[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الصلاةُ والسلامُ على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرَّةِ أعيننا محمَّد، بعثَهُ الله رحمةً للعالمين مبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنهِ وسراجًا وهَّاجًا وقمرًا منيرًا، فهدَى الله بهِ الأمَّةَ وكشَفَ بهِ عنها الغُمَّة فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائهِ.
وأشهدُ أنْ لا إلـه إلا الله الملكُ الحقُّ المبين، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا رسولُ الله الصادقُ الوعدِ الأمين، صلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ وعلى ءالهِ وصحبهِ الطيبين الطاهرين.
أما بعدُ أيها الأحبةُ المسلمون:
فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم، والسيرِ على خُطى رسولِهِ الكريم، يقولُ الله تَبَارَكَ وتعالى في القرءانِ الكريم:} إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا{[سورة التوبة].
إخوةَ الإيمان:
لَمَّا بُعِثَ رسولُ الله أي نزَلَ عليهِ الوحيُ أُمِرَ بالتبليغِ والإنذارِ بلا قتالٍ، وكانَ يدعو إلى الله جهرًا ويمرُّ بينَ العربِ المشركينَ حينَ كانوا يجتمعونَ في الموسمِ من نَوَاحٍ شتَّى ويقولُ: "أيُّها الناسُ قولوا لا إلـهَ إلا الله تُفلِحوا". ودعا النبيُّ إلى العدْلِ والإحسانِ ومكارمِ الأخلاقِ ونهى عنِ المنكر والبغي فآمَنَ بهِ بعضُ الناسِ كأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍ وبلالٍ وغيرِهم، وبقيَ على الكفرِ أكثرُ الناسِ، وصاروا يُؤذونَهُ وأصحابَهُ، فلمَّا اشتدَّ عليهمُ الأذى هاجرَ بعضُ أصحابِ النبيّ إلى الحبشةِ وكانوا نحوَ الثمانينَ، منهُم عثمانُ بنُ عفَّانَ وجعفرُ بنُ أبي طالبٍ، وكانَ رسولُ الله لقِيَ في الموسمِ نَفَرًا من أهلِ يثربَ من الخزرجِ فدعاهم إلى الإسلامِ فأسلموا، ثمَّ ازدادَ عددُهم في العامِ التالي فلمَّا انصرَفوا بعثَ معَهُم رسولُ الله ابنَ أمّ مكتومٍ ومُصعبَ بنَ عُمَيرٍ يُعلّمانِ الناسَ منْ أسلَمَ منهم القرءانَ، ويدعوانِ من لم يُسْلِمْ إلى الإسلامِ.
فلمَّا كثُرَ أنصارُ رسولِ الله بيثربَ أمر الله المسلمينَ بالهجرةِ إليها فخرجوا أَرْسالا، ثمَّ هاجرَ النبيُّ من مكةَ مَحَلِ ولادتهِ التي كانتْ أحَبَّ بلادِ الله إليهِ يتحمَّلُ المشاقَّ في سفرِهِ مَعَ أبي بكرٍ بعدَ أنْ أقامَ في مكةَ منذُ البِعثةِ ثلاثَ عَشْرةَ سنةً يدعو إلى التوحيدِ ونبذِ الشِرْكِ.
إخوةَ الإسلام:
لم تكن هجرةُ الرسولِ هرَبًا من المشركينَ ولا يأسًا من واقعِ الحالِ، ولم تكُنْ هجرتُهُ حُبًّا في الشُّهرةِ والجاهِ والسُّلطانِ، فقد ذهبَ إليهِ أشرافُ مكةَ وسادَاتُها وقالوا له: "إنْ كنتَ تريدُ بما جئتَ بهِ مالا جمعنا لكَ من أموالنا حتى تكونَ أكثرَنا مالا، وإنْ كنتَ تريدُ مُلكًا مَلَّكْناكَ إيَّاهُ".
ولكنَّ النبيَّ العظيمَ أسمى وأشرفُ من أنْ يكونَ مقصودَهُ الدنيا والجاهُ والسلطانُ.
ولم تكُنْ هجرتُهُ التماسًا للهدوءِ وطلَبًا للراحةِ، فهو يعلَمُ يقينًا أنها دعوةُ حقٍّ ورسالةُ هدى لا بُدَّ أنْ يُؤَديهَا كما أمرهُ الله؛ وهو لهذا يقولُ لعمِّهِ أبي طالبٍ حينَ أتاهُ يطلبُ منهُ الكفَّ عن التعرُّضِ لقومِهِ وما يعبُدونَ:
"والله يا عمُّ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أنْ أتركَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتى يُظهرَهُ الله سبحانَهُ وتعالى أو أَهلِكَ دونَهُ".
يا أحبابَ الحبيبِ:
لقد كانَ لهجرةِ الفاروقِ الذي فرَّقَ بينَ الحقِّ والباطلِ قِصَّةٌ شأنُها شأنُ كلّ قِصصهِ وأخبارهِ العَظيمةِ التي تدلُّ على حبّهِ لدينِ الله، واستبسالِهِ في سبيلِ الله، واستعدادهِ للموتِ في سبيلِ نُصْرةِ الحقّ. ذلكَ أنَّهُ عندما جاءَ دورُ سيدِنا عمَرَ بنِ الخطابِ قبلَ هجرةِ الرسولِ بسبعةِ أيامٍ، خرجَ مُهاجرًا وخَرجَ معهُ أربعونَ من المستضعفينَ جَمَعَهُم عمَرُ في وضْحِ النهارِ وامتشَقَ سيفَهُ وجاءَ دارَ الندوةِ وهو مكانٌ تجتمعُ فيهِ قريشٌ عادةً، فقالَ الفاروقُ عمَرُ لصناديدِ قُريشٍ بصوتٍ جَهيرٍ: "يا معشَرَ قُريشٍ، من أرادَ منكم أنْ تُفْصَلَ رأسُهُ أو تثكَلَهُ أمُّهُ أو تترمَّلَ امرأتُهُ أو يُيتَّمَ ولدُهُ أو تذهبَ نفسهُ فليتبعني وراءَ هذا الوادي فإنِّي مهاجرٌ إلى يثرِبَ" فما تجرَّأَ أحدٌ منهم أنْ يحولَ دونَهُ ودونَ الهجرةِ لأنهم يعلمونَ أنَّهُ ذو بأسٍ وقوَّةٍ، وأنَّهُ إذا قالَ فعَلَ.
وكانَ مشركو قريشٍ قد أجمَعوا أمرَهم على قتْلِ رسولِ الله، فجمعوا من كلّ قبيلةٍ رجلا جَلْدًا نَسيبًا وَسِيطًا ليضربوهُ ضربةَ رجلٍ واحدٍ حتى يتفرَّقَ دمُهُ في القبائلِ.
فأتى جِبريلُ رسولَ الله فأمرَهُ أنْ لا يبيتَ في مضْجَعهِ الذي كانَ يبيتُ فيهِ، وأخبرَهُ بمكرِ القومِ، فدعا الرسولُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ أنْ يَبيتَ على فراشِهِ و يتسجَّى بِبُرْدٍ لهُ أخضرَ، ففعَلَ ثم خرجَ رسولُ الله على القومِ وهم على بابِهِ ومَعَهُ حَفْنَةُ تُرابٍ، فجعَلَ يَذُرُّها على رؤوسِهِم، وأخَذَ الله عزَّ وجلَّ بأبصارِهم عن نبيّهِ، فلمَّا أصبحوا فإذا هم بِعَليّ بنِ أبي طالبٍ، فسألوهُ عنِ النبيّ فأخبرَهُم أنَّهُ خرجَ فركبوا في كلّ وجْهٍ يطلبونَهُ، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد سارَ مَع أبي بكرٍ حتى وصَلاَ إلى غارِ ثوْرٍ فدَخَلاهُ، وجاءتِ العنكبوتُ ونسَجَتْ على بابِهِ، وجاءت حمامةٌ فباضَتْ ورقَدَتْ، فلمَّا وصلتْ رجالُ قريشٍ إلى الغارِ قالَ أبو بكرٍ: يا رسولَ الله لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قدَميهِ لأبصَرَنا تحتَ قَدميهِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ الله ثالثُهما" وليسَ معنى ذلكَ أنَّ الله يسكنُ مَعَهُما في الغارِ، وإنَّما معناهُ أنَّ الله عالمٌ بهما وهو حافظٌ لهما، أي أنَّ عنايةَ الله مَعَهُما، فمن اعتقدَ أنَّ الله يسكنُ في مكانٍ فهذا قد جعلَ الله كالمخلوقِ، والذي يجعلُ الله كالمخلوقِ فقد كذَّبَ القرءانَ، ومن كذَّب القرءانَ لا يكونُ من المسلمين.
ولمَّا وصلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ المنوَّرةِ استقبَلَهُ المؤمنونَ بالفرَح، استبشَرَ الناسُ بقدومِ رسولِ الله، وسمَّى الرسولُ يثربَ المدينةَ المنوَّرةَ، وءاخى بينَ أهلِها أي الأنصارِ والمهاجرينَ، وبنى مسجدَهُ، وصارَ المسلمونَ عَلَى قَلْبِ رجلٍ واحدٍ لا يُفرِّقُ بينَهُم طمَعُ الدنيا ولا يُباعِدُ بينَهُم حَسَدٌ ولا ضَغينةٌ، مَثَلُهم كمَثَلِ البُنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضهُ بعضًا، ومثلُهم في توادِهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسَدِ الواحدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسّهَرِ والحُمَّى.
إخواني :
لقد كانتِ الهجرةُ إيذانًا بأنَّ صوْلةَ الباطلِ مهما عظُمَتْ وقُوَّتَهُ مهما بلغَتْ فمصيرُها إلى الزاولِ ونِهايتُها إلى الفشَلِ والبَوارِ، وإيذانًا بأنَّ الحقَّ لا بدَّ لهُ من يومٍ تُحَطَّمُ فيهِ الأغلالُ وتعلو فيهِ رايتُهُ وتَرتفِعُ كلمتُهُ، وكيفَ لا والله سبحانَهُ وتعالى قد وعدَ المؤمنينَ بالنَّصرِ المبينِ وجعلَ لهم من الشدةِ فرَجًا ومن العُسرِ يُسْرًا ومن الضيقِ سَعَةً؛ قالَ تعالى: }إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ{ [سورة غافر].
إنَّ الدروسَ المستفادةَ من الهجرةِ كثيرةٌ، ومن جُمْلَتِها ضرورةُ الصَّبرِ على الشدائِدِ والبلايا وكافةِ أنواعِ الظلمِ والاستبدادِ، والصمودُ في وجهِ الباطلِ، والثباتُ في ميدانِ الكفاحِ، والوقوفُ إلى جانبِ الحقّ في شجاعةٍ وحزْمٍ وصرامةٍ، وإنَّ بهجتنا بهذهِ الذكرى تمتزج بعزمنا على الاقتداء بصاحب الذكرى، والتمسك بهديه وعقيدته، والالتزام بشريعته، معلمين ومتعلمين، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو ءاية".
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الموفقين للثبات حتى الممات على مَحَجَّةِ الإسلام البيضاء.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ابوالطيب