الأمور الميسرة لقيام الليل :-
*****************
أعلم أخى المسلم – وفقك الله – أن قيام الليل من اثقل الطاعات على النفوس ، ومن اشدها علي على القلوب ، ومن أصعبها على الأبدان إلا من يسره الله عليه ، وهناك أمور لو تمسك بها العبد ليسرت عليه قيام الليل إن شاء الله تعالى .
وهذه الأمور تنقسم إلى قسمين : أ/مور ظاهرة ، وأخرى باطنة .
أولا : الأمور الظاهرة : -
*****************
1- أن لا يكثر العبد من الأكل والشرب ، فيغلبه النوم أو يثقل عليه القيام وقد قيل : لا تأكل كثيرا فتشرب كثيرا ، فتنام كثيرا ، فتخسر كثيرا وروى عبد الله بن محمد بن عتيد بسنده عن وهيب بن الورد قال : بلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا فقال : إني أريد أن أنصحك ، قال : كذبت ، أنت لا تنصحنى ولكن أخبرني عن بنى أدم ؟
قال : هم عندنا على ثلاث أصناف : أول صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا ، نقبل عليه حتى نفتنه ونستمكن منه ، ثم يتفرغ للاستغفار والتوبة ، فيفسد علنا كل ما أدركناه منه ، ثم نعود فيعود ، فلا نحن نيأس منه ، ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء .
وأما الصنف الثاني فهم فى أيدينا بمنزلة الكرة فى أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم وأما الصنف الأخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ .
قال يحيى : على ذلك هل قدرت منى على شئ ؟ قال : لا إلا مرة واحدة ، فانك قدمت طعاما تأكل فلم أزل أشهيه لك حتى أ:لت منه أكثر مما تريد ، فنمت تلك الليلة فلم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم فقال يحيى : لا جرم لا شبعت من طعام أبدا فقال الخبيث : لا جرم لا نصحت ادميا بعدك .
- وعن بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أن أهل الشبع فى الدنيا هم أهل الجوع غدا فى الآخرة )) رواه الطبرانى بإسناد حسن ، قاله المنذرى فى الترغيب ( 4/129).
- وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : إياكم والبطنة فإنها ثقل فى الحياة ، نتن فى الممات .
- وقال لقمان لابنه : يا بنى إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة .
- وقال أبو سليمان الدارنى : من شبع دخل عليه ست آفات - فقد حلاوة المناجاة ، - وتعذر عليه حفظ الحكمة ،
- وحرمان الشفقة على الخلق – لأنه إذا شبع ظن الخلق كلهم شباعا ، - وثقل العبادة ، - وزيادة الشهوات ،
وأ ن سا ئر المؤمنين ويدورون حول المساجد والشباع يدورون حول المز ابل .
- وقال محمد بن واسع : من قل طعامه فهم وأفهم ، وصفا ورق ، وأن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد.
- وقال عمرو بن قيس : إياكم والبطنة ، فإنها تقسي القلب .
- وقال الحسن البصرى : كانت بلية أبيكم أدم أكله ، وهو بليتكم إلى يوم القيامة .
- وقد قيل : إذا أردت أن يصح جسمك ، ويقل نومك ، فأقلل من الأكل .
- وقال إبراهيم بن أدهم : من ضبط بطنه ضبط دينه ، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وان معصية الله بعيدة من الجائع ، وقريبة من الشبعان والشبع يميت القلب .
- وقال الشافعي : الشبع يثقل البدن ، ويذيل الفطنة ، ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبا دة.
وخلاصة القول أ ن تقلل من الأكل وتقوم قبل حد الشبع ، وعلامة ذلك أ ن تقوم وأ نت مشتاق إلى الطعام .
2- ألا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال التى تعيا بها الجوارح وتضعف بها الأعصاب فان ذلك مجلبة للنوم .
3- ألا يترك القيلولة بالنهار للاستعانة بها على قيام الليل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( قيلوا فان الشياطين لا تقيل )) وفى سنن ا بن ماجه بسند ضعيف (( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، واستعينوا بالقيلولة على قيام الليل )) .
وقد كان الحسن البصرى رحمه الله يمر على أهل السوق ويقول : أظن ليل هؤلاء سوء لأنهم لا يقيلون .
