منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
مرحباً بكم في منتدى الدكتورياسرعبدالله للتأصيل الإسلامي







منتدى الدكتور ياسر عبدالله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الدكتور ياسر عبدالله

إسلامـــــــي - تربـــــــــوي - تعليـــــــمي - إجتماعــــــي- تكنولوجـــــــي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ركائزالمجتمع المسلم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
علاءمحمدحسين خلف الله
عضو ملكي
عضو ملكي
علاءمحمدحسين خلف الله


عدد المساهمات : 1622
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
العمر : 43

ركائزالمجتمع المسلم Empty
مُساهمةموضوع: ركائزالمجتمع المسلم   ركائزالمجتمع المسلم Icon_minitimeالسبت 18 ديسمبر 2010 - 12:54

بقلم: خميس النقيب


شُغل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أول مستقره بالمدينة بوضع الدعائم التي لا بد منها لقيام رسالته، وبناء دولته، وتأمين دعوته وتتبين معالمها في:



1- صلة الأمة بالله.

2- صلة الأمة بعضها بالبعض الآخر.

3- صلة الأمة بالأجانب عنها، ممن لا يدينون دينها.



(1) صلة العبد بربه:

صلة العبودية الحقة تقوم على إفراد العبادة لله وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، والاعتقاد بأنه رب العالمين، وأنه الإله الحق، الذي يخلق ويرزق، ينفع ويضر، يحي ويميت، يعز ويزل، لا إله غيره، وتخشع له القلوب، وتتوجه له الأنفس، صلة مباشرة بين العبد وربه، لا سلطان لأحد عليها، ولا وساطة لأحد فيها، إذا توطدت وتعمقت، كان أول مظاهرها عند العبد ألا يذلَ إلا لله، ولا يستعن إلا بالله، ولا يتوجه إلا إلى الله، ولا يعمل إلا ابتغاء مرضات الله، وهذا ما أراده النبي عند وصوله المدينة أن يقوي صلة المسلم بربه.



أول عمل في الإسلام مسجد للصلاة:

لذلك كان أول عمل للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، هو بناء المسجد، ليقوي الصلة بين العبد وربه، فالصلاة صلة الأرض بالسماء، صلة المخلوق بالخالق، صلة المرزوق بالرازق، وكان البناء متواضعًا، سقفه من الجريد، وفرشه من الحصى، وأعمدته من جذوع النخل، إذا هبت الريح أخذت سقفه، وإذا أمطرت السماء أوحلت أرضه، وإذا تفلتت القطط عبثت فيه، ومع ذلك خرج عمالقة البشر، ومؤدبو الجبابرة، خرج صحابة رسول الله، أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان الحيي ذو النورين، وعلي بن أبي طالب رجل يحبه الله، وباب مدينة العلم، أبو عبيدة أمين الأمة، وابن عباس حَبر الأمة، خالد بن الوليد سيف الله، حمزة أسد الله، وغيرهم كثيرون رضوان الله عليهم جميعًا، تربوا في المسجد، فقادوا بحبهم لله، وسادوا بقربهم من الله.. وصدق الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾ (النور).



صلة قوية، صلة التطهر، صلة التقوى..!! ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ(108)﴾ (التوبة)، صلة من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين بأسره.. هي القمة "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" الإسلام.. الصلاة.. الجهاد.. كيف حال الأمة مع الثلاثة الآن؟ الحال أبلغ من المقال..!! إذا أصيب المرء في عموده الفقري– اللهم اشف كل مريض– هل يستطيع أن يتحرك؟ كذلك إذا أصيبت الأمة في الصلاة لا تقم لها قائمة..!! وإلا ماذا تصف حال الأمة الآن؟ المصاحف تشكو الله هجرها، والمساجد تشكو الله قلة عُمارها، السَّحر يئن من قلة الساجدين، والإسلام يئن من قلة العاملين!!



إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة الصلاة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة قال الرب انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".



