقد صحبتني رجلي هذه عشرات السنين صحبة حسنة، وفي سلامة الدين ما يُرضي الفؤاد).
والتحسر على الماضي الفاشل، والبكاء المجهد على ما وقع فيه من آلام وهزائم هو – في نظر الإسلام – بعض مظاهر الكفر بالله والسخط على قدره.
ومنطق الإيمان يوجب نسيان هذه المصائب جملة، واستئناف حياة أدنى إلى الرجاء وأحفل بالعمل والإقدام.
وفي هذا يقول الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ (1).وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
قيل: إن أبا حامد الغزالي لما أحسّ دُنوَّ أجله قال لبعض أصحابه: ائتني بثوب جديد.
فقال له: ما تريد به؟
--------------------
(1) آل عمران- 156.
قال أبو حامد: سألقى به المَلَك!!
فجاءوه بالثوب، فطلع به إلى بيته، وأبطأ على أصحابه، فلم يعُدْ.
فذهب إليه أصحابه يستطلعون نبأه، فإذا هو ميت، وإذا عند رأسه ورقة كتب فيها هذه الأبيات.
قـلْ لإخـوانٍ رأوني ميّتاً فـرثونـي، وبكَوا لي حَزَنا..
أتظنونـي بأنـي ميْتُكم ليس هـذا الميت والله أنا..
أنا في الصُّور(1) وهذا جسدي كــان بيتي وقميصي زمنا
أنا عصفور وهذا قفصي طِـرْتُ عنـه وبقي مُرتهنا
أنا دُرٌ قـد حواه صـدف لامتحاني فنفيـت المِحَنا(2)
أحمد الله الـذي خلّصني وبنـى لي في المعالي سكنا
كنت قبل اليوم ميْتاً بينكم فحـيَيتُ، وخلعـتُ الكـفنا
وأنا اليوم أنـاجــي ملأً وأرى الله جهــاراً علناً(3)

--------------------
(1) يعني البرزخ بين الحياتين، وما كان الجسد قبلاً إلا ملبساً خُلع.
(2) بالموت تنتهي فترة الاختبار وتبدأ سعادة السعداء.
(3) رؤية روحية بداهة لا كما يتبادر إلى الذهن.
قد تـرحّلتُ وخلّفتكــم لستُ أرضى داركم لي وطناً(1)
لا تظنّوا الموتَ موتاً إنه كحيــاة، وهو غايات المُنى
لا ترُعْكـم هجمةُ الموتِ فمـا هي إلا نُقْلة من هـاهنا
وهذه الأبيات، سواء صحت نسبتُها للغزالي أم لم تصح، فهي صورة صحيحة للفكر الديني عما دار وراء الموت.
الواقع أن الجزع والجبن والتحسّر وشتّى العواطف التي تنتاب الناس بإزاء الموت تعود إلى فهمه على أنه انتقال من وجود إلى عدم، ومن ضياء إلى ظلام، ومن إيناس إلى وحْشة.
فهل يدري هؤلاء أن هذه الحياة الدنيا بما فيها ومن فيها ستكون ذكريات حافلة مثيرة، وأن يوماً لا بد منه سوف يقدم ليتلاقى فيه إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ،الصالحون، فيقول بعضهم لبعض: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ (2).الرَّحِيمُ
--------------------
(1) المجيء إلى الدنيا ثم تركها مشيئة إلهية خالصة، ولكن في الكلام معنى الاستبشار بما لقي.
(2) الطور- (26-28).
(4)
هُمومٌ وسُموم

الخبراء بحياة الغرب يشْكون من مرارة الكفاح الدائر في أرجائه للحصول على المال والمكاثرة به.
فالأفراد والجماعات منطلقون في سباق رهيب لإحراز أكبر حظّ مستطاع من حطام الدنيا.
وقواهم البدنية والنفسية تدور كالآلة الدائبة وراء هذه الغاية، وقد احتشدت فيها جميع الخصائص الإنسانية الدنيا والعليا.
إلا أنّ الآلات قد يقطر عليها من الزيت ما يرطب حدّة الاحتكاك في حركتها، ويمنع الشرر المتولّد من إحراقها. أما أعصاب الناس في عِراك المادة الرهيب فكثيراً ما تفقد هذا العنصر الملطّف، وتمضي مستثارةً يستبدّ بها القلق والضيق حتى تشتعل فتأتيَ على الأخضر واليابس.
وقد كتب (ديل كارنيجي) يصف مشاهد هذا السُّعار المادي وما خلّفه في النفوس والجسوم من بلاء فقال: (عشتُ في نيويورك أكثر من سبع وثلاثين سنة، فلم يحدث أن طرق أحد بابي ليحذّرني من مرض يُدْعى (القلق)، هذا المرض الذي سبّب في الأعوام السبعة والثلاثين الماضية من الخسائر أكثر مما سبّبه الجدري بعشرة آلاف ضعف، نعم لم يطرق أحدٌ بابي ليحذّرني أنّ شخصاً من كل عشرة أشخاص من سكان أمريكا معرّض للإصابة بانهيار عصبيّ مرجعة في أغلب الأحوال إلى القلق!!
قال: وألقى الدكتور (هارولدسين هابين) الطبيب بمستشفى مايو رسالة في الجمعية الأمريكية للأطباء والجرّاحين العاملين في المؤسسات الصناعية قال فيه: إنه درس حالات 176 رجلاً من رجال الأعمال أعمارهم متجانسة في نحو الرابعة والأربعين، فاتضح له أن أكثر من ثلث هؤلاء يعانون واحداً من ثلاثة أمراض تنشأ كلها عن توتر الأعصاب، وهي: اضطراب القلب، وقرحة المعدة، وضغط الدم. ذلك ولمّا يبلغ أحدهم الخامسة والأربعين بعد. أهذا هو ثمن النجاح، هل يُعد ناجحاً ذاك الذي يشتري نجاحه بقرحة في معدته ولغط في قلبه، وماذا يفيده المرض إذا كسب العالم أجمع وخسر صحته؟! لو أن أحداً ملك الدنيا كلها ما استطاع أن ينام إلا على سرير واحد، وما وسعه أن يأكل أكثر من ثلاث وجبات في اليوم، فما الفرق بينه وبين الفاعل الذي يحفر الأرض؟ لعل الفاعل أشد استغراقاً في النوم، وأوسع استمتاعاً بطعامه من رجل الأعمال ذي الجاه والسطوة.
ويقول الدكتور (و. س. الفاريز): اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة، بل مرضهم ناشئ عن الخوف، والقلق، والبغضاء، والأَثَرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة.
على ضوء هذه الصيحات في ذم هذا التكالبالمحزونة نحب أن نذكر بعض أحاديث النبي محمد رسول الله والترهيب من عقباه، قال: (من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله همّ دنياه. ومن تشعَّبتْه الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك)(1).

---------------------
(1) الحاكم.
هذا اللون من التوجيه النبوي بقصد به بثّ السكينة في الأفئدة، واستئصال جراثيم الطمع والتوجع التي تطيل لُغوبَ الإنسان وراء الدنيا وتحسّره على ما يفوته منها، وفي ذلك يقول: (من كانت الآخرة همَّه جعل الله غِناه في قلبه، وجمع له شمْلَه، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدّر له)(1). وقال: (تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضَيْعته، وجعل فقره بين عينيه. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع الله له أموره، وجعل غِناه في قلبه. وما أقبل عبدٌ بقلبه على الله عز وجل إلا جمع الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالوُدّ والرحمة، وكان الله إليه بكل خير أسرع)(2).
إن من حق الدنيا علينا أن نعمل فيها، وأن ننال من ضروراتها ومرفّهاتها ما يحفظ حياتنا ويسعدها، وقد يكلّفنا
---------------------
(1) الترمذي.
(2) البيهقي.
هذا العمل جهداً شاقاً يتصبب معه العرق ويطول فيه العناء، ولكن هذا الحق المقرر، وهذا الجهد المبذول لبلوغه لا يجوز أن يميلا بنا عن الجادة، أو يزيغا بنا عن الرشاد.
فالمال إذا طلبناه فلكي ننفقه لا لكي نختزنه، وإذا أحببناه وحصّلناه فلنبذله فيما يحقق مصالحنا ويصون حياتنا.
ومن الحماقة أن يتحوّل المال إلى هدف مقصود لذاته تذوب في جمعه المهج، وتُرتخص العافية، وتتكاثر الهموم، وتُجتذب الأمراض!!
إن المال كالفاكهة الجميلة اللون، الشهية المذاق، وميل الطباع إلى اقتناء هذا الخضر الحلو معروف، بيد أن من الناس من يظل يطعم حتى تقتله التُّخمة. ومنهم من يختطف ما في أيدي الآخرين إلى جانب نصيبه المعقول.
ومنهم من يدّخر ويجوع. ومنهم من يشغله القلق خشية الحرمان، ومن يشغله القلق طلب المزيد.
وأفضل الناس من يأخذونه بسماحة وشرف، فإذا تحوّل عنهم لم يشيّعوه بحسرة أو يرسلوا وراءه العبرات لأن بناءهم النفسي يقوم وحده بعيداً عن معايير المكاثرة، ورذائل النَّهم والتوسع.
: (يا أيها الناس إن الغنى ليس عن كثرة العَرض، ولكنقال رسول الله الغنى غنى النفس. وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كُتب له من الرزق، فأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرُم)(1).
والإجمال في الطلب – كما رأيت – لا يعني القعود أبداً.
إن الطلب الجميل تكسُّب الحلال في سماحة ورفق، وإطِّراح الحرام في زَهادة وأنفة، ثم تجيء بعد ذلك بقية تعاليم الإسلام القائمة على الإيمان بالله، والتصديق بلقائه، وإيثار ما عنده، ومعرفة قدر الدنيا بالنسبة إلى الأخرى.
ثم معرفة قدر الله جل شأنه بالنسبة إلى ما عداه.
إن جماهير غفيرة من الرجال الذين تظلهم حضارة الغرب محرومون من هذه الوداعة.
يقول (ديل كارنيجي): لقد أثبت الإحصاء أن القلق هو القاتل (رقم 1) في أمريكا، ففي خلال سني الحرب العالمية
---------------------
(1) أبو يعلى.
الأخيرة قُتل من أبنائنا نحو ثلث مليون مقاتل. وفي خلال هذه الفترة نفسها قضى داء القلب على مليوني نسمة.
ومن هؤلاء الأخيرين مليون نسمة كان مرضهم ناشئاً عن القلق وتوتر الأعصاب..
