قال تعالى : (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام : 153 )
وفي الحديث وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل، قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) رواه الإمام أحمد
قد يخطر في بال الكثيرين أن المقصود بالجماعة الأم، جماعة ذات طابع معين، ولون خاص، أو فكر مميز، وأفراد مخصوصين، وكل هذا من الأخطاء الشائعة، بل المقصود بالجماعة الأم، الجماعة التي ينتمي إليها كل مسلم بغض النظر عن موطنه ولونه وقدراته، فهي جماعة حاضنة لكل مسلم وإن كان هنالك تفاوت في صدق الانتماء، فلا يخرج من الجماعة إلا كل شقي لئيم، إذ إن الخروج المطلق عن الجماعة الأم كفر وردة، ولا يكون هذا إلا ممن لا حظ له في الإسلام البتة، أما عامة المسلمين الذين يحكم لهم بدخول الجنة يوم القيامة ابتداء، أو بعد ما يقضون ما عليهم من حساب، هم من هذه الجماعة، وقد ضل في هذا الباب خلق كثيرون، وما حملهم على هذا الضلال عدم تفريقهم بين أصول الشريعة العامة التي يحكم على مخالفها بالكفر والردة، وبين مخالفة الأصول التي عليها عامة أهل الحق من أهل السنة والجماعة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،ويكون من خالفهم مستنداً إلى شبهة يعتقدها في نفسه حقاً، وبين مخالفة الفروع التي يتوصل إليها بغلبة الظن المنبثقة عن أصول صحيحة، وإن كنا نعتقد جازمين أن كل من خالف ما عليه أهل السنة والجماعة ضال مفتون، لكن ليس من الضروري الحكم عليه بالكفر حتى يتبين لنا حاله وأسباب مخالفته لأهل الحق، وإلا لحكمنا على معظم المسلمين بالكفر والردة، إذ من المشاهد الواضح مخالفة معظم المسلمين لما عليه أهل الحق من أهل السنة والجماعة، وينبني على هذا الأمر – عدم الحكم على من خالف أهل السنة بالكفر- إبقاؤهم في عموم جماعة المسلمين، ولا بد هنا من التنبيه إلى مسألة هامة، وهي لا يلزم من عدم إخراج المسلمين من عموم الجماعة الأم الحكم لهم بدخول الجنة ابتداء، بل هم على قسمين، قسم تشمله رحمة الله ابتداء فلا يدخل النار أصلاً، وقسم لا يدخلون الجنة إلا بعد خروجهم من النار، وبعموم فإن كل مسلم في قلبه مثقال ذرة من إيمان يدخل الجنة، ولا يخلد أحد من أهل القبلة في النار، وهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة على خلاف ما ذهب إليه الخوارج من كون مرتكب الكبيرة مخلداً في النار، اللهم إلا من وقع في ناقض من نواقض الإسلام لم يكن عن جهل أو إكراه أو خطئ أو تأويل، وهؤلاء هم أهل القبلة الذين يحكم لهم بالإسلام كما في الحديث الصحيح : (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته.) رواه البخاري
وعليه لا يصح إخراج أحد من جماعة المسلمين لمخالفة رأي أيٍ كان ما لم يستند على أصل ثابت صحيح، أو حكم قام الإجماع المعتبر عليه، إلا أننا مع ذلك لا نحكم على كل مسلم بأنه من أهل الإتباع المطلق، بل يكون مع المسلم الشيء الكثير من الضلال والانحراف يخرجه عن كونه من أهل السنة والجماعة بمفهومها الأخص، فأهل السنة قد طلق ويراد بها عامة الفرق الذين لم يتأثروا ببدع الروافض ومن نحى نحوهم من المتشيعة وأجنادهم، وقد يطلق اللفظ ويراد به أهل السنة والجماعة على الخصوص، وهم من كان على نهج الصحابة وتابعيهم كالأئمة الأربعة والسفيانين وغيرهم من أئمة الهدى ودين الحق، وبه يخرج من المسمى المقيد لأهل السنة كل من خالفهم بأصل، أو حمل عليهم وظاهرهم العداء، وحكم عليهم بأحكام جائرة كالقدرية والخوارج والمرجئة وغيرهم، فهؤلاء وإن لم يحكم عليهم بالكفر والخروج عن كونهم من أهل القبلة لا يعني بالضرورة الحكم لهم بأنهم على الحق المطلق وإن كان معهم كثير من الحق الذي لا يخرجهم عن الإسلام ويحكم عليهم بأنهم من أهل الجنة بعموم ما لم يكن بعلم الله أنهم منافقون خلص أعاذنا الله من النفاق، وقد جاءت النصوص بالحكم عليهم بالضلال كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ( إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة ) . رواه مسلم
رحمة عبدالرسول احمد
الفرقة الثانية - دبلوم عام تربوى ، نظام عامين