بقلم: د. حسن المرسي
صُنع المعروف وخدمة الآخرين عبادةً كسائر العبادات، يلزمها ما يلزم العبادات من آداب، وعلى رأس هذه الآداب:
(1) الإخلاص لله تعالى:
فمعظم الصالحين كانت صنائعهم للمعروف بينهم وبين الله، وكشفتها ريح الأيام وإرادة الله لنا، يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى.."، وعن الزبير ابن العوام قال: قال صلى الله عليه وسلم:"مَن استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل".
(2) موافقة الشرع:
فلا إعانة في محرَّم ولا خدمة في معصية، وما أكثر أبواب الإعانة والإغاثة المشروعة.
(3) التعجيل والتيسير وعدم المن:
قال الماوردي: ينبغي لمَن قدر على ابتداء المعروف أن يعجِّله، فإنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه ولا يمهله ثقة القدرة عليه، فكم من واثقٍ بقدرةٍ فأتت فأعقبت ندمًا، ومعوِّل على مُكنة زالت فأورثت خجلاً، ولو فطن نوائب دهره وتحفَّظ من عواقب فكره لكانت مغارمه مدحورة ومغانمه مجبورة.
وقيل للمعروف خصال ثلاث: "تعجيله.. وتيسيره.. وعدم المنِّ به"، فمن أخلَّ بواحدة، فقد بخس المعروف حقه، وسقط منه الشكر، ويقال: لكل شيء شرف، وشرف المعروف تعجيله، وفي المثل "خير البر عاجله".
وقد قيل: من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها.
إذا هبَّت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقةٍ سكون
(4) عدم انتظار الشكر عليه:
ذُكر أن امرأةً جاءت إلى الليث بن سعد، وفي يدها قدح، فسألت عسلاً وقالت: إن زوجي مريض، فأمر لها براوية- إناء كبير عن القدح- عسل.
فقالوا: يا أبا الحارث إنما سألت قدحًا، وكان يكفيها.
قال: هي سألت على قدرها، ونحن نعطيها على قدرنا.
(5) أن يحركه حب الخير لا حب الثناء والشكر:
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾ (الإنسان) ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾ (الكهف: من الآية110).
(6) أن يُقدِّم المعروف إلى كل الناس:
د. حسن المرسي
الحقيقة أن المعروف وإغاثة الملهوف لا تعرف ملةً ولا مذهبًا ولا موطنًا، ولكن هي تجري إلى كل الناس.
يقول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-:" اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله".
وكان أسماء بن خارجة يقول: "ما أحب أن أردُّ أحدًا عن حاجة؛ لأنه إن كان كريمًا أصون عرضه، وإن كان لئيمًا أصون عنه عرضي".
(7) لا تنتظر طلب المعروف:
ولكن ابدأ وبادر به، يُحكى أنه قصد رجلٌ صديقًا له، فدَّق عليه الباب، فخرج إليه وسأله حاجته فقال: عليَّ دينٌ كذا وكذا، فدخل الدار وأخرج إليه ما كان عليه من دين، ثم دخل الدار باكيًا، فقالت زوجته: هلا تعللت له حيث شقَّت عليك الإجابة؟- ظنَّتْ أنه يبكي على هذا المال الذي أعطاه إلى صديقه- فقال لها: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إليَّ وسألني!.
وسأل معاوية الحسن بن علي- رضي الله عنهم- عن الكرم فقال: هو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والرأفة بالسائل مع البذل والعطاء.
(8) يستحب أكثر في أوقات الشدة وحاجة الناس:
كما في قوله تعالي: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)﴾ (البلد).
استراحة
القرآن أمر بالمعروف في مواضع شتَّى في الحياة:
1- في المعاشرة الزوجية.. قال الله تعالى ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية 19).
2- في الإمساك.. قال تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ (الطلاق: من الآية 2).
3- في الفراق.. قال تعالى: ﴿فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ (الطلاق: من الآية 2).
4- وأن يكون في القول.. قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾ (النساء: من الآية 5).
5- والمصاحبة في الدنيا.. قال تعالى: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان: من الآية 15).
6- أفضل الصدقة.. قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ (البقرة: من الآية 263).
أقوال في المعروف:
- يقول بن عباس: "سادات الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء".
- ويقول الإمام علي بن أبي طالب: "أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه، وأحسن ما في اللئيم أن يكفَّ عنك أذاه".
- ويقول: "لا تستح من عطاء القليل فالحرمان أقل منه".
- قيل للحسن بن سهل: لا خير في السرف، فقال:"لا سرف في الخير".
- وقال بعض السلف: "منع الموجود سوء ظن بالمعبود".
البر والمعروف في الأمثلة:
- في المثل الهندي: "البر هو الصديق الوحيد الذي يرافق الإنسان في رحلته إلى الحياة الأخرى".
- في المثل الفرنسي: "دموع البذل تغسل الخطايا".
- في المثل الإنجليزي: "الإحسان لا يُفقر، والسرقة لا تغني"، وآخر "الإحسان المتكلِّف لا يستحق الثناء".
- في المثل الأمريكي: "من السهولة أن تجود بمال غيرك".
- من المثل اللاتيني: "العبرة في المعروف ليست في مادته أو قيمته أو في مَن تلقَّاه، بل نية من صدر عنه وطريقته".
- يقول أفلاطون: "لا تؤخِِّر إنالة المحتاج إلى غد، فإنك لا تدري ما يعترض لك غدًا".