تطوير الذات هو المنهج الذي ينتهجه الإنسان في حياته ويتحصل من خلاله على عدة أمور تجعله يشعر بالقوة والرضا عن نفسه وعن عمله، وتجعله يشعر بالسلام والأمان الداخلي، وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة التي يعيشها، والإنسان السوى فى العادة ينشد التغيير والتطوير والتقدم حتى يرتقى بنفسه ويصبح مثقفآ وواعيآ.
ومن الأمور التي يود الإنسان أن يطورها هي ذاته، فهى أهم شيء بالنسبة له ، وهى أهم من كل إنسان , لذلك يسعى لتطويرها وتنمية قدراتها وجعلها تصل للقمة في كل شيء .
والتطوير الذاتي له عدة مدلولات وهي كثيرة، فالحرص على تربية النفس والسعي إلى جعلها أفضل هو تطوير للذات، والحرص على أن تكون إرادة الإنسان ذاتية لا يتم التأثير عليها خارجيًا وتكون هذه الإرادة إيجابية، فيعدّ ذلك تطوير للذات وارتقاء للإنسان.
وقد أودع الله -عز وجل- في ذات الإنسان مهارات عديدة وسلوكيات كثيرة وقدرات جميلة، والتي إذا قام الإنسان باستغلالها جيدًا فإنّها تساهم بشكل كبير في تطوير الإنسان لنفسه ولذاته و ميزته عن غيره من المخلوقات، ومنها تكريم الله -عز وجل- له، فقد قال -عز وجل- في كتابه الكريم: (ولقد كرّمنا بني آدم)، فسبحان من أكرم الإنسان وميّزه عن غيره من المخلوقات بأن جعله قادرًا على القيام بتطوير ذاته والعمل عليها حتّى يصبح فاعلًا ونشيطًا في المجتمع الذي يعيش فيه، ويوجد كثير من صور تطوير الإنسان لذاته كبحثه عن رزقه والعمل من أجل كسب ذلك، فيعدّ ذلك تطوير لحياته المعيشية ونحو ذلك الكثير.
وقد تحدث الفيلسوف أفلاطون عن هذا الأمر في فلسفاته فقال: أنّ قيام الإنسان على تربيته لذاته يعد أفضل بكثير من قيام الآخرين على تربيته، وذلك أنّه يربي نفسه على حسب قناعاته الإيجابية الذي يرى فيها السلامة، وذلك فان أفلاطون يؤيد فكرة أن يقوم الإنسان بتطوير ذاته والعمل على اكتساب المهارات والسلوكيات الإيجابية والتقيد بها ونبذ السلوكيات والأمور السلبية والابتعاد عنها حتّى يتمكن من تطوير ذاته والارتقاء بنفسه.
وقد حرص علماء الأخلاق وعلماء الإدارة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع على توضيح أهمية تطوير الذات عند الإنسان وكيفية القيام بذلك سواءً أكان التطوير على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمع، وذلك حرصًا منهم على بناء مجتمع مستقيم ومتطور، فلا يوجد شك أنّ أساس تطور المجتمعات هو تطور الأفراد فيها، وأساس كل ذلك هو العمل على إكساب المهارات التي تؤدي إلى نهوض الأفراد وتطوير ذواتهم، وبالتالي ينعكس ذلك على المجتمع ككل، فيصبح المجتمع متطورًا وفاعلًا.
إن تطوير الذات علمٌ كبير من علوم التنمية البشرية وهو مختصٌ في تنمية الفرد نفسه بنفسه وكيفية تحكمه بذاته ، وماهيّة قدرته على النمو بها وتطويرها، فالكثير من الاشخاص تراهم هذا العام وبعد عشرة أعوام تراهم كما هم لم يتغير شيء فيهم رغم أن كل العالم تغير من حولهم، طرق الحياة تغيرت حتى فن الأكل والشرب والمعاملات تغيرت وبقي هذا الشخص في محله لا يتحرك، وإذا كان من سؤال موجه إليه عن هذا الثبات الكبير فإنه يجيب أنه ثابت على مبادئه!، وهذا خطأ فادح قد وقع به سيتم توضحيه.
هناك فرق بين المبادئ والآراء: فالمبادئ ثابتة لا تتغير منذ الأزل، كالحقائق تماما ان الإنسان يحتاج للطعام والنوم والراحة ويحب العمل بطبعه وفيه كتلة من المشاعر الايجابية والسلبية يفاضل بينهما حسب أسلوبه، أن الصدق شيءٌ محمود بينما الكذب منبوذ، هذه هي المباديء؛ بينما الآراء هو أن هذا الشخص كان مواليا لفكرة ما ثم اختلف عنها بعد مدة، كان مؤيدًا لطريقة ما وكان يمارسها ثم لسببٍ في حياته تغيرت بعض الأمور فلم يعد يرتاح للمارسة هذا الشيء على طريقته فأدى ذلك لاختلاف أسلوب العمل وهذا رأي أسلوب وليس مبدأ.
وعلى هذا بما إن المبادئ لا تتجدد بل تتطور، لذا على الإنسان أيضًا أن يسعى كي يطور ذاته، وفي مقولة عظيمة أنه (إن لم تتقدم تتقادم) أي أن لم تطور من ذاتك فالعالم من حولك يسير في قوة تطوير رهيبة وهو لا يتوقف لأشخاصٍ توقفوا في الحياة بل يسير مستكملاً طريقه، فالذي لا يواكب التطور والتقدم يصبح في خانة المتقادمين المتأخرين؛ فجزء كبير من تطوير الذات هو مواكبة العصر الذي نعيش فيه.