أقوال العلماء في الاستغفار
قال ابن تيمية: خاتمة المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». إن كان مجلس رحمة كانت كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغو كانت كفارة له. وقد روي أيضًا: أنها تقال في آخر الوضوء بعد أن يقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، وهذا الذكر يتضمن التوحيد والاستغفار فإن صدره الشهادتان ([1]).
* وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قوله: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة»:
هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ أو أنه إذا استغفر ينوي بالقلب أن لا يعود إلى الذنب؟
فأجاب: الحمد لله، بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الآخر: «لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار»؛ فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة وإذا تاب منها غفرت قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية([2]).
* وقال أيضًا: فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب ([3]).
* وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى: وجماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً
على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهي؛ فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه: ماذا أرادت بهذا، ولمن فعلته، وعلى أي وجه فعلته؟ ويعلم أنه لا بد أن يُنشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لمن فعلته، وكيف فعلته، فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة، وقال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 6]، وقال تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]؛ فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟!([4]).
* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد: التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسه؟
* وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى: الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل؛ فإن العابد لله والعارف بالله في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة يزداد عملًا بالله وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقها؛ فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، بل هو مضطر إليه دائمًا في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرات وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية والبدنية اليقينية الإيمانية، وقد ثبتت دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله من أولهم إلى آخرهم ومن آخرهم إلى أولهم ومن الأعلى إلى الأدنى، وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم وهم فيها درجات عند الله ولكل عامل مقام معلوم؛ فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله دقه وجله خطأه وعمده أوله وآخره وسره وعلانيته، وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه، والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته ويمحو الذنب الذي هو من شعب الشرك، فإن الذنوب كلها من شعب الشرك فالتوحيد يذهب أصل الشرك والاستغفار يمحو فروعه فأبلغ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله