بقلم: أحمد جاد الحق
الحمد لله رب العالمين، حمد الشاكرين الراجين لرحمة الله ومغفرته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال سبحانه في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(غافر: من الآية 60)، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم "الدعاء مخ العبادة". رواه الترمذي عن أنس وقد ضعفه الألباني.
أيها الأحباب الصائمون.. وسط آيات الصيام في سورة البقرة تطل علينا آية الدعاء كواسطة عقد بين آيات الصيام، وكأن الصيام والدعاء قرينان، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة: 186)؛ إذ أن حقيقة الدعاء هو إظهار الافتقار إلى الله تعالى والتبرؤ من الحول والقوة، ولا شك أن أفضل العبادات التي تؤدي إلى ذلك الافتقار هي الصيام؛ فروحانيات المؤمن عالية، وقلبه مجموع على الله تعالى لنتعلم كيف يكون الدعاء في وقته وألفاظه وأحوال السائلين، وعلى رأسهم قدوة الأمة ومعلمها محمد صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل العبادة الدعاء"رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء"رواه الترمذي عن أبي هريرة والحاكم عن سلمان وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني.
وضرب لنا القدوة الحسنة في هذا المجال بعد رحلة الطائف، بعد تلك المحنة وهذه الشدة لجأ المعصوم صلى الله عليه وسلم إلى مَن رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض على ماء فجمد، وعلَّم الأمة عندما يضيق بها الحال ويشتد بها المقام أن تلجأ إلى الله وتلهث وتتضرَّع بالدعاء ليفرِّج الله الهم ويكشف الغم ويزيل الكرب، فدعا المعصوم ربه قائلاً: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى قريب ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل علىَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
ما أرق وأروع هذا الدعاء الذي جمع فأوعى! فهل تعلمت الأمة كيف تسأل ربها؟ والنبي المعصوم يقول: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ،واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف"؟!
وهناك أدعية غير متجددة مهما طال عمر الزمن، مثل الأدعية الخاصة بغفران الذنوب والعتق من النيران وما شابهها؛ فكل مسلم يحتاج إليها مهما كان زمانه أو مكانه؛ فهذه الأدعية يستحب أن تكون أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا بها على نفس ما يريد أن ندعوَ نحن، وكذلك حدوث البركة من إتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هناك حاجات متجددة تُحدد عبر الزمان والمكان لكل شخص ولكل أمة، فهل نترك الحاجات الحقيقية التي نريد من الله تعالى أن يحقِّقها لنا من أجل أنه لم ترد لنا فيها أدعية مأثورة؟! والحقيقة أننا بحاجة ماسة إلى نوع الأدعية التي نحتاج إليها كأمة مُستضعَفة تحتاج من الله تعالى أن يقوِّيَها وأن يدفع عنها غوائل الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينها على القيام بعبء الدعوة وتكاليف الإسلام، والدليل على إباحتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع أحدًا تعرَّض لحاجة ودعا الله تعالى بحاجته، وقال له, بل قل كذا وكذا، بل أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الحاجات بدعوتهم وقت شدتهم.
عن أنس قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا معلق وكان يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكًا ورعًا فخرج مرة فلقيه لص بالسلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك قال ما تريد بدمي، شأنك بالمال، قال أما المال فلي, فلست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات قال: صل ما بدا لك فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال "يا ودود يا ودود يا ذي العرش المجيد يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام والملك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مُغيث أغثني ثلاث مرات" قال دعا بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه فلما أبصر اللص به أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال :قم, قال, من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم ؟قال: أنا مَلك من أهل السماء الرابعة لما دعوتَ الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوتَ بدعائك الثاني فسمعتُ لأهل السماء ضجيجًا ثم دعوت بدعائك الثالث, فقيل :دعاء مكروب فسألتُ الله عز وجل أن يوليني قتله، قال أنس, فاعلم أنه مَن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبًا وقد تمَّ هذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر وغير ذلك كثير.
وخلاصة القول أن الأمة تحتاج اليوم للنوعين معًا: المأثور لحاجتها الحقيقية إليه، والدعاء بالحاجات المتجددة، مثل: اللهم أعنا على الاستغناء عن بضائع أعدائنا.. اللهم أعنا على نصرة إخواننا في فلسطين والعراق.. اللهم وفِّق إخواننا الطلاب وألهمهم الرشد والصواب.
هل أعددت لنفسك ولأمتك ثلاثين دعوة مستجابة في شهر الدعاء شهر الصيام الذي يقول فيه المعصوم صلى الله عليه وسلم "للصائم دعوة لا ترد"، وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم "ثلاث لا ترد دعوتهم"؛ منهم "الصائم حين يفطر".
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا فقه الدعاء، وأن نعمل بآدابها التي هي أرجى لقبول الدعاء.
ونختم بقول فاروق الأمة عمر بن الخطاب: إني لا أحمل همَّ الإجابة بقدر ما أحمل همَّ الدعاء اللهم وفِّقنا إلى دعوات مستجابة، اللهم آمين.