بقلم: الشيخ/ أحمد أحمد جاد
المال بصفة عامة هو ما أمكن تملُّكه وحيازته والانتفاع به والتصرف فيه.
والمال الحلال هو المباح الذي لم يرِد فيه من الشرع نهي ولا ينتج عنه ضرر.
والمال الحرام ما نهى عنه الشارع الحكيم، كالمسروق والمغصوب والرشوة والميسر والخمر والخنزير والميتة والدم المسفوح، والزنا والربا والغيبة والنميمة، والأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرَّمه الله، والحرام بيَّنه الله وفصَّله، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: من الآية 89)، وقال: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ (الأنعام: من الآية 119)، والمال فتنة من أعظم الفتن، ولا غنى لأحد عنه، فإن وُجِد حصل منه الطغيان ﴿كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾ (العلق)، ويخاف في الغنى من الأشر والبطر والبخل بحقوق المال، أو إنفاقه في إسراف أو في باطل أو في مفاخر، وإن فُقِد فهو الفقر الذي يكاد أن يكون كُفرًا، بالتسخُّط وقلة الصبر والوقوع في الحرام؛ فهو في وجوده فتنة وفي عدمه فتنة.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)﴾ (المنافقون)، وقال: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)﴾ (التغابن).
والمال خيرٌ لمن اتقى، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عمرو بن العاص فقال له: "إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة"، قال عمرو: ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبةً في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح" (رواه أحمد: 4/197،202).
والمال وسيلة لا غاية، فإن المقصود من المال والتجارة الاستغناء عن الناس، وإغناء الأسرة والأقارب، وإفاضة الفضل على الإخوان، وليس المقصود نفس المال وجمعه والتفاخر به.
والمعاملات قبل الإسلام كانت قائمةً على الظلم والمقامرة وعدم الرضا.. فجاء الإسلام ونهى عنها، وحذَّر منها، مثل الربا والاحتكار والغصب.. وأجاز المعاملات التي يتوفَّر فيها الرضا والنصح والصدق وعدم الغش والحيلة والخديعة.. وفي الحديث: "... فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم" (رواه البخاري ومسلم).. وفي الحديث: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.." (رواه مسلم وغيره).. ومن الناس "من يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر" (رواه أحمد والترمذي).
والحلال بيِّن والحرام بيِّن، ففي الحديث: "إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.... (رواه مسلم والبخاري) فالحلال المحض لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض، ولكن بينهما أمور تشتبه على كثير من الناس، ويجب التورُّع عن المشتبه؛ لأنه لا يدري أحلال هو أم حرام، فيخشى الله ويتركه، فهذا من استبرأ لدينه وعرضه، ومعنى استبرأ: أي طلب البراءة لدينه من النقص والشين.. وفي الحديث: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به بأس" (رواه الترمذي وابن ماجه) وفي الحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذي وأحمد).
ومن يأت الشبهات ولم يتبين الحلال فيها أو الحرام فقد وقع في الحرام؛ لأنه من يتساهل في ذلك قد يقع في الحرام، ولأنه لا يأمن أن يكون حرامًا فيقع فيه وهو لا يدري أنه حرام.. قال البغوي: ما اشتبه على الرجل أمره في التحليل والتحريم ولا يُعرف له أصل متقدم فالورع أن يتجنَّبه ويتركه، فإذا لم يتجنبْه واعتاده جرَّه ذلك إلى الوقوع في الحرام، وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء فيه ما أخذ منه؛ أمن حلال أم من حرام" (رواه البخاري)، فهذا يدعو إلى تحرِّي المكاسب.. وفي الحديث: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون" (رواه أحمد)، هذا وإذا تعاملت مع إنسان وكان يتكسَّب من تجارة فيها الحلال والحرام، فهل تقبل هديته وتتناول طعامه؟!
اختلف العلماء في ذلك:
1- أنه إذا غلب الحلال على الحرام فإنه يجوز معاملته، وإذا كان العكس فلا يجوز.
2- يجوز مطلقًا، قَلَّ الحرام أم كثر.
3- يجوز معاملته مع الكراهة.
4- يحرم التعامل مطلقًا؛ لأن الحرام يسري إلى الحلال فيحرمه؛ ولأن الحرام بعد دخوله في الحلال أصبح غير معروف.
5- إذا عَلِمَ الحلال من الحرام، فيصح التعامل مع الحلال ويبطل الحرام.