4- أ ن يتجنب ارتكاب المعاصي ، فان ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة ، فان مقترف الذنوب لا يوفق لقيام الليل ، ومن أحسن فى نهاره وفق فى ليله وقال رجل للحسن البصرى : يا أبا سعيد ! أنى أبيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعد طهورى ، فما بالى لا أقوم ؟! .
فقال الحسن البصرى : قيدتك ذنوبك .
قيل لعبد الله بن مسعود : ما لنا لا نستطيع قيام الليل ؟ وقال أبعدتكم ذنوبكم.
5- أن يبتعد عن التنعيم الزائد فى الفراش ، فان ذلك بمنع من قيام الليل فقد سئلت حفظة عن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت مسحا – أي مساء خشن من الصوف – نثنيه ثنتين فينام عليه ، فلما كان ذات ليلة قلت : لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ له ، فثنيناه له أربع ثنيات فلما اصبح قال : (( ما فرشتموه لي الليلة ؟ )) قالت : قلنا هو فراشك إلا أننا ثنيناه لك أربع ثنيات ليكون أوطأ لك – أي لينة – فقال عليه الصلاة والسلام (( ردوه فانه منعني من صلاة الليلة )) .
وعن عا ئشة رضى الله عنها قالت : إنما كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذى كان ينام عليه من أ دم حشوه ليف .
6- الابتعاد عن فضول النظر والكلام ، فان ذلك يقسي القلب ، ويبعده عن الرب .
7-كثرة ذكر الله ، فان الذكر حياة القلب ، وصاحب القلب الحي موفق لقيام الليل أن شاء الله تعالى فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الذى يذكر ربه بالحي وهو فعلا حي القلب – ومثل الغافل عن ذكر الله بالميت – وهو فعلا ميت القلب – فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل الذى يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت )).
8-أكل الحلال ، والابتعاد عن الحرام ، فكلما كان العبد متحريا الحلال كان موفقا ، قال سهل بن عبد الله التسترى رحمه الله : من أكل الحلال أطاع الله شاء أو أبى وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم )) ( ) 0 وقال (( يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام ، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك )) وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أ كل طيببا ، وعمل فى سنة ، وأمن الناس بوائقه ، دخل الجنة ))
ثانيا : الأمور الباطنة :-
***************
1- سلامة القلب من الحقد على المسلمين وعن البدع ، وعن فضول هموم الدنيا كي ينشغل القلب بالله مولاه ويترك ما سواه .
2- خوف غالب يلازم القلب ، فا نه إذا تفكر العبد فى أهوا ل الأخرة ، ودركات جهنم طار نومه ، وعظم حذره ، وازداد خوفه وقد قيل : منع القران بوعده ووعيده مقر العيون بليلها أن تهجما
فهموا عن الملك الجليل كلامه فرقابهم ذلت إليه تخضعا
وقد قيل : إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهو ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الدنيا فى الدنيا هجوع
3- أن يتفكر فى فضل قيام الليل بسماع الآيات والأحاديث والآثار الواردة فيه ، فان ذلك يدفعه على العمل وييسر عليه المشقة ، فان الشوق إلى الجنة يدفع الناس على العمل والاجتهاد لتحصيل المراد من رب العباد .
4- تذكر حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله ، فان لقيام لذة فى القلب ، وحلاوة فى النفس ولا يشعر بهذه اللذة وتلك الحلاوة إلا من أخلص الحب لله ، وجرد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى :
(( قل أن كمنتم تحيون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) .
5-قصر الأمل فانه يدفع على العمل ، وإياك وطول الأمل ، فانه يدفع على الكسل ، ويجلب الملل ، ويحرمك من لبس الحلال ، والجلوس فى الظل وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال : ((كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك .
6- تذكر نومتك فى القبر الوحيش وظلمته ، فان ذلك يهمون عليك القيام فى ظلمات الليل .
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : أغتنم فى الفراغ فضل الركوع فعسى أن يكون موتك بغتة.
كم من صحيح مات من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة.
( كتبه الشيخ وحيد عبد السلام بالى حفظه الله ).
*****.........*****........*****.........*****..........*****........*****