بقلم: د. حسن المرسي
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد العمر" (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير)، وأورده الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال الطبراني إسناده حسن.
إغاثة الملهوف وقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم وخدمة الآخرين، بالفعل هي من أعظم العبادات، نتقرب بها إلى الله الخالق، ونتحبب بها إلى الخلق، ويشعر من خلالها الإنسان بسعادة غامرة وقلب مطمئن، حينما يدخل السرور ويرفع الغم والهم عن مكروب أو ملهوف أو محزون.
ولربما كتب كثيرة ومقالات مستفيضة وخطب رنانة لا تؤثر في إنسان بقدر تأثره بموقف عملي إيجابي، مواساة، تهنئة، مناصرة، زيارة مريض، نصرة في ظلم.. إلخ.. إلخ، وهناك شخصيات كثيرة كانت نقطة تحولهم وإقبالهم وارتباطهم بدين الله ودعوته موقف عملي من شخص ما.
لم يتركه في فرحته إلا وسعد له وهنأه.
ولم يتركه في حزنه إلا وحزن له وواساه.
ولم يتركه في ضائقة إلا وفرجها له وكفاه.
وإن الدعوة إلى الله اليوم لتحتاج إلى آفاق جديدة ومنابر متنوعة لتبلغ الآفاق، وإن للناس حاجات وضرورات ملحة لا يجوز للدعاة أن يتركوها بغير علاج، ولا يقتحموا هذا الميدان، ونحتاج تحديدًا إلى هذا المنبر العملاق والرسالة الخالدة؛ ألا وهي: إغاثة الملهوف، وقضاء حوائج الناس، وإدخال السرور عليهم، واصطناع المعروف لهم وخدمتهم.
ولنعلم ابتداءً أن صانع المعروف لا يقع، وإذا وقع وجد متكئًا، وإذا وقع لا ينكسر.. يقول الشاعر:
الناس بالناس ما دام الحياء لهم *** والعسر واليسر أيام وساعات
وأسعد الناس من بين الورى رجل *** تقضي على يده للناس حاجات
كم مات ناس وما ماتت جمائلهم *** وكم عاش من ناس وهم في الناس أموات
لذلك..
أعظم موقف وأفضل مدخل وبداية هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع امرأة عجوز حمل عنها متاعها الثقيل، ولم يتركها حتى أوصلها إلى بيتها حيث تريد، فوجدت ذلك جميلاً وفضلاً تريد أن تكافئه عليه، فقدمت له أعظم نصيحة من وجهة نظرها؛ ألا وهي: يا بني يوجد رجل يدَّعي النبوة اسمه محمد؛ أنصحك إن لقيته ألا تتبعه.
فقال لها: أنا هو.
فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فهي أمام نموذج، أمام مدرسة، أمام قدوة، وليست أمام شريط كاسيت أو كتاب أو.. لذلك على أصحاب الدعوة اليوم وكل يوم أن يعتمدوا هذا الأسلوب وهذه الطريقة السهلة إلى القلوب في الوصول إلى كل أفراد المجتمع، فما من فرد في المجتمع إلا وله حاجة ولديه مشكلة أو في ضائقة أو يحتاج لمواساة أو من يشاركه فرحه، فهذا بحق هو دور الدعاة القائمين على أعمال "البر" والمهتمين "بالمجتمع" من باب التعبد إلى الله، وليس رياء ولا سمعة وإنما حسبة إلى الله جل وعلا.
يقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2)، ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة: من الآية 237).
وإليك أخي الكريم المحب للخير القائم على البر، دليل ومرشد المجتمع، بعض جوانب من فضل وثواب ومكانة هذه العبادة؛ حتى تكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: يقول صلى الله عليه وسلم: "إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناسًا مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه" (أخرجه بن ماجة في سننه 1/86 ح، والبيهقي في شعب الإيمان 1/455 وذكره العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/32).
فضل قضاء حوائج المسلمين وإغاثتهم
(1) ينال ثواب المجاهد في سبيل الله:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل لله أو القائم الليل الصائم النهار" (رواه البخاري).
- وعن علي بن أبي طالب قال: يقول صلى الله عليه وسلم: "من مشى في عون أخيه المسلم ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله عز وجل" (ذكره المتقي الهندي في كنز العمال 6/693 وعزاه إلى أبي النجار)، فما أعظمه من فضل! وما أعلاه من مقام!.
(2) يكون من أحب الخلق إلى الله وعمله أحب الأعمال:
عن عبد الله بن عمر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- شهرًا في مسجد المدينة، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" (رواه الطبراني في المعجم الكبير وذكره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله (فقراء إلى الله) فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله (فقرائه)" (رواه البزار والطبراني).
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قيل يا رسول الله، أي العباد أحب إلى الله؟ قال: "أنفع الناس للناس"، قيل يا رسول الله، فأي العمل أفضل؟، قال: "إدخال السرور على المؤمن"، قيل: وما سرور المؤمن؟، قال: "إشباع جوعته، وتنفيس كربته، وقضاء دينه، ومن مشى مع أخيه في حاجته كان كصيام شهر واعتكافه، ومن مشى مع مظلوم يعينه ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام، ومن كف غضبه ستر الله عورته، وإن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل".
(3) أفضل الأعمال والحسنات والأخلاق:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أغاث ملهوفًا كتب الله له ثلاثًا وسبعين حسنة، واحدة منها يصلح بها آخرته ودنياه والباقي في الدرجات".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه سلم قال: "خلُقان يحبهما الله، وخلقان يبغضهما الله؛ فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة، وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل، وإذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله على قضاء حوائج الناس" (رواه البيهقي).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يجري أجره من بعد موته وهو في قبره: من علم علمًا أو تحري نهرًا (حفره ووسع مجراه) أو حفر بئرًا أو غرس نخلاً أو بنى مسجدًا أو ورث مصحفًا أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته" (رواه البيهقي في شعب الإيمان).
فهي أنواع كثيرة من الأعمال متباينة ومتعددة حسب قدرات الناس وحسب حاجات الناس يقوم بها المسلم تنفعه بعد موته وهي من أفضل الأعمال.
(4) يكون من خير الناس:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس أنفعهم للناس" رواه الطبراني في المعجم الأوسط وذكره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله عبادًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم" رواه الطبراني.
(5) لا يعذبون بالنار ويحدثهم الله على منابر من نور:
عن كثير بن عبيد بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله خلقًا خلقهم لقضاء حوائج الناس آلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور يحدثون الله تعالى والناس في الحساب"، يا له من فضل ونعمة، أمن واطمئنان والناس في فزع.
والعكس صحيح كما في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.. منهم ورجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل يقول الله له: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" (رواه الشيخان وأبو داوود والنسائي وابن ماجة).
(6) غفران الذنوب والبراءة من النار والنفاق:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعى لأخيه المسلم في حاجة فقضيت له أو لم تقض، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق".. يقول صلى الله عليه وسلم: "إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور إلى أخيك المسلم".
وقال محمد بن المنكدر: "من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان قال بعض أهل العلم عقب إيراده له، وإذا كان الله سبحانه قد غفر لمن سقي كلبًا علي شدة ظمأه فكيف بمن سقى العطاش واشبع الجياع وكسا العراة من المسلمين".
(7) ينال الدرجات العلى من الجنة:
يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان وصله (أي شفيعًا موصلاً) لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو إدخال سرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا لم يرض الله له ثوابًا دون الجنة" رواه الطبراني.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس" (رواه مسلم)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من زحزح عن طريق المسلمين شيئًا يؤذيهم كتب الله له به حسنة، ومن كتب الله له حسنة أوجب له بها الجنة" رواه أحمد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يومًا يجلس مع أصحابه فقال: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" قال: أبو بكر: أنا. قال صلى الله عليه وسلم: "من اتبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر: أنا. قال صلى الله عليه وسلم: "فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا، قال صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة" (أخرجه مسلم في صحيحه 2/713 ح)، ثلاثة أعمال قام بها المسلم واحدة منها هي الصيام فهو له، أما اتباع الجنازة، وعيادة المريض فهي للمسلمين فاستحق الجنة.
(8) ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قضى لأخيه المسلم حاجة، كنت واقفًا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له" (رواه أبو نعيم في الحلية).
انظروا إلى اهتمامه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم بمن قضى الخدمات ونفع المحتاجين يقف على ميزانه حتى يطمئن عليه أو يشفع له، فما أجمله من موقف وما أكرمه من رسول صلى الله عليه وسلم.
(9) ثواب الخطوات عظيم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة وكفر عنه سبعين سيئة، فإذا قضيت حاجته على يديه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإذا مات في خلال ذلك دخل الجنة بغير حساب"، أحبتي كأن هذا الأخ عائدٌ لتوِّه من حج بيت الله إن قضى الحاجة وإلا فالجنة، الجنة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة إلا زاده الله بها كثرة" (شعب الإيمان كثرة في الخير، وكثرة في الرزق، وكثرة في الحسنات، كل أنواع الكثرة الطيبة).
(10) يكون بينه وبين النار خنادق:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى مع أخيه في حاجة فناصحه فيها جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق ما بين الخندق والخندق كما بين السماء والأرض" رواه أبو نعيم وابن أبي الدنيا.
حتى مجرد المناصحة والمشاورة وتوضيح المسائل له لا يقل ثوابها عن المشي والحركة.
(11) دوام نعم الله واستقرارها:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله عند أقوام نعمًا يقرها عندهم ما داموا في حوائج الناس ما لم يملوا، فإذا ملوا نقلها إلى غيرهم" رواه الطبراني.
ومن طريق الطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال" أخرجه الطبراني في الأوسط.
وقيل لجابر بن عبد الله رضي الله عنه: "يا جابر، من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه؛ فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب لله عرضها للزوال".
عن ابن عمر رضي الله عنهما: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويثبتها عندهم ما نفعوهم، فإذا هم لم ينفعوهم حولها إلى غيرهم" أخرجه الطبراني في الأوسط.
(12) سرور يوم القيامة:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك، سره الله يوم القيامة" رواه الطبراني في الصغير وسنده حسن.
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا لم يرض الله له سرورًا دون الجنة" رواه الطبراني.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ما أدخل رجل على المؤمن سرورًا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكًا يعبد الله تعالى ويوحده فإذا صار العبد في قبره أتاه ذلك السرور، فيقول له: أنا السرور الذي أدخلتني على فلان، أنا اليوم أؤنس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت، وأشهد مشاهدك يوم القيامة، وأشفع لك إلى ربك وأوريك منزلك في الجنة".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "والذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبًا سرورًا إلا خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفًا فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها (أي النائبة) عنه كما تطرد غريبة الإبل".
ورد في الحديث الذي رواه قبيصة بن برمة الأسدي: "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، إن الله ليبعث المعروف يوم القيامة في صورة الرجل المسلم فيأتي صاحبه إذا انشق عنه القبر فيمسح عن وجهه التراب ويقول ابشر يا ولي الله بأمان الله وكرامته لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة فلا يزال يقول له احذر هذا واتق هذا يسكن بذلك روعه حتى يجاوز به الصراط فإذا جاوز به الصراط عدل ولي الله إلى منازله في الجنة ثم ينثني عنه المعروف فيتعلق به فيقول يا عبد الله من أنت خذلني الخلائق في أهوال القيامة غيرك فمن أنت فيقول أما تعرفني فيقول لا، فيقول إن المعروف الذي عملته في الدنيا بعثني الله خلقًا ليجازيك به يوم القيامة".
(13) كثواب الحج أو الاعتكاف في المسجد النبوي:
روى أن الحسن البصري رضي الله عنه بعث نفرًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل مسلم وأمرهم أن يمروا بثابت البناني فيأخذوه معهم، فأتوا ثابتًا ليأخذوه، فقال: إني معتكف.. فرجعوا إلى الحسن فقال لهم: "قولوا له يا أعمش!! أما تعلم أن مشيك في قضاء حوائج المسلمين خير لك من حجة بعد حجة"، فرجعوا إلى ثابت فترك اعتكافه وخرج معهم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته- وأشار بإصبعه- أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين".
(14) من علامات الخير في الإنسان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال: "ألا أخبركم بخيركم من شركم" فسكت القوم فأعادها ثلاث مرات، فقال رجل من القوم: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا قال: "خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره" أخرجه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده.
(15) تظلله الملائكة وتدعو له وتصلي عليه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسة وسبعين ألف ملك يصلون له ويدعون له إن كان صباحًا حتى يمسي وإن كان مساءً حتى يصبح، ولا يرفع قدمًا إلا حط الله عنه خطيئة ورفع له بها درجات".
وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".
(16) من الصدقات الواجبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة" رواه البخاري ومسلم.
ونلاحظ أن الأعمال العبادية والخدمية متداخلة تداخلاً واضحًا لا فاصل بينهما.. عن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسًا، إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة" أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه.
وفي الحديث عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس، قيل يا رسول الله: ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ قال: إن أبواب الخير كثيرة، التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف فهذا كله صدقة منك على نفسك" أخرجه ابن حبان في صحيحه.
وانظر إلى لفظ: وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، حركة وهمة ونشاط متناهٍ لقضاء الحوائج للآخرين.
(17) هي المعروف المطلوب:
في المسند عن أبي هريرة الجهني قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المعروف فقال: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، لو أن تؤنس الوحشان في الأرض".
واستطعم مسكين عائشة رضي الله عنها وبين يدها عنب فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة.
قال يحيى بن معاذ ما اعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من صدقة.
واخرج الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحقرن أحدكم شيئًا من المعروف وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق وإذا اشتريت لحمًا أو طبخت قدرًا فأكثر مرقه واغرف لجارك منه".
أرأيتم أيها الأحباب الكرام هذا التنوع في أعمال المعروف وكثرتها وشمولها من الأعمال الصغيرة مثل إعطاء حبل أو جلدة لترقيع النعل، إلى نظافة الطريق إلى البسمة إلى السلام إلى مؤانسة المستوحش، وكلها في متناول الفقير قبل الغني، والضعيف قبل القوي، والصغير قبل الكبير، وما ذلك إلا لأن هذه العبادة محببة إلى الله تعالى فسهلها على الناس أجمعين ليقوموا بها.
(18) يطعمه الله ويكسوه ويسقيه:
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنًا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الجنة" رواه الترمذي.
وهذا الحديث جميل ويدعو إلى الإخلاص في خدمة الناس إطعامًا وسقايةً وكسوةً.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب- أتعب- ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن عفا لله أعفاه الله" رواه ابن أبي الدنيا.
لذلك أخي الحبيب: اجعل كبير الناس عندك أبًا، وصغيرهم ابنًا، وأوسطهم أخًا، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه ولا تخدمه؟!
(19) حتى شربة الماء تخرج من النار:
يا له من ثواب عظيم لعمل قليل في متناول الجميع، شربة ماء تنقذ من عذاب النار ويشفع من أشربها لمن أعطاها له إذا كان من أهل النار.
في حديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل من أهل الجنة ليشرف يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل من أهل النار، يا فلان أما تعرفني؟! فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت ويحك؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في دار الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفتك. قال: فاشفع لي بها عند ربك. قال: فيسأل الله تعالى فيقول: شفعني فيه، فيؤمر به فيخرجه من النار" أخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده وهو ضعيف.
فلا نقلل من قيمة أي عمل أيها الأحبة، شربة الماء أصبح لها ثمن يوم القيامة، ومن أمثلة ذلك الآن كولمان ماء في شارع، مظلة في محطة انتظار مواصلات، كل هذه الأعمال قربى إلى الله وصدقة جارية فما أسهلها من أعمال، وما أعظمه من أجر وثواب.
(20) يتجاوز الله عنه:
وهذا نوع آخر من الخدمة وقضاء الحوائج ألا وهو التجاوز عن المعسر، وما أكثر ذلك في زماننا.
فما الذي يحدث لمن تجاوز؟ في الصحيحين عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه".. الله الله على الفضل والعظمة.
وعن حذيفة وأبي مسعود الأنصاري أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مات رجل فقيل له: بم غفر الله لك؟، فقال: كنت أبايع الناس فأتجاوز عن الموسر وأخفف عن المعسر"، وفي رواية "قال الله: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه".
(21) تستجاب دعوته وتكشف كربته:
يا له من شرف عظيم ومكانة طيبة!!، والله لو لم يكن هناك سوى هذا الفضل لكفى.
يقول صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن تستجب دعوته أو تكشف كربته فليفرج عن معسر".
(22) شفاء من الأمراض والأوجاع:
أخي الحبيب، إذا ابتليت بمرض أو أحد من أحبابك وعياك علاجه- عافانا الله وإياك- وتحير الأطباء في أمره، وأصابك اليأس وزحف الخوف نحو قلبك، فتذكر هذا الدواء الناجع، ألا وهو (خدمة الآخرين والقيام على مصالحهم والصدقة وصنع المعروف...) ثم انظر... جرب ذلك كثيرون.
سأل رجل (عبد الله بن المبارك) فقال: يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي من سبع سنين وقد عالجتها بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع، قال: اذهب فانظر موضعًا يحتاج الناس فيه إلى ماء فاحفر هناك، فإنني أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك هناك الدم، ففعل الرجل فبرأ بفضل الله. رواه البيهقي عن علي بن الحسن، ولعل ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة".
وقد تقرح وجه أبي عبد الله الحاكم- صاحب المستدرك قريبًا من سنة فسأل أهل الخير الدعاء فأكثروا من ذلك ثم تصدق على المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء فشرب الناس فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان لذلك أخي الحبيب: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث: إن لم تنفعه لا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه، كما قال يحيى بن معاذ.
(23) نجاة من الهلكة والضياع:
يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الميت إذا وضع في قبره أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عن رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتي من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فتقول الخيرات من الصدق والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل".
في أوقات الشدائد والأزمات تضيء في حياتنا خدماتنا وتنجي من المهالك مساعداتنا للآخرين.
(24) علامة من علامات الإيمان:
يقول عوام الناس: الإحساس نعمة، وهذا حق، فمن فقد الإحساس بغيره فقد الإيمان وأخمد جذوته.. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه مسلم في صحيحه
فالمؤمن الحق تلمح في بريق عينه بوارق البذل، وتسمع من فلتات لسانه كلمات البر، وتشم بين ثنايا أفعاله رائحة احتراق النفس ليسعد الآخرون، وفناءها ليحيا البائسون، ودفنها في التراب لينبت على إثرها المحرومون. - من كتاب صفقات رابحة- خالد أبو شادي.
(25) لا يعاتبه الله ولا يتحسر يوم القيامة:
لأن الله يعاتب عتابًا يورث حسرة يوم القيامة لمن لا يقدمون ولا يبذلون بخلاً وكسلاً!!
كما في الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟، يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك؟، يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي" رواه مسلم.
فمن زار مريضًا وأطعم جائعًا وسقى ظمأن نجي من عتاب الله والحسرة يوم القيامة.
وكلها أعمال من صنائع المعروف وخدمة الآخرين، فلنسارع في هذه الأعمال الاجتماعية التي تفتح القلوب وتسعد النفوس وترضي الرحمن، وتكشف عنا الهم والغم.
(26) واحدة بواحدة والبادي أظلم:
الحقيقة أنه واضح فضل الله وعدل الله ورحمته وأنه يريد أن يعطي ويمنح، ولكن الإنسان بسلبيته وبخله هو الذي يمنع عن نفسه، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (فصلت: من الآية 46).
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من منع فضل مائه أو فضل كلأه منعه الله فضله يوم القيامة" أخرجه أحمد في مسنده.
وثبت أن المعونة تأتي من الله للعبد قدر المئونة. وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته، فمن أكثر أكثر الله له ومن أقل أقل الله له ومن أمسك أمسك عليه.
ومن شواهد ذلك قصة عائشة رضي الله عنها إن مسكينًا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاتها أعطه إياه، فقالت ليس لكِ ما تفطرين عليه، فقالت أعطه إياه ففعلت، قالت فما أمسينا حتى أهدى لنا أهل بيت ما كان يهدي لنا. شاة وكتفها فدعتني فقالت كلي من هذا، هذا خير من قرصك.
(27) تصبح يده عليا:
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله" (أخرجه البخاري ومسلم).
أراد أبو ذر الغفاري رضي الله عنه معرفة أنواع نعم الله عليه لتكون يده هي العليا، فألحَّ على النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله"، قلت: يا نبي الله مع الإيمان عمل؟ قال: "أن ترضخ- تعطي- مما خوَّلك الله، وترضخ مما رزقك الله"، قلت: يا نبي الله، فإن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"، قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال صلى الله عليه وسلم: "فليعن الأخرق" قلت: يا نبي الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم: "فليعن المظلوم"، قلت: يا نبي الله، أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: "ما تريد أن تترك لصاحبك من خير؟! ليمسك أذاه عن الناس"، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخله الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن يطلب خصلةً من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة" (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ورجاله ثقات).
والله لا أظن أبدًا وحاش لله أن يكون أبو ذر مجادلاً وإنما كان يسأل ليتعلم، ووالله ما ترك إنسانًا على وجه الأرض إلا ويستطيع أن يقدم ويخدم الآخرين، كل حسب قدرته.
* واعلم أخي الحبيب أن أسعد القلوب هي التي تنبض للآخرين..
* واعلم أنك عندما تعاون إنسانًا على صعود الجبل فإنك تقترب معه من القمة.
(28) الله يأخذ بيده ويفتح له:
النبي صلى الله عليه وسلم يوصي الناس بالسخي الكريم، ويطلب منهم أن يتجاوزوا عن ذنبه؛ لأن معروفه سابق وقد نزلت به نازلة، يقول صلى الله عليه وسلم: "تجاوزوا عن ذنب السخي، فإن الله آخذ بيده كلما عثر، وفاتح له كلما افتقر"، وكما يقال: ارحموا عزيز قوم ذل، فكم من غني غدرت به الأيام، وكم من قوي فتكت بصحته الأسقام، فهذا يحتاج كغيره وأكثر من المساعدة والتجاوز، يقول صلى الله عليه وسلم: "السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل".
(29) تجلب التواضع وتدفع الكبر:
أخرج الإمام أحمد من خبر عبد الله بن حنظلة أن عبد الله بن سلام مرَّ في السوق وعليه حزمة من حطب (يحملها) فقيل له: أليس الله أعفاك من هذا؟ قال: بلى، ولكني أردت أن أدفع بها الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر"، ومن تواضع الرجال والصالحين خدمة أهلهم وتلاميذهم، قال مجاهد: "صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني".
لذلك أخي الحبيب..
أخدم واحمل واذهب واتعب واسعَ للآخرين حبًّا وكرامةً وتواضعًا، فلا تزيدك خدمة الآخرين والسعي لهم إلا رفعة و عزة، "تواضع.. فإن التراب لما ذل لأخمص القدم صار طهورًا للوجه"، واعلم أخي الحبيب أنك لن تستمتع بالسعادة إلا إذا تقاسمتها مع الآخرين.
(30) يزيد العمر ويدفع ميتة السوء:
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن سوء الخلق شؤم، وحسن الملكة نماء، والصدقة تدفع ميتة السوء" (أخرجه الترمذي)، ومنها حديث رافع بن خديج رضي الله عنه "الصدقة تسد سبعين بابًا من السوء".
فما أعظم هذا الفضل وأحسنه؛ لأنه ما أكثر السوء في هذه الأيام، فهذه طريقة أكيدة لدفع السوء وغلق أبوابه.
(31) يدفع الضر وينصر على العدو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تداركوا الهموم والغموم بالصدقات يدفع الله ضركم وينصركم على عدوكم".
(32) هم أهل المعروف في الدنيا والآخرة:
يقول صلى الله عليه وسلم: "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة"، فلا تقتصر رفقة المتصدق وصاحب المعروف على الآخرة، بل هي شاملة الدنيا، فمن جاد ساد، ومن بخل رذل.
بل قال محمد بن حيان: "كل مَن ساد في الجاهلية والإسلام حتى عُرف بالسؤدد وانقاد له قومه، ورحل إليه القاصي والداني لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام وإكرام الضيف، والمتصدق ذو يدٍ على آخذ الصدقة بل إنه كما قيل يرتهن الشكر ويسترق بصدقته الحر".
ولذا كان ابن السماك يقول: "يا عجبي لمَن لم يشترِ المماليك بالثمن، ولا يشتري الأحرار المعروف".
(33) دواء للأمراض القلبية:
هذه العبادة (قضاء حوائج الناس وإسعادهم) ليست دواءً لأمراض الأبدان فقط، وإنما ترقق القلوب، وتشفي الصدور، وتريح البال، وتهدئ النفس، كما في قوله لمن شكى إليه قسوة قلبه: "إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم"، وقساوة القلب تؤدي إلى إنكار اليوم الآخر وعلامة القسوة عدم العطف على اليتيم كما في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)﴾ (الماعون).