وقد أدرك الموجّهون خطر الأحزان على كيان الأمم وإنتاجها، فتألفت في ألمانيا منذ سنين جماعة جعلت شعارها: القوة في السرور. وإنه لخير للأمم أن تستقبل الحياة ببشْر وأمل كي تستفيد من وقتها ومالها، ومن حقّها على قادتها أن يجنّبوها القُنوط والتشاؤم والاستكانة، فإن هذه المشاعر الباردة تطويها في أكفان الموت قبل أن تموت.
ليس من مات فاستراح بِمَيْتٍ إنمـا الميْـتُ ميّت الأحيـاء
إنما الميت من يعيش كئيبـاً كـاسفاً بالُه قليـل الرجـاء
وما أظن عاقلاً يزهد في البشاشة أو مؤمناً يجنح إلى التشاؤم واليأس، وربما غلبت المرء أعراضٌ قاهرة فسلبته طمأنينته ورضاه، وهنا يجب عليه أن يتشبث بالعناية العليا كي تنقذه مما حلَّ به، فإن الاستسلام لتيار الكآبة بداية انهيار شامل في الإرادة يطبع الأعمال كلها بالعجز والشلل.
يعلّم أصحابه أن يستعينوا بالله في النجاة من هذهولذلك كان رسول الله المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل منالآفات. قال أبو سعيد الخدري: دخل رسول الله الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: (يا أبا أمامة.. ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله. قال : أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهبَ الله همك، وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العَجْز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبُخل، وأعوذ بك من غَلبة الدين وقهر الرجال)(1). قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله همي وقضى عني ديني.
يعلّمنا أنوعن شداد بن أوس قال: كان رسول الله نقول: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة ---------------------
(1) أبو داود.
الرُّشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك لساناً صادقاً، وقلباً سليماً، وأعوذ بك من شر ما تعلمُ، وأسألك من خير ما تَعْلم، وأستغفرك مما تعلم، إنك أنت علاّمُ الغُيوب)(1).
وعن ابن عمر رضي يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعواتالله عنه قال: (قلّما كان رسول الله لأصحابه: (اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهَوّن به علينا مصائب الدنيا. ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا. واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)(2).
إن هذه الأدعية أشبه بالأناشيد الحماسية التي تثير عواطف الركب السائر، فهي ليست جُؤار القــاعـدين ولا أماني الهامدين، بل هي أمداد دافقة من الحق والضياء
---------------------
(1) الترمذي. (2) الترمذي.
واليقين يتغلب بها البشر على مشكلات العيش ومضايق الأيام.
ثم هي تحديد للمعاني التي يصح التمسك بها والتقلب في جوها، وهي معانٍ قوامها عقد العزم على العمل في ظل الإيمان والعافية والعدالة، وفي ظل الكبرياء على مشاغل الدنيا ومحرجاتها الجمّة.
وفي هذا المقام يقول الدكتور زكي مبارك: (التسليم لله من أدب النفس، وهو يطرد نوازع شتى يخلقها التفكير في النصيب الحاضر من حظوظ الحياة).
ومن الواضح أن هذا المقام يحتاج إلى رياضة شديدة، لأن الرضا لا يكون إلا بعد تطهير القلب من الوساوس النفسية، وهو بالتأكيد من أسباب الاطمئنان، والطمأنينة أكبر الغنائم في الحياة الخلقية.
: (إرضَ بمافإذا قال رسول الله قسم الله لك تكن أغنى الناس)(1). فلا تجعل الرضا ذريعة القصور والقعود.
بل ارضَ بيومك. وأمِّل ما يسرّك في غدك.
---------------------
(1) مسند أحمد.



