بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
عقيدة الشيخ عبد القادري الجيلاني
كانت معتقد الشيخ هو معتقد أهل السنة معتقد السلف في إثبات صفات الرب عز وجل كما هو مذهب المحدثين فننقل طرفا منها من كتبه قال الشيخ : (( أما معرفة الصانع عز وجل بالآيات والدلالات على وجه الاختصار ، فهي أن يعرف ويتيقن أنه واحد فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " لا شبيه له ولا نظير ، ولا عون ولا شريك ، ولا ظهير ، ولا وزير ، ولا ند ولا مشير له ، ليس بجسم فيمس ولا بجوهر فيحس ، ولا عرض فيقضى ، ولا ذي تركيب أو آلة وتأليف ، وماهية وتحديد ، وهو الله للسماء رافع وللأرض واضع .... الخ )) [ الغنية ص 71 / 2 ] .
وقال أيضا : (( وهو بجهة العلو مستو ، على العرش محتو على الملك محيط علمه بالأشياء )) [ الغنية ص 71 / 1 ] . وقال : (( له يدان وكلتا يديه يمين )) [ الغنية ص 72 / 1 ] . وقال : (( وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ، وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية ، ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية ، ولا معنى الاستيلاء والغلبة كما قالت المعتزلة ، لأن الشرع لم يرد بذلك ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث ذلك ، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق )) [ الغنية ص 73 / 1 ] . وقال أيضا : (( وأنه تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء وكما شاء ، فيغفر لمن أذنب وأخطأ وأجرم وعصى لمن يختار من عباده ويشاء تبارك العلي الأعلى ، لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، لا بمعنى نزول الرحمة وثوابه على ما ادعته المعتزلة والأشعرية )) [ الغنية ص 74 / 1 ] .
قلت : وهذه العقيدة حاول الصوفية دفعها فلم يستطيعوا ، فقالوا : هذا مدسوس على الشيخ عبد القادر فقد قال ابن حجر الهيتمي : (( وإياك أن تغتر بما وقع في الغنية لإمام العارفين وقطب الإسلام والمسلمين الأستاذ عبد القادر الجيلاني ، فإنه دسه عليه فيها من سينتقم الله منه وإلا فهو بريء من ذلك وكيف تروج عليه هذه المسئلة الواهية مع تضلعه من الكتاب والسنة وفقه الشافعية والحنابلة حتى كان يفتي على المذهبين ، هذا مع ما انضم لذلك أن الله منّ عليه من المعارف والخوارق الظاهرة والباطنة وما أنبأ عن ما ظهر عليه وتواتر من أحواله .. الخ )) [ الفتاوى الحديثية ص 204 ] .
قلت : هكذا الصوفية دائما يدعون دعوى ويستدلون على دعاواهم بما ليس بدليل ، فابن حجر استدل على أن مسألة الصفات مدسوسة على الشيخ بأن الشيخ متضلع بالكتاب والسنة ومتفقه على مذهبين أن عنده معرفة وخوارق عادات . أما ما ذكره الشيخ عبد القادر من عقائد فقد دلل عليها من الكتاب والسنة بغض النظر عن صحة بعض الأحاديث ، أما مسألة التفقه والمعرفة والخوارق فليس لها علاقة بالعقيدة ، ولكن ابن حجر ليس عنده دليل مادي على الدس ، ولو كان عنده دليل لما تأخر في ذكره ، مثل أن يذكر أنه وقع على نسخة صحيحة السند أو أنه ظفر بنسخة بخط المؤلف ... الخ ، ولا شك أن كلامه مجرد دعوى عارية عند الدليل والمنهج العلمي في الاثبات والنفي ؟!
ولم يكن ابن حجر وحده من فعل هذا الفعل أعني المنهجية فقد قال الشعراني : (( رأيت في كتاب " البهجة " المنسوب لسيدي الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله تعالى عنه ما نصه اعلموا أن عباداتكم لا تدخل الأرض وإنما تصعد إلى السماء قال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فربنا سبحانه وتعالى في جهة العلو : الله على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء بدليل سبع آيات في القرآن العظيم في هذا المعنى لا يمكنني ذكرها لأجل جهل الجاهل ورعونته انتهى . فلا أدري أذلك الكلام دس علي الشيخ في كتابه أم وقع في ذلك في بدايته ورجع عنه لما دخل في الطريق فإن من المعلوم عند كل عارف بالله تعالى أنه تعالى لا يتحيز . والشيخ قد شاعت ولايته في أقطار الأرض فيبعد من مثله القول بالجهة قطعاً )) [ اليواقيت والجواهر ص 121 / 1 ] . فعلى الرغم من أنه يقرأه في كتاب الشيخ إلا أنه خالف معتقده فلا بد أن يكون الشيخ لم يقل به ، مع أنه لم يجد دليلا ماديا أنه الشيخ عبد القادر لم يقل بهذه العقيدة إلا أنه وضع احتمال الدس واحتمال التراجع ولكن أين دليله ؟؟!! دليله أنه الشيخ عبد القادر شيخ كبير عند الصوفية فلا بد أن يوافق الصوفية فيما يقولونه بنفي الصفات ضاربا الأحاديث والآيات بعرض الحائط .
قلت : حاول هؤلاء نفي عقيدة الشيخ عنه لأنه صوفي ، والصوفي في عرفهم لابد أن ينفي الصفات وهذا الأمر قديم فقد قال الذهبي : (( قال شيخنا الحافظ أبو الحسين علي بن محمد سمعت الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الفقيه الشافعي يقول ما نقلت إلينا كرامات أحد بالتواتر إلا الشيخ عبد القادر فقيل له هذا مع اعتقاده فكيف هذا فقال لازم المذهب ليس بمذهب .
قلت يشير إلى إثباته صفة العلو ونحو ذلك ومذهب الحنابلة في ذلك معلوم يمشون خلف ما ثبت عن إمامهم رحمه الله إلا من يشذ منهم وتوسع في العبارة )) [ سير أعلام النبلاء ص 443 / 20 ] .
فالقدماء اثبتوا هذه العقيدة هي عقيدة الشيخ عبد القادر الجيلاني، والمتأخرون من متعصبي الصوفية ينفونها دون دليل !! وما ذاك إلا انه تخالف عقائدهم فالمبتدي السالك في بداية الطريقة ينفي علو الباري عز وجل على طريقة الجهمية ، والمنتهي ينفي العلو لأنه في اثبات العلو هدم لعقدة وحدة الوجود التي تنادي بالوجود الواحد والذات الواحدة بينما اثبات العلو يستلزم اثبات وجودين وهذا يخالف ما عليه الخواص ، والله تعالى أعلم .
ومما يدل على ثبوت هذه العقيدة عن الشيخ رحمه الله هو العداء المذهبي بينه وبين ابن الجوزي رحمه الله تعالى فقد قال الذهبي بعدما تذكر ترجمة الشيخ في المنتظم لابن الجوزي قال : (( لم تسع مرارة ابن الجوزي بأن يترجم بأكثر من هذا لما في قبله من البغض نعوذ بالله من الهوى )) [ تاريخ الإسلام حوادث سنة 561 – 570 ص 89 ] . ومعلوم أن مذهب ابن الجوزي في الصفات حيث يتبنى مذهب التأويل .
هذا والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .