أما المحطة الأولى فهي: الإذن بالزيارة: فإذا أردتَ أن تذهب لزيارة الملك في بيته العتيق فلابد من أن يأذن لك الملك سبحانه (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة:255).. ولكي تحصل على الأذن فلابد من أن تضرع إليه أن يقبلك في الزائرين و قد عايشتَ قوله تعالى (َ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60).. ولكي يسمع تضرعك فلابد أن تطيب مطعمك أما سمعتَ الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) فإذا بك تدرِّب نفسك على مفاتيح الخير- الدعاء وطيب المطعم- فرحت تصحبهما معك طوال الرحلة وبعدها فيما بقي من عمرك.
أما المحطة الثانية فهي: تلبية الدعوة: ها قد أذِن لك الكريم بالزيارة و أنتَ على شرف الدعوة وقد خصك دون غيرك, فرحت تدعوه أن يرزقك الإخلاص فيها (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة:5) وسعيتَ تجمع للرحلة أطيب مالك لعلمك عَنِ أبي، هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ قَالَيَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قَالَ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك) َرواه الدارمي ولرغبتك في أن يكون الرد عليك حال التلبية ( لبيك وسعديك زادك حلال، وراحلتك حلال, وحجك مبرور غير مأزور) ولخوفك من أن يكون الرد (لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور) فانطبع في نفسك أن صلاح الأعمال بصلاح النية وطيب النفقة فجعلتهما مطيتك في مسيرك إلى رضوان رب العالمين
المحطة الثالثة: دخول الموسم: لقد بلغتَ شهر شوال أول أشهر الحج فرحتَ تجهز ملابس الإحرام والزاد والراحلة فتهيأت نفسك وتجهزت روحك لرحلة قصيرة الأمد لا تدري أترجع بعدها أم لا (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (البقرة:281), وهنا يعتمل في نفسك سؤالٌ: هل تجهزت لرحلة السفر الطويل؟ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105) هل أعددتَ العدة ولازال لدي فرصة ؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (البقرة:254) ولسان الحال يجيب ( آهٍ من قلة الزاد وطول السفر )
المحطة الرابعة: دخول مكة: الآن أنتَ على مشارف مكة, ها هي حالة أخرى من التهيئة والاستعداد قبل الدخول بإحرامك من ميقات مكاني خارج مكة. . فتنتقل من حالة شعورية إلى حالة أخرى تعيش فيها عِظم الأمر الذي أنت مقدم عليه.. فتسأل الله أن يفتح عليك ويرزقك الإخلاص وحسن العبودية بصلاة ركعتين بعد الإحرام تصلي بسورة: الكافرون والإخلاص. فلما دخلتَ مكة البلد التي أقسم الله بها(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد:1) وحرَّمها إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا) (البقرة:126) وأحب بلاد الله إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدافَع حبها إلى قلبك وتناغمت مع أرجائها نفسك ودعوت بهذا الدعاء (اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وأمْنُكَ فَحَرِّمنِي على النارِ، وأمِّنّي مِن عَذَابِكَ يَومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ، وَاجْعَلْنِي مِن أولِيائِك وَأهْلِ طَاعَتِكَ، )ّ وذكرتك حب الأوطان والرغبة في إصلاح حالها وعلو شأنها ورفعت مكانتها.
المحطة الخامسة: البيت العتيق: لما وقعتْ عينك عليه راحت تنطلق في أرجائه هذه هي الكعبة , (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَشْريفاً وَتَعْظِيماً وَتَكْرِيماً وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِن شَرَّفَهُ وكَرمَهُ مِمَّنْ حَجَّه أو اعْتَمَرَه تَشْرِيفاً وَتَكْرِيماً وَتَعْظِيماً وَبِرّاً)، ها هو مقام إبراهيم (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) (آل عمران:97) ,هذا حجر إسماعيل ( يا رَبّ أتَيْتُكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ مُؤَمِّلاً مَعْرُوفَكَ فَأنِلْنِي مَعْرُوفاً مِنْ مَعْرُوفِكَ تُغْنِينِي بِهِ عَنْ مَعْرُوفِ مَنْ سِوَاكَ يا مَعْرُوفاً بالمَعْرُوفِ)"., ها هو الحجر الأسود ( بِسمِ اللَّهِ، واللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَاناً بِكَ وَتَصدِيقاً بِكِتابِكَ، وَوَفاءً بِعَهْدِكَ وَاتِّباعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى اللّه عليه وسلم)" فلم تملك نفسك إلا ودموعك منهمرة إجلالاً وخشوعاً لرب العالمين, إنها دموع التوبة والأوبة, وكأنك ترى الحبيب صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول لعمر( يا عمر هنا تسكب العبرات) هذا ولسان حالك يقول: يا رب أسكب لك العبرات خجلاً وندماً على ذنبي ومعصيتي وتقصيري, و يارب أسكبها رغبة إليك ورهبة منك, فيارب استجب دعائي كما استجبت لإبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وقد رفعا القواعد من البيت يقولان (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127) فتقبل يارب سائر عملي واقبل توبتي وأوبتي.
المحطة السادسة: الطواف حول البيت: وكأنه حالة من الذكر والتسبيح تذكِّرك طواف الأفلاك على عظمها و أجزاء الذرة على دقتها... والملائكة حول البيت المعمور في السماوات العلا كما جاء في حديث المعراج أنه قال صلى الله عليه وسلم (عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل: مَن أنت فقال: جبريل, قيل: ومن معك؟ فقال: محمد, قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه, ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم فإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم . . فتدرك أنه طواف يجعلك تتناغم مع الحالة التي عليها الكون من التسبيح لله رب العالمين (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فيتعمق في نفسك دوام التسبيح لذي الجلال والجمال والكمال سبحانه وتعالى في كل حالك وفي كل شانك فتحظى بحبه ورضوانه وأنت تعيش قول الحبيب ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ). ثم تدعو في الأشواط الثلاثة الأولى ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجّاً مَبْرُوراً , وذنْباً مَغْفُوراً، وَسَعْياً مَشْكُوراً ) ثم في الأربع التي تليها " اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمْ وَأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم، اللَّهُمَّ رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرة حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ". ثم بعد الانتهاء من الطواف. "اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكِ أتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وأعْمالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ، فاغْفِرْ لي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"