الخوف
المقدمة :
من بين الانفعالات التي يعيشها الإنسان في حياته يعتبر الخوف واحداً من أكثرها شيوعاً وتثيره موافق عديدة لا حصر لها، والتي تتباين تبايناً كبيراً في حياة الأفراد المختلفة ، كما تتنوع شدته من مجرد الحذر إلى الهلع والرعب، ويعتبر الخوف إحدى القوى التي قد تعمل على البناء أو على الهدم في تكوين الشخصية ونموها.
تعريف الخوف :ـ الخوف حالة انفعالية طبيعية تشعر بها كل الكائنات الحية في بعض المواقف... فيظهر في أشكال متعددة وبدرجات تتراوح بين مجرّد الحذر والهلع والرعب .
نمط الخوف :ـ يعدّ الخوف إشارة تهدف إلى الحفاظ على الذات، وذلك بتعبئته الإمكانات الفيزيولوجية للكائن الحي، فالصورة الكاملة للخوف تنطوي على جميع الأعراض التي يسببها الأدرينالين،ولا يشعر الفرد في العادة بما يقوم به الجسم من عمل وما يؤديه من وظائف، ذلك لأن الأعصاب نظيرة الودية تنظّم عمل الأعصاب الودية. وأنه فقط في الحالات غير الاعتيادية مثل حالات / الخوف - القلق - الغضب - الاستشارة / تتحكم الأعصاب الودية بالأعصاب نظيرة الودية فيشعر الفرد بوظيفة بعض الأعضاء.
مخاوف الأطفال وكيفية تطورها:ـ لقد كان هناك شبه إجماع بين العلماء على أن من أهم المثيرات الأولى للخوف في الطفولة المبكرة هي الأصوات العالية الفجائية في السنة الأولى من عمر الطفل، خصوصاً عندما تكون الأم بعيدة عنه. وبتقدّم نمو الطفل تزداد مثيرات الخوف وتتنوع، ففي السنة الثانية وحتى الخامسة قد يفزع الطفل من الغرباء ومن الوقع من مكان مرتفع ومن الحيوانات والطيور التي لم يألفها، ويخاف من تكرار الخبرات المؤلمة التي مر بها - كالعلاج الطبي أو عملية جراحية - كما أنه يخاف مما يخاف منه من حوله من الكبار في البيئة التي يعيش فيها لأنه يقلدهم، فهو يتأثر بمخاوف الغير حتى لو لم تكن واقعية، وكانت وهمية أو خرافية.
ويظهر انفعال الخوف عند الطفل على أسارير وجهه في صورة فزع وقد يكون مصحوباً بالصراخ، ثم يتطور بعد السنة الثانية إلى الصياح والهرب المصحوب بتغيرات في خلجات الوجه أو الكلام المتقطع أو قد يكون مصحوباً بالعرق أو التبول اللاإرادي أحياناً، وتنتشر عدوى الخوف بين الأطفال كالنار في الهشيم.
ويمكن معرفة مدى خوف الطفل بمقارنة مخاوفه بمخاوف أغلب الأطفال الذين هم في مثل سنّه، وبمقارنة درجة هذه المخاوف بدرجة مخاوف أقرانه. فالطفل مثلاً في الثالثة من عمره يمكن أن يخاف من الظلام ويطلب إضاءة المكان، وربما كان خوفه هذا في حدود المعقول، أما إذا فقد الطفل اتزانه وأبدى فزعاً شديداً من الظلام فلا شك أنه خوف شاذ، وهذا النوع من الخوف مبالغ فيه، وهو ضار لشخصية الطفل وسلوكه، أما الخوف الطبيعي المعقول فهو مفيد لسلامة الطفل.
أسباب خوف الأطفال :ـ إن للخوف عند الأطفال مصادر كثيرة من أهمها :
أ - الخبرات غير السارّة : إن الخبرات غير السارة التي يمرّ بها الأطفال تترك آثاراً سلبية لا تزول بسهولة، إذا يخاف الطفل من تكرار الخبرات المؤلمة التي مرّ بها كالعلاج الطبي أو عملية جراحية أو أن يكون قد تعرّض للعض مثلاً أو التهديد من قبل حيوان ما يمكن أن يسبب له خوفاً محدداً من ذاك الحيوان أو خوفاً من جميع الحيوانات أو توجهاً عاماً للخوف من أي موقف
ب - التأثير على الآخرين : الطفل يمكن أن يستخدم المخاوف كوسيلة للتأثير على الآخرين واستغلالهم، فأحياناً قد يكون إظهار الطفل الخوف هو إحدى الطرق القوية لجذب الانتباه، وهذه الطريقة تعزز بشكل مباشر وجود المخاوف لدى الطفل. وهكذا يؤدي الخوف إلى حالة من الارتياح والرضى على نحو يزيد من حالة الشعور بالخوف، والمشكلة أن الخوف يصبح مريحاً ومؤلماً في آن واحد، ويزداد الأمر تعقيداً عندما يكون الخوف هو الطريقة الوحيدة لدى الأطفال للتأثير على والديهم، وكلما أظهر الطفل خوفه فإن الوالدين يسعيان لتهدئة الطفل، رغم ذلك فهم يفشلون في الوصول إلى هذا الهدف
ج - الحساسية في الاستجابة ذات المنشأ الولادي : يوصف بعض الأطفال بأنهم كانوا دائماً حساسين للغاية وخوّافين منذ الولادة أو خلال السنة الأولى أو الثانية من العمر، وهؤلاء الأطفال يُظهرون استجابات جدّ قوية للأصوات أو للحركة المفاجئة أو للتغيرات في البيئة...الخ. والاستنتاج الواضح هو أن الأجهزة العصبية المركزية لهؤلاء الأطفال هي منذ الولادة أكثر حساسية من غيرها، ولذلك فهم يستجيبون لمثيرات أضعف ويحتاجون إلى وقت أطول لاستعادة توازنهم، وينتج ذلك عن مزيج من العوامل الوراثية وظروف الحمل والولادة - لذلك فإن هؤلاء الأطفال يستجيبون بهذه الطريقة بحكم تكوينهم، فالطفل الذي يبكي بعنف لصوت مفاجئ متوسط الشدة قد يكون أكثر تهيؤاً لتطوير مخاوف شديدة، والتي يمكن تعميمها بسرعة وسهولة على مواقف أخرى، ثم يعمم هذه المخاوف على مواقف أخرى وهكذا.
د - الضعف النفسي أو الجسمي : يكون الأطفال أكثر استعداداً لتطوير المخاوف عندما يكونون متعبين أو مرضى، وخصوصاً إذا استمرت حالة الضعف الجسمي لفترة طويلة، فهي ستؤدي إلى شعورٍ بالعجز وضعف المقاومة بحيث تصبح الدفاعات السيكولوجية للطفل أقل فاعلية، وعندما يكون اعتبار الذات لديه منخفضاً يكون أكثر عرضة لتطوير المخاوف، إذ يشعر بالحزن والعزلة والعجز وضعف القدرة على التعامل مع المشاعر والأفكار المثيرة للخوف، والآباء المتساهلون يسهمون أكثر من اللازم في تطوير قبل هذا النمط من السلوك لأنهم لا يساعدون الطفل على تطوير الشعور بالجدارة الناتج عن مراعاة الحدود التي يفرضها الآباء للسلوك أو تلبية المتطلبات - إن الأطفال الضعيفين جسمياً يشعرون بعدم القدرة على التعامل مع الأخطار الواقعية أو المتخيلة.
هـ - الاستجابة للجو العائلي : النقد والتوبيخ : إن النقد الزائد للأطفال قد يؤدي إلى تطوير شعور بالخوف لديهم، حيث يشعرون بأنهم غير قادرين على فعل شيء صحيح، ويبدو هؤلاء الأطفال كأنهم يتوقعون النقد دائماً، وهذا يؤدي بدوره إلى أن الطفل يفقد الثقة بنفسه ويظهر عليه الجبن والخنوع. كما أن التهديد المتكرر بالتقييم السلبي يؤدي إلى نتيجة مشابهة، فمثلاً عندما يُوبخ الطفل لأنه وسّخ ملابسه فإن النتيجة ستكون ظهور الخوف من الاتساخ لديه، وقد يتعمم هذا الخوف ليصبح خوفاً من الفوضى، ويعتمد شكل الخوف على الجانب الذي يوجه النقد إليه، فالأطفال الذين يُنتقدون بسبب فاعليتهم أو نشاطهم قد يصبحون أطفالاً خجولين خوافين0