(5)
كيف نزيل أسباب القلق؟

لا أعرف مظلوماً تواطأ الناس على هضمه، وزهدوا في إنصافه كالحقيقة!!
ما أقل عارفيها، وما أقل – في أولئك العارفين – من يقدّرها ويغالي بها ويعيش لها!!
إن الأوهام والظنون هي التي تمرح في جنبات الأرض، وتغدو وتروح بين الألوف المؤلفة من الناس.
ولو ذهبتَ تبحث عن الحق في أغلب ما ترى وتسمع لأعياك طِلابه.
لهذا قال الله لنبيه ولكل معتصم وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِبالصدق في مجتمع طافح بالزيغ: يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ(1) وقال: إِلاَّ يَخْرُصُونَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (2)بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
----------------------------
(1) الأنعام- 116. (2) الأنعام- 150.
وقال: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ (1).الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
وجدير بالإنسان في عالم استوحش فيه الحق على هذا النحو أن يجتهد في تحريه، وأن يلتزم الأخذ به، وأن يرجع إليه كلما بعّدته التيارات عنه.
ولعل هذا هو السر في أن الله طلب إلى كل مؤمن أن يسأله الهدى، وكلّفه ألاّ يسأم من تكرار هذا السؤال حيناً بعد حين.
ففي اهْدِنَا الصِّرَاطَكل صلاة مفروضة أو نافلة يقف المرء بين يدي ربه يقول: الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ (2).عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
على أن الاهتداء إلى الحق والثبات على صراطه يحتاج إلى جهد ودأب، ويحتاج كذلك إلى استلهام طويل من عناية الله.. وقد كان رسول الله إذا حزبه أمرٌ جنح إلى الصلاة يضمّ إلى عزيمته وجَلَده حول الله وطَوْله.
------------------------
(1) يونس- 36.
(2) الفاتحة- (6-7).
قال (ديل كارنيجي): (بقي أن نتعلم الخطوات الثلاث التي يجب اتخاذها لتحليل مشكلة ما والقضاء عليها، وهذه الخُطُوات هي:
• استخلص الحقائق.
• حلّل هذه الحقائق.
• اتخذ قراراً حاسماً ثم اعمل بمقتضى هذا القرار).
وقال: (إنه لا مناص من اتخاذ هذه الخطوات إذا كان علينا أن نحلّ المشكلات التي تعنينا، والتي تحيل أيامنا وليالينا جحيماً لا يطاق).
أجل لا مناص من ذلك. والخطوة الأولى تفرض علينا التأمّل الهادئ فيما حولنا لتجميع الحقائق الواضحة، وإرساء سلوكنا على قواعدها.
ولَمُّ هذه الحقائق واجب، وإن كان صعباً على الإنسان.
وقد يضلُّ المرء عن الحقيقة لانطوائه مع عرف سائد، أو لاسترساله مع نظرة سابقة لا أساس لها.
وإذا خُدع المرء أبداً عن الحقيقة، فكيف يوفّق إلى حلّ صحيح لمشكلات الحياة التي تلاقيه؟!
واندراج الناس في مطاوي الغفلة وهم لا يشعرون، هو حكمة ختْم آيات كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُكثيرة جداً في القرآن الكريم بهذا التذييل: كَذَلِكَ(2)، أفلا تذكرون؟(1). الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (3).يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وكأن (ديل كارنيجي) يشرح هذه الآيات إذ يقول: (إننا قلّما نُعنى بالحقائق، وإذا حدث أن حاول احدُنا استخلاص الحقائق فإنه يتصيّد منها ما يعضّد الفكرة الراسخة في ذهنه ولا يبالي بما ينقضها، أي أنه يسعى إلى الحقائق التي تسوّغ عمله، وتتسِق مع أمانيه، وتتفق مع الحلول السطحية التي يرتجلها.
فما العلاج؟ العلاج أن نفصل بين عاطفتنا وتفكيرنا، وأن نستخلص الحقائق المجردة بطريقة محايدة).
والخطوة التالية لجمع الحقائق استشعار السكينة التامة في تلقّيها، وضبط النفس أمام ما يظهر محيّراً أو مروّعاً منها، فإن الفَرَق من الأحداث ينتهي حتماً بالغرق في لُجّتها.
-----------------------
(1) البقرة- 219. (2) يونس- 3.
(3) البقرة- 242.
عندما أوشك القتال أن ينشب في حرم مكة بين المسلمين والمشركين،  وصحبه وهم بالحديبية يريدون العمرة، كظم النبي والتفّت عوامل الاستفزاز بالنبي على ما أحسّ به من حَزَن، وأمر أصحابه أن يطرحوا الريبة والهم، وأن يقبلوا معاهدة تصون الدماء وتنشر الأمان على ما بها من قيودٍ تُعْنِتُهم.
وفي ذلك نزل قول الله إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَتعالى: الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا (1).وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
