" نفاق ومنافقون "

" نفاق ومنافقون "

النفاق أسهل الطرق لمعاداة الله وهو أكثرها أمانا في مواجهة الناس، إذ أن النفاق هو "القول بالفم بما لا يطابق المستور في القلب والنية"، والناس تصدّق، أو تود أن تصدق، ما يقال بالفم، ويعلم الله وحده ما نخفي وما نضمر في قلوبنا. ونحن، نحب أن نصدق ما يطلي علينا وقارا أو قوة أو عَظَمَة

وكثير منا منافقون، وأخشى أن أقول أن أغلب أغلبيتنا منافقون، منافقون في أمور دنيانا ومنافقون في أمور ديننا. يندر أن يوجد اليوم على وجهه الأرض رجلا أو امرأة لم "يمارس" النفاق، أقول "يندر" فربما يوجد في مكان ما قوم لم يعرفوا النفاق قط.

الكذب نفاق، والمجاملة على غير الحق نفاق، والتبجيل لما لا يستحق التبجيل نفاق، والشكر على بغي نفاق، ونقض العهد في النية عند العهد نفاق، وقول الزور للوصول لغاية أو غرض نفاق، والوعد الكاذب نفاق، وتوقير الفاسد نفاق، وصلاة المُرْتشي نفاق، وخطبة الإمام الساكت على الظلم البين في بيته نفاق، ومبايعة المنافقين نفاق وكل ما قيل من الفم أو كتب باليد مخالفا لنية وسريرة قائله أو كاتبه هو نفاق مما قال الله فيه:

"يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ"

لماذا نغضب ، إذَن، وننتقد ونسخر من أحوالنا ومما وصلنا إليه من سوء المكانة وضعف الحال؟ لِمَ يٌلقي، كلٌ منّا، باللومِ على حاكم وسياسة وحدث وعدو وصديق "مرتد" أو "كافر". لم ننعت الآخرين بالكفر ، ونقيم مُصرين على ما نحن فيه وكأن الله سبحانه وتعالى قد أعطى لنا تصريحا بذلك "على بياض"، أي بغض النظر عن صدقنا أو نفاقنا.

أغلبنا لم يأكل لحم الخنزير أبدا بل وأن البعض لا يعرف شكله، وأغلبنا لم يشرب نقطة خمر في حياته، ولكننا لم نتوانى، في كثير من اللحظات الحرجة في حياتنا أن نتملق شيخا من شيوخ البترول لجاهه وماله ولفرصة عمل في أرضه ومارسنا من أجله أحط أصناف النفاق المتوافرة في السوق. لم نتوانى عن التصفيق والإعجاب المبالغ فيه لرئيس (رئيسنا في العمل أو رئيس الدولة) وفي أغلب الأحيان لتفاهة أو فساد.

- والله عندك حق يا سعادة الباشا
- ياسلااااااام، بقك بينقط عسل والله ياشيخ، الله يفتح عليك كمان وكمان
- بالروح بالدم نفديك ... يا مش عارف ايه
- رقبتي فداك يا معلم
- مظبوط يافندم، تمام يافندم رغباتك أوامر يا سعادة البيه
- وهلم جرا

نحن نتجنب الكبائر، ما ظهر منها ولا نفكر حتى في أن ما بطن منها هو أشد أثرا في الدنيا وفي الآخرة.

تتداول الرشوة، البعض منا يعطيها والبعض يأخذها، ويتبختر الفساد الإداري في العديد من أروقة المعاملات في البلاد العربية، فَمَنْ هُم هؤلاء الذين لا يشربون الخمر ولا يأكلون لحم الخنزير ولا يقربون الميسر؟ ولكنهم يأكلون الرشوة وكأنها زكاة الفطر؟ هم نحن أو أبناءنا أو أخواتنا أو إخوتنا أو أبناء وبنات عمومنا وعماتنا وخالاتنا أو آبائنا أو أمهاتنا أو أزواجنا أو أقارب أزواجنا أو زملاء عملنا. نحن، كمجموع وكأمة، كَصُحْبة أو عائلة، كبلد أو حي من أحيائه، نحن الذين نأكل الرشوة في إفطارنا وسحورنا وعلى وجوه الكثير منا "زبيبة" الصلاة والسجود.

نحن قوم منافقون، نقول كثيرا بأفواهنا مالا تصدقه قلوبنا وأفعالنا. أصبح نفاقنا عادة من عاداتنا وطريقة حياة نتداولها ونعلّمها لأبنائنا وبناتنا دون أن نشعر ودون أن نفكر في أن أكل لحم الخنزير ليس بالكبيرة التي يجب اجتنابها فقط، فالنفاق والكذب والرياء وقول الزور ونقض العهد هم أساس الضلال والفشل، وأن هواننا على العالمين قد بات شيئا حتميا لأننا نرضى، في كل يوم ألف مرة، نفاق المنافقين ونفاق أنفسنا.

وإنها لكبيرة. نعم، كبيرة هي عملية التحول. أن نبدأ في الإقلاع عن النفاق والكذب والرياء وقول الزور ونقض العهد والرشوة والسرقة. أن نقلع عن التبجيل والتصفيق والهتاف والقسم باسم الله عز وجل في الصغائر. أن نبدأ في قول الحق أو الصمت دون ابتسام وألا ننصر الظالم على الضعيف لغايةٍ لنا. أن نتعلم التعرف على الحق وأن نسميه حقا لو كان كذلك، وأن نتعرف على الباطل لو كان كذلك ونقصيه جانبا.

قد يكون الإقلاع عن التدخين أمرا صعبا، والكثيرون يستطيعون ذلك بفضل التصميم والعزيمة والرغبة الصادقة في ذلك، ولن يكون الإقلاع عن النفاق أو عن الكذب بأكثر من ذلك مشقة فذلك هو أول ما ينبغي علينا أن نمارس في مواجهة أنفسنا الأمارة بالسوء.

أما كيف يكون ذلك فبسيط وسهل، ولعل الإقلاع عن النفاق أسهل بكثير من النفاق نفسه، فلكي تكون منافقا يجب عليك التفكير واختيار ما يجب عليك أن تقول لتسعد سامعك، أما العكس من ذلك فلا يكلفك إلا قول ما يصدقه قلبك أو أضعف الإيمان: أن لا تقول شيئا البته.

أتخشون الناس؟ أم تخشون الخالق عز وجل؟

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ

تعالوا نمارس الصدق التام دون خوف، ولو على صفحات المنتديات، فبمكان ما لابد وأن نبدأ، وإن لم نبدأ في التغيير فلنصمت عن نقد الآخرين ولنتقبل الذل والهوان.

خاتمة :

نافقت وكذبت لسنين عدة في حياتي ، وعاهدت نفسي أن ابتعد بها عن النفاق وعن الكذب قدر المستطاع، وبدأت، كلما أردت الإجابة عن سؤال ما، أردد في ذهني: "قُلْ الحقيقة وأشرح الأسباب كما هي، دون أن تلتمس لنفسك عذرا".

كنت إذا ما وصلت متأخرا عن موعد قد ضربته ، أَخْتَرع الأسباب والقي باللوم على الطريق مرة وعلى مشاكل المرور مرة وعلى أسباب كاذبة مرة أخرى. اليوم أقول، إذا ما وصلت متأخرا، أنني قد رحلت متأخرا أو أنني نسيت الموعد وتذكرته في وقت متأخر والقي باللوم على نفسي فقط وأعتذر، فأشعر بأنني رجلا وأبدأ في احترام ذاتي وكنت قد فقدت كل احترام لها ، وهكذا فى باقى المعاملات .

ولكنه لم يتغير شئ بسبب البعد عن النفاق سوى شيء واحد فقط قد تغير،

أشعر اليوم أنني قادر على الفوز في أصعب المعارك التي تواجه الإنسان: حربه على مسكنته ، فلن أكون بعد اليوم تعسا حقيرا .

رائع يااحمد بارك الله فيك وربنا يرحمنا من النفاق والمنافقين كل سنة وانت طيب

أشكرك يا نجلاء على مرورك الكريم والعطر وعلى تقييمك الطيب للموضوع شكرا جزيلا .

بارك الله فيك ولك ، وجازاك الله - تعالى - خيرا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ووقانا الله - تعالى - واياكى شر النفاق والمنافقين ، وشر الظلم والظالمين ، وحماك سبحانه من كل مكروه وسوء .

وكل عام وانتى وعائلتك الكريمة بخير وسلام وأمان واطمئنان باذن الله ، وأعاد الله - تعالى - علينا وعليكم هذه الأيام المباركة بالخير واليمن والبركات ، انه - سبحانه - على كل شئ قدير ، ونعم المولى ونعم النصير .

بارك الله فيك اخى ...

موضوع أكثر من رائع ... النفاق عدو الانسان اللدود الذى يتغلغل بداخله دون ان

يشعر به ... والانسان المؤمن هو من يتغلب عليه ويقتله بايمانه وارادته .

» كيفية الا نفاق فى المجتمع
» شكر خالص بدون نفاق
» اهمية الا نفاق فى الاعمال الخيرية