هذه الكلمات عنون لها البروفسور "بول ديفيز" استاذ الفيزياء الرياضية في كتابه " الله والعقل والكون" في حديثه عن اهتمام العلم اليوم بدراسة فيزياء الجسيمات التي يرى العلماء فيها دلالة على وجود عوالم أخرى لامرئية يستدل عليها من الجسيمات التي تظهر وتختفي دون ان نشعر بها ويؤكد العلماء على ان لها دور لايقل عن اي جزء منظور في كوننا.
يقول ديفيز:"هناك شعور عام الى حد ما بين الفيزيائيين بأن كل شيء يوجد في الطبيعة يجب أن يكون له مكان أو دور كجزء من مخطط أكبر وانه لايتحتم على الطبيعة ان تنهمك بالكشف عن كيانات مجانية وانها يجب ان لاتكون تعسفية".
في مثل هذا الرأي الذي يقول ديفيز ان الفيزيائيين متفقين عليه من أن الطبيعة لايمكن أن تكشف للباحث عن كيانات لاهدف لها ولا غاية حجة بالغة على المنكرين لوجود الله فكيف لطبيعة ان تُنشأ بمحض الصدفة نظاما فائق الدقة من انفجار حدث لمرة واحدة ،فمن رتب لهذا ؟؟
سؤال طرحه أيضا الفيزيائي "ايزيدور راباي" لدى اكتشافه الجسيم "ميون" الذي يشابه الالكترون تقريبا لكن بكتله اكبر بـ 206.8 مرة والذي يتفكك بعد 1-2 ميكرو ثانية وهذا الجسيم لامرئي ولكن السؤال الذي طرحه راباي لماذا هذا الميون؟؟؟ لماذا تحتاج الطبيعة الى نوع آخر من الالكترونات من هذا النوع والتي تختفي فجأة؟؟ كيف ستختلف الطبيعة لو لم يوجد هذا الميون؟؟؟ وغيره من الجسيمات كجسيم" تاوون" الذي اكتشف عام 1974.أسئلة تحتاج الى البحث فيها حقا؟؟.
هذه الجسيمات التي يكشف عنها العلم ويسعى حثيثا للكشف عنها ودراسة سلوكها في مشاريع ضخمة وعملاقة لبناء مسرعات كالمسرع"CERN" أو المسرع "Superconducting Supercollider"في تكساس ويعرف باسم "المصادم الفائق ذا الناقلية الاسرعSSC" والذي تم ايقاف العمل فيه في عام 1993 لتكلفته الباهضة تاركين المسافة المحفورة لتمتلىء بالمياه على عمق 14 ميلا ويعلق الرياضي الأمريكي "جيمس تريفل" منزعجا على ايقاف العمل في هذا المشروع الضخم الذي كان من المرجح ان يكشف لنا عن اسرار تخفى علينا بالقول:" انني في أكثر اوقاتي كآبة أفكر في أن واحد من أكثر الاحلام الانسانية نبلا توقف عن طريق تحالف حفنة من السياسين وبضعة علماء ممن دفع به حسدهم الى الى سوء التقدير".ولكن السؤال يبقى ماذا قصد تريفل بسوء التقدير الذي دفع هؤلاء لايقاف العمل في مشروع الـSSC؟؟؟؟.
ربما لتكلفته الباهضة فعندما راح العلماء يشقون طريقهم نزولا عبر سلسلة من الصناديق داخل صناديق وجدوا صعوبة بالغة جدا، فالنوى تتكون من جسيمات اولية، وهذه الجسيمات تتكون من الكواركات وهي بدورها اولية اكثر،وعند كل مستوى جديد نحتاج الى مزيد من الطاقة لكي نتعلم حول طبيعة الجسيمات وأكثر بكثير من المال ،فمثلا تحطيم الذرات سهل في المصابيح الفلورية ولتحطيم النواة نحتاج الى ملايين الفولطات وملايين الدولارات وللوصول الى الجسمات الاولية نحتاج الى بلايين الفولطات وعشرات ملايين الدولارات ولدراسة الكواركات نحتاج الى ترليونات الفولتات ومئات الملايين من الدولارات والـSSC كان من المفروض ان يكون الخطوة التالية حيث صمم لكي يؤمن مئة تريليون فولط بكلفة تقارب عشرة بلايين دولار.
تلك الجسيمات اللامرئية مادورها العجيب والخطير في كوننا والذي سخر العلم للكشف عنها طاقات هائلة تصديقا لقوله تعالى" فلا أقسم بماتبصرون ومالاتبصرون" فقد اقسم الله بما لانبصر دلالة على عظم هذا الشيء الغائب عن ابصارنا ،فحتى في الفضاء الشاسع يتحدث العلماء عن ما اسموه جسيمات تظهر وتختفي تمتلك طاقات هائلة اسموها"Dark Energy" قادرة على تدمير كوننا ولكنها بطريقة معجزة سبب في توازنه .
يقول ديفيز: "ان عالم فيزياء الجسيمات أكثر شبها بأحجية الكلمات المتقاطعة ويعتبر كل اكتشاف جديد لغزا يجد حله في صلة رياضية جديدة ،وكلما زادت الاكتشافات اكتملت روابط التقاطع أثرا وبدأ طراز ظاهرة ما يبرز للوجود ويتضح للمرء وقد لايزال هناك حاليا عدد من الفراغات في "الكلمات المتاقطعة".
وعودا على سؤالنا وهو لما هذه الجسيمات التي تظهر وتختفي ومادورها؟؟ هل وضع العلم يده على سرها ، ان من يتتبع في مثل هذا الموضوع اقوال العلماء يجد ان الآراء ظنية حول وظيفتها وليست قطعية لكنهم مجمعون على وجود عوالم أخرى للجسيمات الاثر الاكبر فيها ، لكن لماذا ؟؟ وماهي الوظيفة سؤال تسمع حوله ظنون لا اجابات قاطعة.
وينقل" ديفيز" عن "جون بولكينغهورن" فيزيائي الجسيمات المختص قوله:"ليس لدي شك أن فهما أعمق سيتحقق مع مرور الزمن وسيكتشف عن نموذج أعمق على اساس العالم الفيزيائي".
" وما أؤتيتم من العلم الا قليلا" .
ان دراسة فيزياء الجسيمات تؤكد ان هناك عوالم أخرى غير منظورة، وكوننا هذا ماهو الا واحد من بين أكوان متعددة حيث يسمي العلماء كوننا بالكون "الابن" الذي ولد من كون اعظم منه فهو ليس سوى واحد من مجموعة أكوان مختلفة . وهذه الفكره حملها الفيزيائي السوفياتي "أندريه لند "وشاركه فيها الكثيرون.
ترى هل سيصور العلم في يوم من الايام عوالم أخرى ؟؟ هل سنجد العلم يقف الى جانب الدين جنبا الى جنب ؟؟ هل سيكون المستقبل هو مستقبل تديين العلم ؟؟ . إن علماء اليوم لايجدون مفرا من سيطرة الدين عليهم لما يكشف عنه البحث العلمي فهذا "فريد هويل" الفيزيائي البريطاني الشهير والمرشح لنيل جائزة نوبل عام 1983 يقول:" ثمة حقيقة فيها دائما مايثير،فبينما يدعي معظم العلماء انهم يتحاشون الدين الا انه يسيطر على تفكيرهم أكثر مما يسيطر على تفكير رجال الدين"..
بالامس واليوم كان الحديث عن هذا العالم المنظور وابداعه ودقة صنعته،واليوم يبدأ الحديث عن عالم غير منظور يسعى العلم لاثبات انه يؤثر في عالمنا هذا وعلى صلة وثيقة به وان كل شيء في مكانه بعيدا عن العبثية يقول ديفيز:"مشكلة الأجيال(يقصد في نظرية موحدة للجسيمات) ستحل خلال العقد القادم او نحو ذلك وان حلها سيقدم دليلا اضافيا واضحا على ان الطبيعة تلتزم حقا بالقاعدة"مكان لكل شيء وكل شيء في مكانه" ." "وكل شيء خلقناه بقدر".
لكن السؤال الذي يطرحه" ديفيز" لماذا نحن اصلا هنا موجودون وعلينا وحدنا ان تكتشف مثل هذا الاسرار ، لماذا نحن هنا؟؟ .
هل هي الصدفة من أوجدتنا؟؟ هل حقا كما يزعم المنكرون لوجود الله ؟؟ هل يستطيع عقل بشري في القرن الواحد والعشرين ان يقول بالصدفة كبديل عن الخلق؟؟ هناك في الصحراء انكر البدوي الذي لم يملك من العلم شيئا مثل هذا القول الاحمق وقال: "سماء ذات ابراج وارض ذات فجاج الا تدل على اللطيف الخبير" ، هذا الانسان الفقير في علمه يتساوى و عالم اليوم القابع في مختبره يقول ديفيز:"انني لا استطيع الاعتقاد ان وجودنا في هذا العالم مجرد مصادفة او خدعة من القدر او حادثة عرضية في التاريخ او مجرد ومضة طارئة في الدراما الكونية ،ان اشتراكنا وثيق جدا".
: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" .
مانريد قوله من هذا المقال هو ان العلم ان كان وصل الى مرحلة متقدمة جدا في مجالات مختلفة الا انه يبقى مقصرا في دراسة فيزياء الجسيمات والتي قد تفضي بنا الى نتائج غير متوقعة, ولكن السؤال هل سيخطو العلم خطوات شجاعة في هذا المضمار فعلى سبيل المثال المسرع "CERN" خصص لاكتشاف مايعرف بجسيم "هيغز" والذي بدأ العمل فيه عام 2008 .
لكن ماهي تلك العوالم التي من الممكن ان يكشف عنها العلم؟؟ هل عالم الجن مثلا؟؟ ام الملائكة؟؟؟ أم خلق آخر لانعلمه نستطيع ان نفهمه في قول الله:"ويخلق مالاتعلمون"؟؟.
نحن هنا لا نجزم بشيء إنما نريد ان نصل الى حقيقة واحدة وهي انه مهما ادعى العلم انه قادر على فك شيفرة هذا الكون فهذا أشبه بتلميذ يحاول أن يحل مسألة معقدة وضعها استاذ حاذق ، يتقدم اليه التلميذ بأفكاره التي يراها مقبولة ولكن استاذه وحده من يقرر صواب حلوله أو لا؟؟