:الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر
كرامات الأولياء حق ،وهو ظهور الأمر الخارق على أيديهم الذي لا صنع لهم فيه ولم يكن بطريق التحدي ،بل يجريه الله على أيديهم وإن لم يعلموا به ..كقصة أصحاب الكهف ،وأصحاب الصخرة ، وجريج الراهب ،وكلها معجزات لأنبيائهم .. ولهذا كانت في هذه الأمّة (الإسلامية) أكثر وأعظم لعظم معجزات نبيها وكرامته على الله –عز وجل- ،كما وقع لأبي بكر الصديق في أيام الردة ،ونداء عمر لسارية وهو على المنبر فأبلغه وهو بالشام ، وككتابته إلى نيل مصر فجرى ، وكخيل العلاء بن الحضرمي إذ خاض بها البحر في غزو الروم ،وكصلاة أبي مسلم الخولاني في النار التي أوقدها له الأسود العنسي وغير ذلك مما وقع لكثير منهم في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم -،وبعده في عصر الصحابة والتابعين بإحسان إلى يوم القيامة ..وكلها في الحقيقة معجزات نبينا –صلى الله عليه وسلم-لأنهم إنما نالوا ذلك بمتابعته ، فإن اتفق شيء من الخوارق لغير متبع النبي –صلى الله عليه وسلم- فهي فتنة وشعوذة لا كرامة ،وليس من اتفقت له من أولياء الرحمن بل من أولياء الشيطان والعياذ بالله.
وقال ابن كثير:ما كان على حالة صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله ويترك ما نهى الله تعالى عنه ورسوله فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمّة ،ولا يسمى هذا سحراً في الشرع ،وتارة تكون الحال فاسدة ،لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله ولا يتصرف بها في ذلك ،فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة منها :
أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى ،و الأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله وقد قال الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَ الأثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } الأعراف33 فالقول على الله بغير علم والشرك والظلم والفواحش ،قد حرمها الله تعالى ورسوله ،فلا تكون سبباً للكرامة .
فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن ،بل تحصل بما يحبه الشيطان وبالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات ، أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش ،فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية.
ثم يقول :وأيضاً كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى ،فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله ،فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء ،وإنما تحصل عند الشرك مثل دعاء الميت والغائب ،أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات كالحيات والزنابير والخنافس والدم وغيره من النجاسات ،ومثل الغناء والرقص لاسيما مع النسوة الأجانب والمردان ،وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن وتقوى عند سماع مزامير الشيطان ، فيرقص ليلاً طويلاً فإذا جاءت الصلاة صلى قاعداً أينقر نقر الديك ،وهو يبغض سماع القرآن وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجه ، ويحب سماع المكاء والتصدية .[المكاء:بالضم التصفير ، والتصدية :التصفيق بالأيدي] ويجد عنده مواجيد فهذه أحوال شيطانية ،وهو ممن يتناوله قوله تعالى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }الزخرف36
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:الكرامة أمر المغيبات. على يد عبده المؤمن التقي، إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها ولا قدرة له عليها..بخلاف من يدعي أنه ولي، ويقول للناس:اعلموا أني أعلم المغيبات ..فإن هذه الأمور قد تحصل بأسباب محرمة كاذبة في الغالب..ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم – في وصف الكهان:"فيكذبون معها مائة كذبة"..فبين أنهم يصدقون مرة ويكذبون مائة ،وهكذا حال من سلك سبيل الكهان ممن يدعي الولاية والعلم بما في ضمائر الناس ،مع أن نفس دعواه دليل على كذبه،لأن في دعواه الولاية تزكية النفس المنهي عنها بقوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32 وليس هذا من شأن الأولياء ،فإن شأنهم الإزراء على نفوسهم وعيبهم لها ،وخوفهم من ربهم ،فكيف يأتون الناس ويقولون :اعرفوا أننا أولياء ,وأننا نعلم الغيب؟!
وفي ضمن ذلك طلب المنزلة في قلوب الخلق واقتناص الدنيا بهذه الأمور ،حسبك بحال الصحابة والتابعين –رضي الله عنهم- ،وهم سادات الأولياء أفكان عندهم من هذه الدعاوى والشطحات شيء؟لا والله!!
وأما عن الفرق بين المعجزة والسحر فيقول البوطي :المعجزة التي تحصل على يد النبي إنما تكون مقترنة بدعوى النبوة والتحدي بها كدليل على صدق دعواه ،وليس السحر محدود فهو وإن كان له حقيقة غير أن حقيقته لا تتجاوز حدوداً معينة ولا يمكن أن يتوصل به إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء ،ولذلك عبر الله سبحانه وتعالى عن السحر الذي صنعه سحرة فرعون بقوله:{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }طه66 إذن الأعين هي التي سحرت وليست الحبال والعصي ، وهذا يؤكد أن مناط السحر دائماً هو جسم الإنسان أو حواسه وجوارحه تظهر بسببه بعض المرئيات على غير حقيقتها "
وقال الإمام النووي :العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر ،لكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله بخرق العادة بها لتصديقه ،فلو كان كاذباً لم تنخرق العادة على يديه،ولو خرقها الله على يد كاذب لخرقها على يد المعارضين للأنبياء ،وأما الولي والساحر فلا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ،ولو ادعيا شيئاً من ذلك لم تنخرق العادة لهما ،وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين :-
أحدهما: وهو المشهور إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق، والكرامة لا تظهر على فاسق، وإنما تظهر على ولي..وبهذا جزم إمام الحرمين وأبو سعد المتولي وغيرها.
والثاني:أن السحر قد يكون ناشئاً بفعل وبمزج وبمعاناة، وعلاج والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع ذلك (أي الكرامة ) اتفاقاً من غير أن يستدعيه أو يشعر به. والله أعلم
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة إتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ويقول :وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة منها :أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى ..و الأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله.
ويقول الشيخ رشيد رضا:السحر يتلقى بالتعليم ويتكرر بالعمل، فهو أمر عادي قطعاً بخلاف المعجزة. (العلاج الرباني ص32-35)
قلت: وإذا أردنا أن نكون في مأمن على ديننا وعقيدتنا فعلينا أن نعلم خوارق العادات ونفهمها جيداً وهي ست أشياء:
1- الإرهاصات. 2-المعجزات .
3-الكرامات. 4- السحر.
5- الاستدراج. 6- الإهانة.
وإليك شرحها مفصلة حتى تعلم الفرق بينهم جميعاً:-
1) الإرهاصات (المبشرات ):هي أمر خارق للعادة يجريه الله للأنبياء في طفولتهم تمهيداً لنبوتهم.
وهذه الإرهاصات خاصة بالأنبياء فقط وهي تأتي لتدلل على أن هذا المولود سيصبح نبياً وهي تحدث لكل الأنبياء في ميلادهم وطفولتهم ،وإذا أردنا ذكر نماذج منها فمثل ما حدث لنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-حيث أن كل مولود يستهل صارخاً إلا أن كان من العجيب أن يستهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ساجداً لله حين خرج من بطن أمه ، وهذه هي الإرهاصات (المبشرات ) حيث تبشر بأن هذا المولود سيصبح له شأن عظيم ألا وهو النبوة ومنها أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-إذا أرضعته امرأة زاد اللبن في ثديها . ومنها عندما أصبح غلاماً إذا سار على الأرض في الرمل لم يكن له أثر ،ولكن إذا سار على الصخر غاصت قدمه فيه .
ومنها ما كان لنبي الله عيسى – عليه السلام- حيث ولد من أم بلا أب، وأنه تكلم في المهد.
ومنها ما كان لنبي الله موسى –عليه السلام- عندما ولدته أمه وخافت عليه من جنود فرعون ، فطرق الجنود الباب ففزعت فأرادت أن تخبأه فألقته في التنور –الفرن- وكانت مشتعلة وبعد ما فتش الجنود البيت وخرجوا ،تذكرت أن التنور مشتعلة فأسرعت إلى ابنها فوجدته سليماً لم تمسه النار بشيء ، وهذا دليل على أن هذا المولود سيصبح له شأن عظيم.
وغير ذلك من الأمور مثل إلقائه في التابوت ثم إلقائه في اليم.
وهذه الإرهاصات تكون للأنبياء قبل الرسالة أما ما يحدث لهم من خوارق العادات بعد الرسالة فهو المعجزة.
2) المعجزة :هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد أنبيائه لتكون دليلاً على صدق ما جاءوا به ويتحدوا به من عارضهم ويستعجزهم عن الإتيان بمثلها .
مثل القرآن الكريم فهو معجزة للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم - ،وإحياء الموتى وإبراء الأكمه و الأبرص كانت معجزة للنبي عيسى –عليه السلام- والعصا التي تتحول إلى ثعبان مبين كانت معجزة للنبي موسى –عليه السلام –وغير ذلك كثير .......
3)الكرامة:هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رجل ظاهر الصلاح ليثبته به.
ويعرفهم الله بقوله " {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62 وإذا سألنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن التقوى تجده يقول "التقوى هاهنا ويشير إلى صدره " وإذا سألناه عن الإيمان تجده يقول " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " وهذا دليل ضد من أنكر العمل فهو بذلك قد خرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة في الاعتقاد. و عليه أن يعلم أن " الإيمان قول وعمل" كما نص على ذلك الإمام البخاري في (الجامع الصحيح ) .
ومن العجيب أن من ينكر العمل من هؤلاء الجهلاء يدعون الولاية فيقول لك أنا ولى من أولياء الله ولكنه لا يصلي ولا يصوم وتجده ينتهك الحرمات ولا يراعي شرع الله في قوله ولا في عمله ، إذن الولي : هو من يخشى الله في كل أحواله سره وعلانيته فتجده يؤمن بالله ويعمل الصالحات ويتقي ربه .
فهذا الرجل إذا حدث له إنخراق للعادة فهذه تسمى كرامة وهي التي يجريها الله على يديه متى شاء الله لا متى شاء هو ،أما من كان على خلاف ذلك حيث أنه لا يؤمن بالله ولا يعمل الصالحات ولا يتقي ربه ويدعي أنه قد وصل إلى قمة الولاية فهذا رجل مبتدع وليس متبع للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم – حيث كان رسول الله يصلي إلى آخر صلاة في حياته حتى إنه كان يهادى –يسند- بين الرجلين حتى يقام في الصف -صلى الله عليه وسلم- . وكان –صلى الله عليه وسلم-يوصي بالصلاة وهو في الرمق الأخير من حياته فكان يقول –صلى الله عليه وسلم- "الصلاة الصلاة ،وما ملكت أيمانكم ".
وقد سئل الإمام الجنيد عن أناس يقولون أنهم قد وصلوا إلى قمة الولاية وبذلك قد سقط عنهم العمل فقال :لو عشت ألف عام ما تركت شيئاً مما أعمل .
وكل الصحابة والتابعين ما كانوا يعلمون هذا القول الفج المنكر الذي يدعوا إلى ترك عبادة الله فقد ظلوا يعبدون الله مخلصين له الدين إلى آخر لحظة في حياتهم ،إذن فهذا القول الذي يدعوا إلى ترك العمل هو قول باطل جملةً وتفصيلاً ،وأوضح دليل على أن صاحبه متبع للشيطان تاركاً لطريق الرحمن ورسوله وصحابته الكرام.
4)السحر:هو أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رجل فاسق ليمد له في ضلاله.
وهو الذي يقوم به الفسقة والفجرة والكفرة معتمدين على بعض التمائم والعزائم والطلاسم التي هي عبارة عن رسومات وكلمات غير مفهومه حتى وإن خالطها بعض آيات القرآن فإن الشرك في الكلمات غير المفهومة ،فعندما تعلم الشياطين كفره تساعده على بعض الأعمال وتخرق له العادة –ولكن في حد معين لا يصل إلى المعجزة – وهذا الرجل يكون بعمله هذا قد خرج من الإسلام لأنه أشرك الجن بعبادة ربه فدعاهم وذبح لهم واستعان بهم .
5) الاستدراج : هو أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رجل فاسق على وفق مقصوده استدراجاً له .
وهذا يكون لبعض الناس الذين ينعم الله عليهم فلا يشكروه ، ويتمادوا في عصيانهم ولذلك يقال : " إذا رأيت العبد ينعم عليه وهو يتمادى في عصيانه فاعلم أنه مستدرج " و الاستدراج هو أن يستدرجهم الله –سبحانه وتعالى – كما يقول {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } الأعراف182 فتجد بعض الناس تفتح لهم الأبواب المغلقة مع أنه عاصي لربه غير ملتزم بحدوده وكلما زاد في طغيانه زاد الله في إعطائه مصداقاً لقوله تعالى {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً *فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }الطارق17
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102 وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم –" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "
فإن الله يمده ويمده حتى إذا أخذه لم يفلته .
6) الإهانة :هو أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رجل فاسق على عكس مقصوده إهانة له .
وهذا كما كان يحدث لمسيلمة الكذاب حيث أنه كان يتفل في عين المريض فتعمى الأخرى ، فهذا خرق للعادة ولكن على عكس مقصوده ،فإن الله قد أجرى على يديه هذا الأمر الخارق للعادة لكي يهينه أمام الناس الذين قد صدقوه وظنوه نبياً.