عمر بن عبدالعزيز
للشيخ / عبدالوهاب الطريري
هذه المقالة في الأصل شريط صوتي (خطبة جمعة) للشيخ عبدالوهاب الطريري وتم تفريغها للفائدة :
أيها الأخوة بالله ما أعظم أن نتحدث عن القيم ما أعظم أن نتحدث عن المثل ما أروع أن نتحدث عن الأخلاق.
المثل رجال والأخلاق فعال
ولكن أروع من ذلك كله أن نرى المثل رجالا والأخلاق فعالا أن نرى ذلك كله يتجسد في سير شخصيات عظيمة تتسامى حتى تتحقق فيها المثل والأخلاق والقيم كأوضح ما تكون وأجلى.
أيها الأخوة بالله وفي رحاب علم من هؤلاء الأعلام وشخصية من تلكم الشخصيات مع الرجل الذي لم يكن قمة في الزهد ولا قمة في العبادة ولا قمة في الورع وإنما كان قمة في ذلك كله فكانت حياته قمم شامخة في كل ذلك. مع رجل نقف في رحابه لنرى روعته وبساطته و عدله وزهد نسكه وعبادته مع من؟ وفي رحاب من؟ مع ابن عبد العزيز الأغر مع ابن عبد العزيز عمر مع إمام هدى. مع عمر بن عبد العزيز ذو النفس التواقة مع الرجل الذي كانت حياته معجزه أي ورب هذا البيت معجزه.
نقطة التحول
إنك لتقرأ قصص المهتدين والعابدين فتنظر نقطة التحول في حياتهم، موت قريب، فجيعة في عزيز، كبر في السن، حدث أو مرض زعزع كيانهم حتى أفاقوا إلى رشدهم. لكن ما هي نقطة التحول في حياة عمر لقد كانت نقطة التحول في حياة عمر أنه ولي الملك فحيزت له الدنيا بحذافيرها فأصبح ليس بينه وبين الله أحد من خلقه.لقد كانت نقطة التحول في حياة عمر أن فتحت زخارف الدنيا كلها بين يديه يأخذ ما يشاء ولا يحاسبه أحد إلا الله هذه اللحظة التي تضعف فيها النفوس وتغفل عن كبرى الحقائق. كانت نقطة الاستفاقة في حياة عمر فخاف أعظم ما يكون الخوف وعدل أحسن ما يكون العدل.
لقد خاف عمر ولم يكن خوفه إلا من الله فلم يكن بينه وبين الله أحد من الخلق يخشاه وكان خوفه عجبا من العجب. حدثت زوجه فاطمة بنت عبد الملك رضي الله عنها. قالت كان عمر يذكر الله في فراشه فينتفض كما ينتفض العصفور ثم يستوي جالسا يبكي حتى أخاف أن يصبح المسلمون ولا خليفة لهم.
أمسى ذات ليله وقد فرغ من حوائج الناس فأطفأ السراج ثم قام فصلى ركعتين لله ثم قعد جالسا ووضع ذقنه على يده وأطرق يبكي ودموعه تسيل على خده حتى أصبح الصباح قالت له زوجه فاطمة.يا أمير المؤمنين أمر ألم بك أم ماذا؟ فأجابها الرجل الذي كان يئن تحت وطأت المسؤولية. أجابها الرجل الذي نصب خوف الله أمام عينيه فقال. إني تذكرت البارحة رعيتي فتذكرت الأسير المقهور والغريب القانع والفقير المحتاج فعلمت أن الله سائلي عنهم وأن محمد r حجيجي فيهم فخشيت أن لا يكون لي أمام الله عذرا ولا يثبت لي أمام رسول الله حجه فخفت على نفسي فذاك الذي أبكاني.
