فوجئتُ صباحاً بأن فلان جارنا قد مات، تأثرتُ كثيراً بموته، فهو رجل كان في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، عاش حياته كلها بسيطاً لا يعرف إلا عمله وبيته، حتى أننا لم نسمع صوته في يوم من الأيام، ولكن ما جال بخاطري في هذا الوقت، هو أن ملك الموت كان بجوارنا، كان قريباً منَّا، ليس بينه وبيننا إلا بيتاً واحداً، كان مَلك الموت بجوار بيتنا جلس في شارعنا مدة بسيطة لقبض روح جارنا، فهو قريب جداً، لم يكن بيننا وبينه مسافات بعيده، ولا أوقات طويلة هذه فعلاً موعظة بالغة لمن يعتبر، ورقيقة حية لمن يتعظ، قد يكون ملك الموت بجوارك، قد يكون في بيتك لقبض روح أحد سكان البيت من أب عزيز أو أم غالية أو أخٍ حبيب، ولكن غداً سيأتي لقبض روحي أنا، نعم أنا. سيأتي يوم لي شخصياً بميعاد محدد، وميقات معلوم، لا يخطئ طريقه فهو يعلم إلى مَن يذهب، ولكن السؤال متى يأتي هذا اليوم ؟ هل في هذه الساعة التي أكتب فيها، أم في ساعة أخرى، قد أكون فيها آكلاً أو شارباً، قد أكون في عملي أو في وسيلة أركبها، قد يكون في بيت الله أو في الشارع أو في مسكني، قد أكون ذاكراً أو أكون عاصياً، قد أكون صائماً أو أكون مفطراً قد أكون نائماً أو أكون مستيقظاً. فما عليَّ إلا أن استعد لهذا اليوم، فقد أنذرني ملك الموت أكثر من مرة، فهو لا يأتي لقبض روح مَن كتب عليه الموت فقط، ولكنه جاء مذكِّراً واعظاً لمن حضر هذه المواقف. إننا مهما طال عمرنا، ومكثنا في هذه الحياة، فنحن راجعون إلى الله، تقبض أرواحنا، ونعيش سكرات الموت، وندخل القبر، ويسألنا الملكان، ونحن سائرون إلى مقعد إلى الجنة أو إلى مقعد إلى النار، ألا يستحق هذا الموقف الاتعاظ والاعتبار !. واللهِ لو تذكره كل حي لما رأينا هذه الحروب، ولا هذه المنافسات التي تحدث أمام أعيننا، لم يحدث ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، ولم يسلب أحد حق أخيه في الحياة، لانتشرتْ قيم الحب والرحمة والمساواة بين الإنسان وأخيه الإنسان، فنحن إن لم نتساو في الدنيا فحتماً سنتساوى في الآخرة. هذا ما جال في خاطري أولاً, أمَّا الشيء الآخر الذي جال في خاطري. هذه المفارقة الخطيرة التي تحدث لأهل الميت بعد موته فهم قبل الموت تراهم في حالة يرثى لها بكاء وصريخ فهم قد فارقوا إنساناً عزيزاً قد يكون أباً كريماً أو أماً غالية أو أخاً حبيبا ً أو زوجاً أو زوجةً، ولكن بعد مضي القليل ينقضي هذا الحال وتعود الأوضاع كما هي.. نعم هذه من رحمة الله أن ينسى الإنسان حتى يستطيع أن يعيش في هذه الحياة. ولكني أتأثر كثيراً وأسأل نفسي أليس هذا هو الأب الذي ضحَّى وتعب ؟! أليست هذه هي الأم التي ربَّت وسهرت ؟! أليست هي الزوجة التي قضينا معاً أجمل لحظات الحياة ؟!، وهذا مما يعطيني يقيناً أن الإنسان ليس له إلا الله – تبارك وتعالى – فهو أفضل من الأم والأب والأخ والزوج والزوجة، فمهما طالت مدة الإنسان أو قصرت، ومهما قضى الإنسان حياته طولاً وعرضاً، فليس له إلا الله – تبارك وتعالى – فهيا بنا نحسن في هذه الحياة، حتى نتشوق إلى لقاء الله، ويرضى ونرضى عن الله – تبارك وتعالى – " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) "