وكلمة السكينة هذه تكررت في مواضع كثيرة، وهي حيثما وُجدت تشير إلى ما يبثه الإيمان في النفوس من طمأنينة مرجعها الأنس بالله، والركون إلى قضائه، والاستظهار بعونه كلما راب أمرٌ أو أظلم أفق.
وما أكثر أن تتبخّر خواطر السوء ووساوس الضعف، ويتكشّف أن الإنسـان يبتلى بالأوهـام أكثر ممـا يبتلى -----------------------
(1) الفتح- 26.
الَّذِينَبالحقائق، وينهزم من داخل نفسه قبل أن تهزمه وقائع الحياة: قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (1). وإلى هذا يشيروَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ المتنبي بقوله:
وما الخوف إلا ما تخوّفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمناً
فإذا عرف الإنسان الحقائق المتصلة به، وسَبَر غَوْرها جميعاً دون دهشة أو رَوْع، بقيت أمامه الخطوة الأخيرة، وهي أن يتصرف بحزم وقوة، وأن ينفّذ القرار الذي انتهى إليه بعزم صادق.
أعرف كثيراً من الناس لا يعوزهم الرأي الصائب، فلهم من الفطنة ما يكشف أمامهم خوافي الأمور.
بيد أنهم لا يستفيدون شيئاً من هذه الفطنة لأنهم محرومون من قوة الإقدام، فيبقون في مكانهم محسورين بين مشاعر الحيرة والارتباك.
-----------------------
(1) آل عمران- (173-174).
وقد كره العقلاء هذه الضَرْب من الخَوَر والإحجام:
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمة فإن فسادَ الرأي أن تترددّا
أجل.. إن للبحث والتبصُّر أجلاً يتضح بعده كل شيء، ولا يبقى مكانٌ إلا للعمل السريع وفق ما هدتْ إليه الروية واستبانة الصواب، وقد قال وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَىالله عز وجل: (1).اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
قال (ديل كارنيجي): سألتُ (وايت فلبس) – أحد رجل الأعمال البارزين-: كيف كنتَ تنفّذ قراراتك؟ فأجاب: لقد وجدتُ أن التفكير المستمر في مشكلة ما إلى أبعد من مدى معين يخلق القلق، ويولّد الاضطراب، فإنه يأتي وقت تصبح فيه المداومة على التفكير ضرراً يجب اجتنابه، فمتى اتخذت قراراً عمدت إلى تنفيذه دون أن أتطلع البتّة إلى الوراء.
وكما أن التردد أن يرجـع عـن القتال بعدماخدْشٌ في الرجولة فهو تهمة للإيمان، وقد كـره النبي ارتأت كثرة -----------------------
(1) آل عمران- 159.
الصحابة المصير إليه.
فقد كان من رأيه عندما بلغ المشركون جبل أُحد أن يدعهم يدخلون المدينة ثم يقاتلهم في دروبها، ورأى جمهور الشباب أن يخرجوا إليهم فيقاتلوهم دون الجبل، عندواستطاعوا بكثرتهم وحماستهم أن يوجّهوا النفوس إلى هذا القرار، فنزل النبي رأيهم، واتخذ الأُهْبة لمناجزة العدو خارج المدينة.
وأحسّ أولئك كأنهم استكرهوا على غير ما يرى، فاقترحوا مرة أخرى أن يدور القتال في المدينة نفسها، ولكنالنبي رفض هذا التراجع، وأبى أن تصطبغ شؤونه بطابع التردد، أو التأرجح بين إراداتالنبي شتى، فقال كلمة حاسمة: (ما كان لنبي أن يلبس لأْمته ثم يرجع حتى يحكم الله بينه وبين عدوه).
فلندرس مواقفنا في الحياة بذكاء، ولنرسم منهاجنا للمستقبل ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبوطه
عضو سوبر
عضو سوبر



عدد المساهمات : 159
تاريخ التسجيل : 09/05/2010

جدد حياتك Empty
مُساهمةموضوع: رد: جدد حياتك   جدد حياتك Icon_minitimeالخميس 20 مايو 2010 - 14:49

موضوع جميل ماشاء الله على حضرتك

بس ليا عند حضرتك ملحوظة بسيطة

كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للعلامة (ديل كارنيجي)

كتاب جميل جدا وهناك كتب كتييير زي قوة عقلك الباطن و وكت توني بوزان وكتب لعلماء الغرب

بس هنا احنا كمسلمين علينا ان نأخذ ما يناسب ديننا الحنيف

ونترك ما يخالفه

واكبر العلماء معرفة بعلم التنمية البشرية وربطها بالدين هو الدكتور محمد العريفي

جزاكم ربي الفردوس الاعلى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جدد حياتك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جدد حياتك
» عش حياتك
» ست صور لم ترى مثلها في حياتك
» صلاتك حياتك............
» لون حياتك بالطاعات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الدكتور ياسر عبدالله :: التنمية البشرية :: مهارات التنمية البشرية وتطوير الذات-
انتقل الى: