الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله وصحبه وسلم
البكاء انواعه وفوائده
أعظم قدرة الله في مخلوقاته هو البكاء الذي يصاحب أحساسنا بالحزن فتنتج عنه قطرات من الماء تخرج من العين تسمى دموعاً ليجعل الله فيها نوعا من التصبر على الهموم والمصائب والاحزان.. هل هذا كل شيء عن الدموع والبكاء؟ بالتأكيدلا، بل ان هذا سؤال افتراضي يفتح لنا عشرات من الاسئلة عن ألغاز البكاء وعلمه وخوافيه، فقط أقرأوا معنا هذا الموضوع. عُرف البكاء منذ فجر التاريخ وارتبط بمشاعر الإنسان، وهو شائع في مختلف الأعمار والأجناس والبيئات، ومن الاخطاء الشائعة اعتبار البكاء دليلاً على ضعف الانسان فهو عملية طبيعية يجب الا نخجل منها، فهو استجابة طبيعية لانفعالاتنا الداخلية، والانسان الذي يبكي هو الذي يمزق كل الأقنعة وكل الاعتبارات وكل الأدوار الاجتماعية. وينصح العلماء بالتعبير والافصاح عن الأفعال وعدم كبتها، حيث وجدوا ان البكاء يريح الانسان من الضغوط المعرض لها اذ يخلص الجسم من الكيماويات السامة التي تكونت نتيجة الضغوط والانفعالات. وقد أثبتت الاحصائيات ان البكاء يختلف باختلاف المجتمعات، فهناك شعوب لا تبكي كثيراً مثل الشعب الفرنسي الذي لا يبكي فيه إلا 8% فقط والسبب الحب! أسرار البكاء يقول الحق سبحانه وتعالى: «وانه هو أضحك وأبكى» وهذا معناه ان الضحك والبكاء من الله، وموحد ان بين البشر جميعا على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم، فلا يوجد بكاء آسيوي أو استرالي، واذا اصطنع أحدنا البكاء فإنك تستطيع ان تميزه بسهولة عن ذلك الانفعال الطبيعي الذي يأتي من الله، وهكذا تنزل أحياناً الرحمات من الله فتفيض العيون بالدموع. كما ان الآية ليس معناها ان الناس تبكي معا، لكن معناه ان الانسان لا يستطيع ان يبكي نفسه عن شعور صادق وبلا اصطناع لكن ذلك من الله، لذلك انعدمت فيه الإرادة البشرية، ولهذا لا يستطيع انسان ان يبكي بكاء طبيعينا كأن يقول انا سأبكي الآن فيبكي. فوائد البكاء البكاء يوسع الرئة ويغسل الملامح ويدرب العيون، ويهدئ المزاج، ولكل إنسان له احاسيس ومشاعر فعبر عن نفسك وانفعالاتك واطلق العنان لدموعك لتغسل همومك واحزانك ولكي تعيد الراحة إلى نفسك والبسمة إلى حياتك. فالبكاء أفضل علاج للأعصاب المتوترة، وفي انسياب الدموع تفريغ للشحنات السامة التي تحدثها التوترات العاطفية، وفي حبسها تسمم بطئ لصاحبها. كما ثبت ان البكاء يزيد من عدد ضربات القلب وهو في حذ ذاته يُعد تمرينا مفيدا لعضلات الصدر والكتفين والحجاب الحاجز، وعند الانتهاء من البكاء يعود القلب إلى حالته الطبيعية وتسترخي عضلات الصدر. أنواع البكاء ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «زاد المعاد» عشرة أنواع للبكاء هي بكاء الخوف والخشية، بكاء الرحمة والرقة، المحبة والشوق، الفرح والسرور، الجزع من ورود الألم وعدم احتماله، بكاء الحزن، بكاء الخوف والضعف، بكاء النفاق «تدمع العين والقلب قاس»، البكاء المستعاد والمستأجر عليه كبكاء النائحة بالأجر، وبكاء الموافقة «البكاء كما يبكي الناس». وقال يزيد بن ميسرة رحمه الله: «البكاء من سبعة اشياء، البكاء من الفرح والبكاء من الحزن والفزع والرياء، والوجع والشكر وبكاء من خشية الله تعالى، فذلك الذي تطفئ الدمعة منها أمثال البحور من النار!». البكاء من خشية الله بما ان البكاء فعل غريزي لا يملك الانسان دفعه غالباً فانه مباح بشرط الا يصاحبه ما يدل على التسخط من قضاء الله وقدره، لقول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ــ واشار إلى لسانه ــ أو يرحم». قال صلى الله عليه وسلم «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع». التباكي قد يكون البكاء دليلاً على صدق الباكي، وقد لا يكون، وقد ذكر القرآن الكريم قصة اخوة يوسف عليه السلام، وكيف تباكوا على أخيهم كذبا فقال تعالى «وجاؤوا أباهم عشاء يبكون» «يوسف: 16» وعلى هذا فإن بكاء أحد المتخاصمين في القضاء ليس دليلاً يعتد به. بكاء الإثم ومنها البكاء على موت كافر أو طاغية أو فاسد، وبكاء العاشقين، وأهل الغرام بالاغاني. فما في الأرض أشقى من محب وان وجد الهوى حلو المذاق نراه باكياً في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق فتسخن عينه عند التلاقي وتسخن عينه عند الفراق ويبكي ان نأوا شوقا اليهم ويبكى ان دنوا خوف الفراق ابك من دون خجل الدموع هي اهداء النفس للنفس، وعندما تبكي من دون خجل فقد وصلت إلى قمة النضج النفسي والذهني، فالدموع البشرية تروي النفس وتغذيها، ويفرز الانسان العادي بمعدل ثابت حوالي نصف لترمن الدموع في العام أي بمقدار 1.5 سم مكعب في اليوم. بكاء الرجل والمرأة يعتقد العلماء ان البكاء بالنسبة للرجل اشارة إلى ضعفه، لهذا فالرجل أقل بكاء، ورغم تأييد علماء لذلك الا انهم وجدوا ان هرمون «البرولكتين» وهي المادة الضرورية في تكوين الدموع موجودة بنسبة كبيرة في المرأة عنها في الرجل، وهذا يوضح ان المرأة لديها قابلية طبيعية للبكاء أكثر من الرجل. وميل الرجل إلى عدم البكاء له اسبابه، فاذا تسللنا إلى أعماق الرجل نراه يجد صعوبة كبيرة في التحدث أو التعبير عن مشاعره الدفينة وأسباب ذلك كثيرة، فالبعض تعلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة انه لا يليق بالرجل ان يعبر عن مشاعره علانية وبخاصة مشاعر الألم، حيث يعتبر ذلك ليس من الرجولة. كما ان هناك مجتمعات لا تحترم الشخص الذي يبكي وتعلم ابناءها منذ الصغر ان البكاء للأطفال والضعفاء فقط، وعكس ذلك هناك مجتمعات اخرى تعبر عن انفعالاتها بشكل ملحوظ ولا تستطيع السيطرة على مشاعرها أو التحكم في دموعها. البكاء والإيمان بالله ويعتقد البعض الآخر ان التعبير عن الألم يظهر نقص الإيمان بالله تعالى، وهو اعتقاد خاطئ فالعكس صحيح، لان البكاء عند سماع الموعظة أو عند التأثر بموقف معين هو صميم الإيمان بالله تعالى. يقول الحق سبحانه وتعالى «تولوا وأعينهم تفيض من الدمع الا يجدوا ما ينفقون» «البقرة: 92»، ويقول ايضاً «إذ تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجداً وبُكياً» «مريم: 58» وكذلك هناك حديث مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حزن على وفاة ابنه ابراهيم، فقال «ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون». بكاء الأطفال بكاء الاطفال المستمر ولأتفه الأسباب يزعج كثيرمن أولياء الأمور، وينصح المختصون بعدم تلبية كل طلبات الطفل عندما يبدأ في البكاء، وان يوضحوا له بطريقة حازمة انه اذا طلب شيئاً بهذه اللهجة الباكية لن يحصل عليها. وقد اختلف العلماء في موضع الاستجابة لبكاء الطفل، فبعضهم يرى عدم الاستجابة لبكاء الطفل الا بعد فترة لان ذلك كما يرون مفيد في تقوية عضلات الصدر والرئتين، وآخرون يرون ضرورة الاستجابة فوراً عند بكائه باطعامه أو بالهز هزة السريعة للتأثير على الجهاز العصبي للطفل مما يجعله يستجيب ويتوقف عن البكاء. وقد يلجأ الطفل في شهوره الأولى إلى البكاء كوسيلة للتعبير عن نفسه ولجذب الانتباه إلى ضيقاته، فيلجأ إلى التباكي غير المصاحب بدموع وهو بكاء ضار فقد يعمل على جفاف الغشاء المخاطي للأنف والزور مما يجعله اكثر حساسية للبكتيريا الضارة