الحمد لله الموفق إلى ما يحب ويرضى,
والصلاة والسلام على من اتّبعناه فسوف نَجِدُ ما به نرضى,
وبعد,
أمة الإسلام المجيدة!*.. يا أمةً أنتِ أشرف الأمم وإن مرضت, ولكنّك لا تموتين!.
هذه تهنئتنا لكِ بمناسبة حلول هذا الشهر المبارك!,
ولكنها تهنئة من نوعٍ خاص وجديد!.
حيث أنه جرت العادة بأن تُقال كلمات التهاني مصاحبة بابتسامة رقيقة مع مصافحة, ثم المغادرة وحسب!
ولكن سامحوني حيث أنِّي سوف أخرج عن هذا النطاق النمطي, فسوف أبوح بزفرةٍ عن طريق فائدة مُسْتَلَّة من كتاب الله -سبحانه وتعالى-.. ولكن لا تقلقوا, لا تقلقوا!; فسوف أودعكم في آخر الحديث بالإبتسامة والتهنئة!
عباد الله!
قال الله -سبحانه وبحمده- في كتابه الذي أنزله هدًى للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور; قال " يآ أيها الذين ءامنوا كُتِبَ عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "
هذه الآية طرقت آذاننا كثيرًا هذه الأيام.. وسمعنا فيها الدروس والخطب والمحاضرات -جزى الله خيرًا من هذا حاله-,
ولكن دعونا نقف ثوانٍ معدودات مع " لعلكم تتقون " هذه الحكمة التي شرع الله من أجلها الصيام!.
هذه الحكمة أبهرتني كثيرًا عندما رزقني الله قدرًا يسيرًا من التأمل والتدبر فيها!,
لِمَ..؟!
فقد وجدتُ مخرج هذه الأمة المجيدة في الدنيا والآخرة في هذه الحكمة إن قمنا بحقّها!
حيث أنّ الله تبارك وتعالى فرض شهر رمضان على عباده وهيّأ فيه الأسباب والمقومات التي تجعل من هذه الأمة أمة تقية!, فإن صارت الأمة في مجملها أمة تقية ستخرج من هذا الذل والهوان التي هي فيه; وترجع لسابق عهدها سائدة على الأمم جميعًا!!
أي أن حال هذه الأمة نستطيع بمصدوق كلام الله أن نغيره 180 درجة في 30 يومًا أو أقل!!
أي أنّه لو قمتُ أنا وأنتَ وأنتِ بتحقيق التقوى التي هيأ الله أسبابها في هذا الشهر تكون عندنا القدرة -بإذن الله- بأن نُصَلِّي صلاة العيد في المسجد الأقصى ونقضي أجازة العيد في البيت الأبيض!! إي والله!!!
أليس فلاح الدنيا والآخرة قائمٌ على التقوى[1] يا عباد الله!!
ألم يقل الله "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثُهَا عبادي الصالحون " والصلاح من التقوى!
وقال الله " وعدَ الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الأرض كما استخلفَ الذين من قبلهم وليُمَكِّنَنّ لهم دينَهُمُ الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " أليس هذه الصفات من التقوى!
وغيرها الكثير!. هذا في الدنيا!
أما في الآخرة فقال الله " إنّ المتقين في جنّاتٍ وعيون "
وقال سبحانه " إن المتقين في مقامٍ أمين "
وقال سبحانه " وأزلفت الجنّة للمتقين غير بعيد " فإن خرجت بالتقوى من رمضان وأدركك الموتَ كنتَ في الخيرات في الآخرة!, فعندما تُحَصِّل التقوى صارت الجنّة أقرب إليك من شِراكِ نَعْلِكَ!, فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- " الموت أقرب لأحدكم من شِرَاكِ نعله " فلم يعد بينك وبين الجنة إلا الموت!
وغيرها الكثير والكثير من الآيات!.. فهذه الآيات على سبيل التمثيل لا الحصر, وإلا فالقرءان والسنّة مدارهم على تعبيد العباد لله سبحانه.. وما العبادة إلا التقوى, بأن يجعل العبد بينه وبين معاصي الله وقاء!, وأن يجعل بينه وبين النار حاجزًا!!, فلا يقترب مما حرّم, ويُقْبل على ما يرضي محبوبه!!
بل يكفيك بأن تسعى لتحصيل التقوى أنّ الله تبارك وتعالى يحبّها!! إي والله! فقال سبحانه " فإن الله يُحبّ المتقين "
بل إن معية الله مع المتقين, فقال سبحانه " واعلموا أنّ الله مع المتقين "
بل إن الله يتقبل الأعمال من عباده المتقين, فقال سبحانه حاكيا عن ابن آدم " إنما يتقبّل الله من المتقين " !
كلّ هذا وغيره الكثير نستطيع أن نُحَصِّله في أيامٍ معدودات -30 يومًا أو أقل-!!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نُحَرِّر الأقصى من اليهود الملاعين !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نحمي أعراض نسائنا اللواتي يُغْتَصَبن من قِبَلِ الكفرة والمنافقين والمرتدين !!
بعد ثلاثين يوًما نستطيع أن نُرجع كلّ شبرٍ من بقاع أراضي المسلمين اغتصبها الأعداء وذبّحوا فيها المسلمين !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نحقِنَ دماء المسلمين ونفكّ أسرانا الذين يُفعل بهم الأفاعيل !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نقدم العذر إلى ربنا من قطع رؤوس كلّ من سبّوه ولم يحرك أحد ساكنًا !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نُقَدِّم اعتذارًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- ممن سبّوْه, وممن وقعوا في عرضه ونحن في بيوتِنا نأكل ونشرب ملأ البطن وننام ملأ العين !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نُقَدِّم عذرًا إلى أمنا عائشة وأمهات المؤمنين من سبّ الروافض -قبّحهم الله- لهن صبح مساء !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نُقَدِّم اعتذارًا للأصحاب الكرام الذين ضَحّوا بدمائهم كي يصل الدين إلينا!!, نعتذر إليهم ممن سبّوهم وكفّروهم ولعنوهم !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نَرفع العار عن أمّتنا !!
بعد ثلاثين يومًا نستطيع أن نُخرج البلاد والعباد من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.. نقودهم بالسلاسل إلى جنّاتِ عدنٍ !!
إي والله هذا كلّه يحدث لو قمنا هذا الشهر بحقّه!!, فالله لا يكلفنا بما لا نستطيعه!!
فهو سبحانه جعل هذا الشهر كافٍ لتحصيل هذه التقوى !! فأين نحن !!
فأنتَ يا أخي يامن اقترفت جميع الموبقات.. تستطيع بأن تخرج من هذا الشهر من الأتقياء !![2]
وأنتِ يا أختي يامن اقترفتي جميع المنكرات.. تستطيعين بأن تخرجي من هذا الشهر من التَّقِيّات !!
فأين نحن من هذا..؟!
أين نحن من أمَّتِنا..؟!
بل أين نحن من أنفسنا إن مِتْنا على ما نحن عليه!!..؟!
ألا نسعى لخلاص أنفسنا وخلاص أمَّتِنا!..؟!
هذا نداءٌ لكل غيورٍ على هذا الدين !!
هذا نداءٌ إلى كل من يريد أن ينقذ نفسه من النار !!
فليكن رمضان هذا العام هو مِحْوَر التغيُّرِ في حياتِكَ ليكون مِحْوَر تَغَيُّرٍ في الأمة كلِّها !!
استقبله كما استقبل أنس بن النَّضر غزوة أحد!
قال أنس بن مالك: عمّي الذي سُمِّيتُ به لم يشهد مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بدرًا فشقَّ عليه, قال: أول مشهَدٍ شَهِدَهُ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- غُيِّبتُ عنه وإن أراني الله مشهدًا فيما بعد مع رسول الله ليَراني الله ما أصنع... فَشَهِدَ مع رسول الله يوم أحدٍ, قال: فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو, أين؟ فقال: واهًا لريح الجنّةِ أجِدُهُ دون أحد!, فقاتلهم حتّى قُتِلَ, وَوُجِدَ في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربةٍ وطعنةٍ ورميةٍ!, ولم تعرفه إلا أُخْتَه إلا من بَنَانِه! [متفق عليه, عند مسلم برقم:1903]
أنت ياعبدَ الله.. كم فاتك من رمضانات!, هل خرجت من أحدهم بالتقوى التي فُرِضَ من أجلها الصيام..؟!
فادخل رمضان هذا العام بندم ما فاتك وعزمك على تعويضه فيما هو قادم كما فعل ابن النَّضْر!
وليكن شعارك: إن أحياني الله إلى رمضان ليراني الله ما أصنعُ !
واصدق الله يصدقك.. فقد نزل في أنس بن النضر -رضي الله عنه- وفي أمثاله " من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, وما بدّلوا تبديلًا "
فكُن ممن ينتظرون والذين لا يُبَدِّلون !
الله الله في هذه الأيام المعدودات !!
خذ عهدًا على نفسك بأن تعمل بمقتضى هذا الكلام وأنت تقرأه, واسعى لنشره لغيرك عبر المنتديات وطبعه وتوزيعه. عسى الله أن يجعلك الله سببًا في تَغَيُّر هذه الأمة!
أمتي الحبيبة!
سامحيني فقد قسوتُ في باديء تهنئتي!
وقد حان الوقت بأن أبتسم وأقول لكم:
كل عامٍ وأنتم بخير!
-----
* حذفتُ أداة النداء للدلالة على القرب أمَّتي الحبيبة!, فأعلم أنني مُقَصِّرٌ بعملي تجاهكِ.. ولكنّي أواعدك على أن أعمل بقدر استطاعتي لخلاصكِ من مُغْتَصبينَكِ!.
[1] ليس غرضي هاهنا الإسهاب الطويل العريض في تبيين معنى كلمة التقوى على التفصيل كي لا يطول الأمر, ولكنّي أكتفي بهذا الكلام لابن القيم هاهنا, فهنّ كلمات قليلا جامعات مانعات.
[2] إليك أخي.. إليك أختي : لماذا صاحبك يريدك أن تُدَخِّن وتفسد..؟! لماذا صاحبتك تريدك أن تتنَمَّصي وتتبرجي..؟!
قال الله -سبحانه وبحمده- " أليس اللهُ بكافٍ عَبْدَه "
قال العلامة السعدي: فكلما كان العبدُ أقومُ بحقوقِ العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتمّ,
وما نقصَ منها نَقَصَ من الكفاية بــحـسـبــه!.
منقول