سورة المائدة!
دعا رجلٌ أبا عبد الله بن الحجاج، وأخَّّر الطعام إلى المساء فقال:
يا ذاهبًا في دارهِ جائيًا بغير معنى وبلا فائدة
قد جُنَّ أضيافُك من جوعهم فاقرأ عليهم سورة المائدة
حَمَل أبي الخطاب الصابي!
إعداد: جمال عبد الغفار بدوي
اتَّخذ كثير من الأدباء المبالغة والتمادي في السخرية أسلوبًا للفكاهة والمزاح، ومن ذلك الرسالة التي كتبها "أبو الخطاب الصابي" حين أُهديَ إليه حمل، فقال- من بين ما قال- مستهزئًا ومازحًا ومتندرًا به:
(... ذكرت حملاً، جعلته بصفتك جَمَـلاً، فكان المُعَيـْدِىَّ الذي تسمعُ به ولا أن تراه، وحضر فرأيت كبشًا مُتقادم الميلاد، من نتاج قوم عاد، قد أفنته الدهور، وتعاقبت عليه العصور، فظننته أحد الزوجين اللذين جعلهما نوح فى سفينته، وحفظ بهما جنس الغنم لذريته، صغر عن الكبر، ولَطُف عن القدم، فبانت دمامته، وتقاصرت قامته، وعاد ناحلاً ضئيلاً، وباليًا هزيلاً، بادِي السقام، عاري العظام، جامعًا للمعايب، مشتملاً على المثالب، يعجبُ العاقل من حلول الحياة به، وتأتي الحركة فيه؛ لأنه عَظْمٌ مجلَّد، وصوف مُلبَّد، لا تجد فوق عظامه سَلَبًا، ولا تلقى يدك منه إلا خشبًا، لو أُلقي إلى السبع لأباه، ولو طُرح للذئب لعافه وقلاه، قد طال للكلأ فقدُه، وبعد بالمرعى عهدُه، لمْ يرَ القَتَّ إلا نائمًا، ولا عرف الشعيرَ إلا حالمًا، وقد خيرَّتنى بين أن أقتنيه فيكون فيه غِنَى الدهر، أو أذبحه فيكون فيه خِصْبُ الرحَل، فمِلْتُ إلى استبقائه لما تعرف من محبتي في التوفير، ورغبتي للتثمير، وجمعي للولد، وادخاري لغد، فلم أجد فيه مستمتعًا للبقاء، ولا مَدْفعًا للفناء؛ لأنه ليس بأنثى فتحمل، ولا بفتى فينْسُل، ولا بصحيح فَيَرْعَى، ولا بَسليم فيبقى..).