كان عمر يذكر الآخرة فإذا ذكرها فكأنما هو رجل وقف على شفر جهنم فرآها يحطب بعضها بعضا ثم قيل له هذه نار الظالمين ثم رد إلى الدنيا فهو يخافها خوف من رآها رأي العين. أتت جارية سوداء إلى أمير المؤمنين فقالت. إني رأيت البارحة رؤيا قال: ما رأيت قالت: رأيت كأن الصراط ضرب على متن جهنم فجئ بالخلفاء فجيء بعبد الملك فسار عليه فما هو إلا قليل حتى انزلق فسقط بالنار قال:هيه قالت: ثم رأيت الوليد وقد جيء به عليه فمشى قليلا ثم تكبكب في النار فعلى بكائه قال:هيه قالت: ثم رأيت سليمان جيء به فمشى عليه ثم كان قليلا فزلق قال: هيه قالت: ثم جيء بك فاشتد بكائه وهو يقول هيه حتى غشى عليه قالت. يا أمير المؤمنين ثم رأيتك نجوت ثم رأيتك نجوت حتى أفاق من غشيته.
خطب عمر بالناس فذكر النار حتى ذكر قوله تعالى(ناراً تلظى) فتلجلج لسانه واشتد بكاؤه فقطع خطبته وجلس 0 هكذا كان خوف عمر هكذا كان خوفه هكذا كانت رهبته.
ليس بيت مال عمر
أما عدله فما ظنك بعدل من كانت هذه خشيته. ولى عمر الخلافة فنظر في بيت مال المسلمين ثم نظر إلى ما في يده ثم نظر إلى ما في يد أمراء بني أميه فبدأ بنفسه فدعا زوجه فاطمة ابنة الخليفة وزوجة الخليفة وأخت الخلفاء فقال: يا فاطمة هذا حليك تعلمين من أين أتى بها أبوك، فإن رأيت أن أردها إلى بيت مال المسلمين فعدل، وإلا خذيها وفارقيني فوا لله لا أجتمع أنا وهي في دار أبدا. فقالت: لا والله يا أمير المؤمنين بل أؤثر صحبتك، فردت حليها على بيت مال المسلمين. فلما مات عمر قال لها أخوها يا فاطمة إن شئت رددتها إليك، قالت: لا والله لا آخذها وقد ردها عمر. فأخذها أخوها هشام فقسمه على بناته. ثم انقلب عمر بعد أن بدأ بنفسه إلى بني أميه فقطع كل صلات كانوا يأخذونها وأعطيات كانوا يستلمونها.
نظر إلى بيت المال فإذا اسمه بيت مال المسلمين، بيت مال من، بيت مال المسلمين ليس بيت مال عمر ولا بيت مال الأمراء ولكن بيت مال المسلمين فكل مال أخذ من بيت مال المسلمين فدفع إلى أمير قام عليه عمر فرده حيث أخذ واستشاط أمراء بني أميه غضبا فأرسلوا إليه ابنه عبد الملك فقالوا يا عبد الملك إما أن تستأذن لنا على أبيك وأما أن تبلغه عنا قال قولوا. قالوا أخبره أن من كان قبله من الأمراء يعطوننا أعطيات ويصلوننا بصلات وأنه قد قطعها عنا. مره فليردها علينا وأبلغ عبد الملك أباه المقالة فقال عملا: ارجع إليهم فقل لهم أن أبي يقول إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. لجام ألزم عمر به نفسه.
واتاه أحد بني عمه وأسمه عنبسه ابن سعيد وكان سليمان أمر له بعشرين ألف دينار ومات سليمان قبل أن يقبضها فأتى عنبسه يرجوا عمر أن يمضي عطاء سليمان فلما جلس إليه قال يا أمير المؤمنين إن أقاربك وبني عمك يشتكونك قال وما ذاك. قال. يذكرون أنك لا تعطيهم كما يعطي الخلفاء قبلك قال: يا إن مالي لا يتسع لهم فأقسمه بينهم قال: يا أمير المؤمنين إنهم لا يسألونك من مالك ولكن يسألونك من بيت المال قال:من بيت مال المسلمين يسألوني! والله مالهم ولرجل في أقصى المغرب في بيت المال سواء قال.يا أمير المؤمنين إن سليمان قد أمر لي بعشرين ألف وأنه مات قبل أن أقبضها وأنت أحق من أمضى عطاءه فانتفض عمر وقال.عشرون ألف دينار تغني أربعة آلاف من المسلمين أعطيكها، لا والله لا أعطيكها أبدا. فقام عنبسه يائساً منه وهو الذي يذكر قرباه وسابق مودته فلما وصل الباب ناداه عمر يا أبا خالد يعني عنبسه. فحدثت نفسي وقلت ذكر أمير المؤمنين قرابتي وسابق صداقتي فأشفق علي ورجع عما كان قاله. فلما أتيت إليه قال. يا عنبسه أذكر الموت فإنه ما ذكر في قليل إلا كثره وما ذكر في كثير إلا قلله.
الله أكبر لقد كان عطاء عمر مواعظ تحيي القلوب ولم يشأ أن يكون كريما من بيت مال المسلمين.
المسئولية المباشرة
كانت حاجات المسلمين حاجته وهمومهم همه لا يستصغر حاجة ولا يستعظمها. كتبت إليه أمة سوداء من مصر برسالة تقول.( بسم الله الرحمن الرحيم ) من فرتونت السوداء إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز لم تكتب إليه تطلب أن يجري لها نهرا ولا أن تقطع لها ضيعه ولكن ما الذي يمكن أن تطلبه أمة سوداء.
من فرتونت السوداء إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أما بعد.
فإن لي جدار على حائطي إنهدم بعضه فأصبح الغلمان يعبرون على حائطي فيسرقون دجاجي فأمر واليك على مصر فليقم الجدار.
إن هذا الطلب الصغير الذي يوجه في رسالة إلى عمر يدل على تواضع عمر وأن حاجات المسلمين كبيرة عنده وإن كانت صغيره إن كل إمرء لا يحس إلا بهمه فكتب إليها
من عمر بن عبد الله بن عبد العزيز إلى فرتونه. أما بعد
فإني قد أمرت آمري على مصر أن يقيم لك الجدار والسلام عمر بن عبد العزيز.
عمر بن عبد العزيز الذي كان هذا خوفه وكان هذا عدله فكيف كان حاله في سيرته بنفسه وفي بيته إن سألت عن زهد عمر فأغرب ما يكون الزهد فما تقول في رجل أتته الدنيا تتهادى حتى بركت عند قدميه فركلها بقدمه وأعرض عنها أهديت إلى عمر هديه فكتب إلى الذي أهداها إن هديتك قد بلغة موقعك والسلام وردها. فقيل له يا أمير المؤمنين إن رسول الله كان يقبل الهدايا فقال.كانت لرسول الله هديه أما لنا فكانت رشوه.
عمر بن عبد العزيز الذي ولي الخلافة وهو الذي من أنظر الناس وجها وألينهم عيشا وأبهاهم حله ما إن ولي الخلافة حتى كان هذا خلاف بينه وبين هذا كله. عمر بن عبد العزيز قدم عليه محمد بن كعب القرضي فلما دخل عليه جعل يقلب نظره في وجه عمر وهيأته فإذا هو ينظر إلى وجه شاحب وبدن ناحل ورأس أشعث وهيأت رثة. ينظر إلى رجل كأن جبال الدنيا على عاتقه يحملها فازداد عجبه وجعل يقلب نظره فيه وهو الذي كان يعرفه من قبل لين العيش نظر البشرة زاهي الثياب ففطن عمر إليه وقال. مالك يا كعب قال. عجبت يا أمير المؤمنين من تغير حالك قال. يا محمد بن كعب القرضي لو رأيتني بعد ثلاث من دفني وقد سالت العينان وانخسفت الوجنتان وأتت على الجوف الديدان لكنت لحالي من حالي أشد عجبا وكنت لي أعظم إنكارا فبكى محمد وضج المجلس بالبكاء.
عمر بن عبد العزيز الذي زوى الدنيا عنه مختار ولم تزوى عنه مكرها. أتت إليه امرأة من العراق تشكو إليه ضعف حالها وكثرة بناتها فلما دخلت داره دخلت إلى دار رثه وهيئة وضيعة متواضعة فجعلت تعجب وهي تقلب طرفها في أنحاء الدار فقالت لها فاطمة زوج عمر مالك قالت.لا أراني إلا جئت لأعمر بيتي من هذا البيت الخراب فقالت لها فاطمة إنما خرب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك إنما خرب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك. هكذا كان زهد عمر.
عمر الذي كان يخطب فينظر فإذا كل بدلته وثيابه تقوم باثني عشر درهما عمر الذي زهد هذه الزهاده كانت سعاته يسيحون في الأنصار يحملون الزكاة يقولون من يقبل الزكاة هل من فقير هل من مسكين فلا يجدون من يقبلها لقد زهد عمر فصاب المال لقد زهد عمر فكثر الخير لقد زهد عمر فحلت البركة لقد زهد عمر وأعطى فلم يجد الأغنياء فقيرا يدفعون إليه زكاتهم.
وكانت حالة فريدة لم يذكرها التاريخ لا قبل عمر ولا بعده. عرف عمر قدر نفسه عرف عمر قدر نفسه. عرف عمر قدر نفسه فتزين بالفعال ولم يتزين بالمال تواضع لله فرفعه الله أعرض عن زخرف الدنيا فرفع الله ذكره وشرف قدره. تواضع عمر وأخذ بنيه على التواضع. بلغه أن ابنا له قد اشترى فصا لخاتمه بألف درهم فاستدعاه وقال. عزيمة من أمير المؤمنين عليك إلا بعت فصك هذا واشتريت فصا بدرهمواحدا وكتبت عليه رحم الله إمرء عرف قدر نفسه فرحم الله عمر فرحم الله عمر فهو والله عرف قدر نفسه ويوم عرف عمر قدر نفسه كسدت قي سوقه بضاعة المنافقين. بضاعة الشعراء المداحين بضاعة الشعراء الأفاكين الذين طالما مدحوا الملوك طالما مدحوا الملوك بكلام زائف كذب يعلمون هم أنه كذب ويعلم السامع أنه كذب ويعلم الممدوح أنه كذب ومع ذلك فتحت لهم الخزائن ليأخذوا منها أموال المسلمين طالما أغروا من قبله بنفاقهم طالما بهرجوا على الملوك قبله بنفاقهم بكذبهم فلما جاء عمر كسدت سوق الشعراء. دخل عليه جرير الشاعر فقلب وجوه القول فلم يجد في عمر مصاغا فخرج وهو يقول أتيت من رجل يعطي الفقراء ولا يعطي الشعراء خرج وهو يقول وجدت رقا الشيطان لا تستفزه ولقد كان شيطاني من الجن راقيا.
لقد تجمل عمر بأفعال فلم يحتج إلى أن يتزيد بكذب الشعراء الذين قال رسول الله r فيهم إذا ( رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ) الشعراء الذين طالما انزلقوا لمن قبله وطالما بهرجوا لمن بعده أما عنده فقد كسدت سوقهم وطارت بضاعتهم. إذاً بضاعة من التي نفقت إنها بضاعة العلماء لقد كانت رسائل الحسن البصري وأبي حازم ومحمد بن أبي كعب القرضي وسالم بن عبد الله بن عمر تتوالى على عمر بن عبد العزيز رسائل العلماء مواعظ الحكماء ومشورة العلماء الفقهاء وأما الشعراء فقد أقصوا فقد ولى زمانهم . وعامل الله عمر بنيته فاستفاض له الثناء ولهج له المسلمين بالدعاء. لا ليس المسلمين وحدهم الذين لهجوا بالثناء على عمر لقد ذكر ملك الروم لويس الثالث عمر بن عبد العزيز فقال: لو كان رجل يحيي الموتى بعد عيسى لكان عمر. والله لا أعجب من راهب جلس في صومعته وقال إني زاهد ولكني أعجب ممن أتته الدنيا حتى أناخت عند قدمه فأعرض عنها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
لقد عاش عمر بين المسلمين وكان لسان حاله أعظم واعظ وأفصح معلم وكان وعظه بمقاله غاية في البيان وبعد أن يصدر المقال بعد أن صدقته الفعال فحيا هلا به وحيا هلا بصاحبه فما زال عمر مرضي محمود الطريقة حتى كان آخر عمره. فكأنما استشف عمر قرب نهايته فخطب بالناس آخر خطبة خطبها بكلمات نورانيه. كأنما تخرج من مشكاة النبوة خطب بالناس فقال:
أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وأنه لا يأمن غدا إلا من حذر الله وخافه وباع نافذ بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان. إنكم تشيعون في كل يوم غاديا ورائحا إلى الله قد قضى أجله فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارق الأحباب وباشر التراب وواجه الحساب فاتقوا الله وموافاته وحلول الموت بكم. أما والله إني لأقول هذا وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي
ثم خنقته عبرته فأخذ طرف ردائه فوضعه على وجهه فبكى وأجهش بالبكاء وبكى من عنده ثم نزل من المنبر فكانت آخر خطبة خطبها.
حتى إذا نزل به الموت الذي طالما خافه طالما أفزعه نزل به الموت بعد طول استعداد له فأتى إليه مسلمة بن عبد الملك ابن عمه قال يا أمير المؤمنين إنه قد نزل بك ما أرى إنه نزل بك ما أرى وإنك قد تركت صبية صغارا لا مال لهم فأوصي بهم إلي أو اقسم لهم من هذا المال فقال ادعوا ألي بني فدعوا إليه بنيه وكانوا بضعة عشر صبيا فأتى بهم إليه كأنهم أفراخ فنظر إليهم. نظر بحنان الوالد بعطف الأبوة نظر لضعف الطفولة وبراءة أعينهم
فقال:نبغي بني بنفس الفتية الذين تركتهم ولا مال لهم. أي بني، إن أباكم كان بين أمرين إما أن يغنيكم ويدخل النار أو يفقركم ويدخل الجنة وأن أباكم قد اختار أن يفقركم ويدخل الجنة إن وليّ عليكم الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
إصرفوهم عني فانصرفوا فجعل عمر يبتهل إلى الله في دعاء خاشع يقول رباه أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن أفضل ما أعد لا إله إلا الله ثم قال لمن حوله أخرجوا عني. أخرجوا عني. فخرجوا فلهج بالقراءة فكانوا يسمعونه من داخل غرفته وهو يقرأ(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
وأسلم عمر الروح فأغمضت عينان. أغمضت عينان طالما بكتا من خشيت الله وسكت فم طالما تلجلج بذكر الله واستراحت يدان طالما قامت بأمر الله وودع عمر الأمة الإسلامية. ودع عمر الأمة والجياع قد شبعوا والخائفين قد أمنوا والمستضعفين قد نصروا فارق الأمة عمر بعد أن وجد فيه اليتامى أبا والأرامل كافلا والتائهون دليلا والمظلومون نصيرا مات عمر بعد وجدت فيه أمة الإسلام عمر بن الخطاب، بعد أن لمست في عهده الأمن والطمأنينة والروحة والسكينة والعدل والأمان والاطمئنان والإيمان مات عمر وقد حقق ذلك كله ليس في عشرين سنه ولا في عشر سنين ولكن سنتان وخمسة أشهر وبضعة أيام وهذا يدل على أن الرجال لا تقاس بأعمارها ولكن بهممها. وأعمالها.
فسلام على عمر والصالحين وسلام على عمر في العالمين
عليك سلام الله وقفا فإنني
وجدت الكريم الغر ليس له عمر
. هذه سيرة عمر. فإن كانت أعجبتك فاقتدي بها تكن بعض عمر
إن أعجبتك خصال إمرء فكـــن
هــو يكـن منــــك ما يعجبه
فليس على الجود والمكرمات
إذا جئت بها حاجب يحجبه