ابن أم الحسن:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا شاب، وحاليًّا في فترة الخِطبة، فقد وفقني الله بأخت ملتزمة، وبعد فترة قصيرة سوف نكتب كتابنا إن شاء الله.. والسؤال: ما الفرق بين فترة الخِطبة وكتب الكتاب؟ وهل لا مانع من التقرب منها كأن أصافحها وتعانق يدي يدها.. وهل هذا مناسب في تلك الفترة حتى نقترب من بعضنا، وهل هذا له تأثير سلبي على خطيبتي أم لا؟... وجزاكم الله خيرًا.
يجيب عن الاستشارة مرفت محمد الاستشاري الاجتماعي في "إخوان أون لاين"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم..
الله عز وجل شرع الزواج (وسيلة) بهدف تكوين أسرة صالحة لتكون لبنةً من لبنات المجتمع المسلم، والذي يحقق الهدف الأسمى إعمار الأرض، ولعظم الهدف عُظمت الوسيلة، فالله عز وجل أخذ على الزوجين ميثاقًا غليظًا؛ إنه عقد الزوجية، كما أخذ الله ميثاقًا غليظًا من النبيين، وهذا الميثاق الغليظ (الزواج) له خطوات:-
* الخِطبة
* العقد
* البناء
الخطبة
هي وعد بالزواج فقط، فالطرفان لا يزالا أجنبيين؛ فلا يجوز لهما الخلوة؛ أي لا يجوز لهما أن يكونا في مكان بمفردهما، ولا يجوز في تلك الفترة اللمس أو ما شابه ذلك؛ ولا أي سلوك يثير المشاعر، كما لا يجوز التعبير عن المشاعر بشكلٍ صريحٍ، ولا حتى التهادي بهدية تُثير المشاعر.
والتقرب في هذه الفترة عن طريق التعارف الجيد على العادات والطباع ومحاولة معرفة الإيجابيات والسلبيات لكلٍّ منكما، ولأن زيادة الارتباط في هذه الفترة يكون بتحكيم العقل حتى لا يخفى عليكما الطباع الحقيقية، فالتقرب عن طريق إظهار المشاعر بالطريقة التي ذكرتها أولاً حرام في هذه الفترة، كما أنها تعمي الإنسان عن رؤيةِ الحقيقة في شريك حياته، وهذا ما يُفسِّر لنا حالات الطلاق التي تحدث في الشهور الأولى من الزواج؛ لأن الطرفين اعتقدا أنهما بالتقارب الذي حدث بإظهار المشاعر (باللمس والقبلات وغيرها من السلوكيات التي تُثير المشاعر)؛ يكون قد حدث التآلف الذي يؤهل للزواج، وهذا شعور خاطئ؛ فالخطبة فترة تحكيم العقل، ويكتفى فيها القبول والرضا، ولا يجوز إظهار المشاعر بصورةٍ واضحةٍ ومثيرة.
الهدف منها التعارف الجيد ليس فقط للطرفين، بل يجب أن يتعارف الأهل بشكلٍ جيد حتى يستطيع الزوجان تحمُّل مسئولية الزواج، ويكونا قادرين على إسعاد أنفسهما.
ويجب ألا تطول فترة الخطبة، وإن طالت لسببٍ ما فيجب التقليل من الزيارات على أن تكون وفق حدود الشرع؛ أي ليس فيها خلوة، فيجب حضور محرم كالأب أو العم أو الخال أو الأخ البالغ وليس الطفل الصغير.
احذر يا أخي من اقتراف ما يُغضب الله في تلك الفترة، واحرص على أن يتم الزواج، وكل منكما في اشتياقٍ إلى الآخر، وإن لم يتم الزواج لأي سبب، فلتحمد الله أنك لم تسئ إليها ولا إلى نفسك، ولم ترتكب حرامًا، ولم تتصرف تصرفًا خاطئًا، ويمكنك الشعور بالسعادة في تلك الفترة بالرغم من التضييق الشرعي.
العقد
هو الفترة التي يتم فيها التعارف والتقارب، وتستطيعا أن تُظهرا مشاعركما بشكلٍ أكثر وضوحًا، ولكن أيضًا بحدود أولاً: مراعاة مشاعر الأهل الأخ والأب والأم، والأخوات، فلا يجوز فعل شيء يخدش حياء الأخوات ويُغضب الأبوين، ويُسبب لهما الغيرة والخوف على ابنتهم.
ثانيًا لا يجوز الدخول بها إلا بعد إعلام الأهل وإشهار ذلك، ولا يكون ذلك إلا من خلال بيت الزوجية، ويجوز الجلوس معًا والخروج لاستكمال تجهيزات بيتكما، وأيضًا أنصحك بألا تطول فترة العقد.
وفترة العقد من أمتعِ الفترات؛ حيث يتم التقارب بشكلٍ أكبر، ويتعمق التفاهم وتزداد الألفة ويحرص كل طرفٍ على مشاركة الآخر أفكاره أفراحه وأتراحه، وكلما كانت الصراحة والوضوح وسيلتكما كان الحب والتفاهم والتكامل والسعادة الزوجية ثماره.
فأنت أثناء الخطبة يجب أن تتحكم في مشاعرك حتى لا تُثار الشهوات التي لا تهدأ إلا بالزواج.
وفي مرحلة العقد- كما أشرت سابقًا- يمكن أن يكون التعبير عن المشاعر بشكلٍ أوضح ولكن بحدود، وتستكمل قمة المتعة والسعادة بالبناء.
البناء
وهي المرحلة الأخيرة، والتي يتم بها الانتقال إلى بيت الزوجية، ويكون فيها الإفضاء، يقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ (النساء: من الآية 21)، الإفضاء أي العطاء والحب والتقارب والتكامل، قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ (البقرة: من الآية 187).
وأخيرًا.. أدعو الله لكما بالسعادة والهناء في ظلِّ طاعة الله، واعلم- يا أخي- أن حدود الله عز وجل هي الحافظة للإنسان من كل شر، وحتى مرحلة البناء نظَّم الشرع العلاقة بين الزوج وزوجته من حيث سقف الحرية لكلٍّ منهما وحتى العلاقة الحميمة بين الزوجين لها إطار في الشرع، وكذلك الحرية للزوجة أن تتصرف في مالها الخاص، وكذلك أُطر تربية الأولاد، فحياة الإنسان يجب أن تكون تحت مظلة الشرع حتى تتم سعادته، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام).