تكمن أهمية الموضوع اليوم في حساسيته وكثرة التعرض له، وهو وإن تجاوزه البعض في خاصة نفسه إلا أن الكثير لم يتجاوزه في ذريته أومن حيث هو مستشار فيه ومؤتمن عليه.
وتكمن أهميته أيضاً من حيث ما يترتب عليه في العاجل والآجل من صلاح المجتمع أو فساده، فعن طريقه يتكون المجتمع على أساس صحيح أو أساس باطل.
ومن المعلوم لديكم - حفظكم الله - أن المجتمع يتكون من الأسر، والأسر تتكون من الأفراد، كالبناء الذي يتكون من الأساس واللبنات، وبقدر قوة الأساس وقوة اللبنات وانتظامها، يكون البناء صرحًا شامخاً، وحصنًا راسخًا، كذلك المجتمع الإنساني إنما يكون صالحاً بصلاح الأسر التي يتكون منها، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلمالمجتمع المسلم بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا، وبالجسد الواحد الذي يتألم كله بتألم عضو من أعضائه، ولهذا عني الإسلام عناية تامة بتكوين الأسرة المسلمة، واستصلاحها، وبنائها على أسس سليمة، ولما كانت كوين الأسرة يبدأ من اتصال الذكر بالأنثى عن طريق الزواج، أمرالشارع باختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة.
إن الاختيار السليم من الزوج لزوجته، وأيضاً من قبل الزوجة لزوجها يترتب عليه أمور كثيرة جداً، لسنا بصدد الحديث عنها، لكن من أهمها سلامة المجتمع وكماله بسلامة الأسر وكمالها، فمن الأسر يتكون المجتمع، ولم تقتصر توجيهات الشرع في هذا الجانب على الوصية بالدين فقط، كلا، بل إن الشارع الحكيم نظر إلى كل شيء هو في صالح طرفي عقد النكاح دينياً ونفسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلا حجة لزاعم أنه حريص على ابنته وتأمين مستقبلها في تركه توجيهات الشرع الكثيرة في جانب الاختيار ذلك أن الشارع الحكيم أحرصُ من هذا الرجل على ابنته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فهذه أسس نوصي بها الزوج في اختياره لزوجته، وأسس أخرى نوصي بها المرأة ووليها وكل من له علاقة في شأن المرأة، ولعلي أبادر إلى الدخول في الأسس والمعايير التي يوصى بها الزوج عند اختياره لزوجته،فمنها:
أولا:ًالدين،
*********
قال تعالى: ﴿وَلَا تَنكْحُِوا المُْشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤِْمَّن وَلَأمََةٌمُؤْمِنةٌَ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وََلْو أَعْجَبَتكُْمْ﴾ البقرة: ٢٢١ ، وقال تعالى:﴿وَالطَّيِّبَاتُ للِطَّيِّبيِنَ وَالَّطيبِّوَُن للِطَّيِّبَاتِ﴾ النور: ٢٦ ، ولقد عدد النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي تنكح المرأة لأجلها ثم أوصى بالظفر بذات الدين"" تُنكَْحُ المَْرْأَةُ لأَرْبَعٍ لماَِلِهاَ وَِلَحسَبهَِا وَِلجمَالِهَا وَلِدِينهَِا,فَاظْفَْر بذَِاِت الدِّيِن تَرِبَْت يَدَاكَ"".
ومع كثرة ما في هذه الدنيا من متعة وأنس خص النبي صلى الله عليه وسلم من بين متاعها وأنسها شيئاً واحداً هو المرأة الصالحة فقال :""الدُّنْياَ مَتاَعٌ وَخَيْرُ متاَعِ الدُّنْياَ المَْرْأَةُ الصَّالَِحةُ ""
إنه كلما عظم عقل الإنسان ازداد قناعة بأهمية المرأة الصالحة، لأنها والله شراكة عُمُر وتربية أولاد وصيانة ديانة وحفظ أمانة، لا يليق أن يكون فيها غير القوي الأمين صاحب الدين المتين والخلق القويم.
ومن معايير اختيار الزوجة أيضا،ً أن تكون ودوداً، ولوداً ويعرف ذلك من أهل بيتها، وإذا تيقن أن المرأة لا تلد بزواج سابق ونحوه فإنه لا يتزوجها إلا من هو مثلها، عْن مَْعِقِل بِْن يَسَارٍ قَالَ:"" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهَِّ صَلَّى اللهَُّ عَلَيْهِ وََسلََّم فَقَالَ إِنِّي أَصَبتُْ اْمَرأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنصِْبٍ إلَِّا أَنهَّاَ لَا تِلُد أَفَأَتَزَّوجُهَا فنهََاُه ثمَّ أَتَاهُ الثاَّنيَِةَ فنهََاُه ثمَّ أَتَاهُ الثاَّلثِةََ فَنهََاُه فقَالَ تَزوَّجُوا اْلوَُلوَد اْلوَدُوَد فَإنِِّي مُكَاثرٌِ بكُِمْ """.
وقال صلى الله عليه وسلم: ""خَيْرُ نسَِائِكُُم اْلوَدُوُد اْلوَُلوُد المَْوَاتيَِةُ المُْوَاسَِيةُ إذَِا اتَّقَيْنَ اللهََّ""
فالوصية المبذولة لكل شاب أن يتزوج المرأة الودود الولود؛ لأن في ذلك تحقيقاً لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم في مكاثرة الأمم بأمته.
ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً، الجمال وحسن المظهر
****************************************
وهو أمرفطر الله النفوس على الرغبة فيه، وهي رغبة شريفة لا يلام عليها الإنسان وجاءت أصول الشرع مؤيدة لها، فالله جميل يحب الجمال، ولم تشرع رؤية الرجل لمخطوبته إلا والتأكد من الجمال من أهم مقاصدها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل تزوج امرأة من الأنصار:""هَلْ نَظَرْتَ إلَِيْهَا فَإنَِّ فِي عُيوُنِ الْأنَْصَارِ شَيْئاً""
و"" قِيلَ لَِرسُولِ اللهَِّ صَلَّى اللهَُّ عَلَيْهِ وََسَّلَم أَيُّ النسَِّاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إذَِا نَظَرَ وَتُِطيعُهُ إذَِا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَْكَرُه ""
لكن الأمر الذي ينبغي أن يعلم ويتنبه إليه جيداً هو أن الجمال أمر نسبي لا تترك النساء بسببه وتختلف فيه وجهات النظر كثيراً كثيراً، والحديث عن الجمال يدعونا إلى ثلاثة تنبيهات مهمة:
أحدهما: بسبب تفاوت الناس في معيارية الجمال فإن ما لا يعجب الأهل قد يعجب الشاب، وما لا يعجب الشاب قد يعجب الأهل، وصاحب القرار هو المتزوج،وعليه فإنا نقول: الأولى أن يكون النظرخاصاً بصاحب الشأن ولا تتدخل النساء في الموضوع، فكم تُركت من فتاة جميلة صالحة بسبب نظرات تعسفية من بعض النساء ثم يتزوج الشاب صاحب الشأن امرأة مثل التي ترك أو أقل منها مستوى، فلماذا لا يترك الأمر لرؤيته أولاً ثم رؤية أهله تبعاً.
الأمر الثاني: نقول ومن الجمال شيء معنوي لا علاقة له بظاهر المرأة وشكلها بل هو كامن في خلقها وطبعها وإليه الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:""خَيْرُ نسَِائِكُُم اْلوَدُوُد اْلوَُلوُد المَْوَاتيَِةُ المُْوَاسِيَةُ إذَِا اتَّقَيْنَ اللهََّ"" فهذا جمال في الطبيعة، وهو أمر معتبر جداً عند الرجال؛ فالرجل لا يحب المرأة المترجلة ولو كانت جميلة، بل يريد المرأة الرقيقة الودود المواسية المواتية. وكذلك الرجل لا يحب امرأة تخالفه في كل شيء وتراغمه في أهم مزاياه وهو جانب القوامة عليها، فهي لا تطيعه إذا أمر، وإذا غاب عنها لم يأمنها على نفسها أو ماله أو ولده، فهذه لا يرغبها الرجل ولو كانت جميلة بل يرغب المرأة التي تكون أقل منها جمالا في الشكل إذا كان يتوفر فيها الجمال المعنوي المذكور، وما ذكرته لكم في الجمال المعنوي أمر يخفى على كثير من الناس فيجب تنبيه الشباب عليه وتعليمهم به، وتوضيح الموازين التي يعرفها المجربون من الذين تزوجوا قديماً وعرفوا المرغوبات الحقيقة للرجال.
ثالث التنبيهات: نقول فيه: ولأن طلب الجمال أمر فطري فنقول لك يا أيها الشاب سل عن جمال المرأة قبل أن تسأل عن دينها.
سيقول قائل: سبحان الله يسأل عن الجمال قبل الدين و النبي صلى الله عليه وسلم يقول:""فاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ""
نقول نعم: ينبغي أن يسأل عن جمال المرأة قبل سؤاله عن دينها- وذلك إن أراد الدين والجمال معا - ودليلنا في ذلك هو هذا الحديث
الذي احتججت به، فكيف احتججنا به ؟
نقول: إن المرء الراغب في الزواج إذا سأل عن ذات الدين فوجدها ثم سأل عن جمالها فلم يعجبه ثم تركها بسبب الجمال، وهي ذات دين يكون قد وقع في مخالفة المنهج النبوي وهو الظفر بذات الدين.
ولكن نقول له: ابحث عن ذات الجمال والدين فإذا صلح لك جمالها فسل عن دينها جيدا فإذا كانت ذاتَ دين فتوكل على الله وخذها،
وإن لم تكن ذات دين فتوكل على الله ودعها إذا كنت لم ترغب فيها،ويكون المؤثر في هذه الحال هو الدين وتكون بذلك قد عَملت بوصية النبي صلى الله عليه وسلم:""فاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ""وهذا هو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
أيها الشاب، ولا يستخفنك بعد وجود الجميلة غير الديّنة من يشجعك على الزواج منها فإنك تكون بذلك قد خالفت الوصية.
ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً: >>>>>
البكارة في المرأة إذا كان الشاب بكراً
****************************
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ :""تزََّوجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بكِْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ أَفَلَا جاِرَيةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَِاعبُكَ"" وفي رواية :""مَا لَكَ وَللَِْعذَارَى ولعَِابِهَا"" فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم جابراً بنكاح البكر وكان شاباً لم يتزوج، أما الرجل المتزوج الذي يريد أن يعدد أو الشيخ الكبير الفاني فلم يوصهم النبي بنكاح الأبكار إلا في وصية عامة عندما قال
:""عَلَيكُْمْ باِلْأبَْكَارِ فَإنَِّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى باِلْيسَِير""
ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً:
اليسر وقلة المؤونة
***************
قال صل الله عليه وسلم :""خَيْرُ النكَِّاحِ أَيْسَُرُه"" وقال: ""إنَِّ مِنْ يُمْنِ المَْرْأَةِ تَيسِْيرَ خِْطَبتهَِا وَتيسِْيرَ صََداقِهَا وَتيسِْيرَ رَحِمِهَا""
ونهى النبي عن المغالاة في صدقات النساء لأن المسألة ليست
تجارة وليست بيعاً، ولما سئل سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله عن قوله : (خير النساء أيسرهن مهورًا) ( ٢٧ ) فقيل له: كيف تكون حسناء ورخيصة المهر ؟ فقال: يا هذا، انظر كيف قلت؟ أهم يساومون في بهيمة
لا تعقل ؟؟ أم هي بضاعة طمعُ صاحبها يغلب على مطامع الناس ثم قرأ: ﴿َوِمْن آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أْزَواجًا لتِسَْكُنوُا إِلَيْهَا وجَعَلَ بَيْنكَُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَِّ فِي ذَلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الروم: ٢١ ، ثم قال رحمه الله: إنه إنسان مع إنسانة، وليس متاعًا يطلب مبتاعًا. ا.ه.
ومن معايير اختيار الزوجة أيضاً :
أن يختار المرأة التي نظر إليها
**********************
حتى ولو بلغه من شأن المرأة ما بلغه، فإن هذا لا يغني عن النظر، وليس مقصود النظر هو المعرفة عن حالها فقط بل إنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :""أَحْرَى أَنْ يُْؤَدمَ بَيْنكَُمَا"" وعن المُِْغيَرِة بْنِ شُعْبَةَ قال صل الله عليه وسلم :""خَطَبْتُ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهَِّ صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وسَلََّم فَقَالَ النبَِّيُّ صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وَسلََّم: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَانُْظْر إلَِيْهَا فَإنَِّهُ أَجَْدرُ أَنْ يُؤَْدمَ بَيْنكَُمَا ""
وعَنْ جَابرِِ بْنِ عَبْدِ اللهَِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهَِّ صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وَسَلََّم:""إذَِا خَطَبَ أَحَدُكُمْ المَْرْأَةَ فإنِْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنظُْرَ إلَِى مَا يَدْعُوهُ إلَِى نكَِاِحهَا فَلَْيْفَعْل""
فالسنة أن ينظر الرجل إلى مخطوبته ليزيل بذلك قدراً كبيراً من الحواجز بين المرأة وزوجها، ويكون أدعى إلى الرغبة من الطرفين، وهذا هو المقصود بقوله:""يْؤَدمَ بَيْنكَُمَا"".
وإلى أي شيء ينظر منها ؟
********************
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا ينظر منها إلا الوجه والكفين، وذهب الإمام أحمد والأوزاعي إلى أنه ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها مما يظهر منها غالباً، وهذا هو المعمول به عند الأكثر، وهو الأقوى دليلاً لقوله في الحديث المتقدم :""فَإنِِ اسْتطََاعَ أَنْ يَنظُْرَ إلَِى مَا يَدْعُوهُ إلَِى نكَِاِحهَا فَلَْيْفَعْل"" ولا شك أن ما يدعوه إلى نكاحها أمر زائد على الوجه والكفين بل ما يظهر منها غالباً من الوجه والشعر والعنق وأعلى الصدر وأطراف اليدين والقدمين من الأمور التي تظهر منها غالباً .
وهذا النظر الذي أبيح قبل العقد للحاجة والمصلحة الراجحة له ضوابط تضبطه كيلا يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها.
فمن هذه الضوابط: أمن الفتنة عليهما.
ومن الضوابط ثانياً:عدم الخلوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:""لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فإنَِّ الَّشيطَْانَ ثَالثِهُُمَا""
ومن الضوابط ثالثاً: أن يكون الخاطب عازماً على الزواج، وقد سأل وتحرى عن كل شيء، فلم يبق له إلا النظر، أما أن يستغل ذلك بعض الشباب للاطلاع على مكنونات البيوت، وكسر قلوب العذارى،
فلا تنظر أيها الشباب إلا بعد أن تكون عازماً على الزواج من هذه المرأة ولم يبق لك إلا التأكد من جمالها وتطبيق السنة في النظر إليها لأنه أحرى أن يؤدم بينكما.
تلك أسس في اختيار الزوج لزوجته تنبغي مراعاتها من قبل الراغبين في
الزواج وذويهم