والصلة هي صيانة!! الإنسان أعقد آلة تدب على الأرض، يحتاج صيانة، ويتطلب رعاية، من يأتي بصيانته؟ ومن يتولى رعايته؟ ومن يحسن صياغته؟ إنه الله ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)﴾ (الملك).. كيف..؟! عن طريق الصلاة ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ (العنكبوت)، إنها صيانة المؤمن، فلا يمشي في الطريق غير السوي، لا يلبي نداء الشيطان، ولا يستجيب لرغبات النفس وأهوائها، ولا ينساق لشهوات الدنيا ورغباتها، ولا يبغي مع البغاة، ولا يفسد مع الفاسدين، ولا يظلم مع الظالمين، إنما يتعلم من حبيبه صلى الله عليه وسلم، أن يتبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، وأن يسجد لله في الأرض، ويقول كما قال "سجد وجهي للذي خلقه بقدرته، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين".



صلة هي مصدر للقوة النفسية والروحية والبدنية: العبد تعتريه شدائد، تلفه هموم، تحيطه ضوائق يتعرض في حياته لكثير من الصعاب، قوى الشر، عناصر الفساد، دنيا تغره، ونفس تنازعه، وشيطان يضله، ومؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، والإنسان بطبعه ضعيف لا يستطيع وحده أن يقاوم عناصر الشر وقوى الفساد، فإذا لجا إلى ربه، يتبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، يستمد منه الحول والقوة، ويطلب منه العون والكفاية، ويرجو منه الحفظ والرعاية، وعندها تتضاءل أمامه قوى الشر مهما عظمت، وتنهزم له عناصر الفساد مهما كثرت، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول أرحنا بها يا بلال، وذلك معنى قول الله ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ (البقرة: من الآية 45).



والصلاة تطهر النفس وتزكيها، تنمي فيها الخضوع والخشوع والمراقبة لله عزَّ وجلَّ.. يقول الله عزَّ وجلَّ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ (العنكبوت).



صلة هي قوة في حالات الضعف..!! الأمة في حالات الاستضعاف تحتاج إلى معين، لتستعيد عافيتها، وتنهض من كبوتها، وتترسم طريقها، وليس هناك معين أفضل من الصلاة، والقرب من الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾ (البقرة)، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند الكعبة، فجاءه الملعون أبو جهل- وكم من أبو جهل الآن- روى الإمام أحمد والبخاري عن ابن عباس قال: يجب أن لا ينفك المؤمن عن هذه الصلة: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو فعل ذلك لأخذته الملائكة عيانًا" وفي رواية عنه قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد.. ماذا فعل النبي؟ أيمتثل لأمر الطغاة الذين يصدون عن سبيل الله؟ كلا..! إنما جاءه الأمر من الله عزَّ وجلَّ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾ (العلق)، لا تطعه يا محمد، لكن اقترب من ربك عن طريق الصلاة، ومن لا يقترب يبتعد، ومن لا يخشع لا يقترب، ومن لا يزيد إيمانه ينقص، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾، وأمر الله صحابة رسول الله ﴿كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ (النساء: من الآية 77)، وكما قيل لبني إسرائيل في مجابهة فرعون ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)﴾ (يونس).. وما أكثر الفراعنة الذين يصدون عن سبيل الله.. وما أحوجنا إلى إقامة الصلاة، وأدائها والحفاظ عليها.



قم إلى الصلاة مهما تكن الظروف: الصلاة لا تسقط أبدًا.. في السلم والحرب، في السفر والمقام، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في القوة والضعف، لا تسقط الصلاة أبدًا.. لماذا؟ لأنها إذا سقطت فقد وهت صلتك بالله، أنت في حاجة إلى الله في كل أحوالك، أنت فقير تحتاج إلى غني، أنت ضعيف تحتاج إلى قوة، أنت ذليل تحتاج إلى عزة، أنت غني تحتاج إلى هادٍ لتصرف غناك في طاعته.. وهل هناك أغنى وأقوى وأعز من الله؟ ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)﴾ (آل عمران).. أما إذا وهت صلتك بالله فأنت لا قيمة لك، بل أنت في مهب الريح ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ(31)﴾ (الحج).



عن أنس أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال "أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال "أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال "أيكم المتكلم" بها، فإنه لم يقل بأسًا، فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها، فقال "لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها"، رواه مسلم، وفي رواية البخاري: عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده، فقال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه فلما انصرف قال "من المتكلم آنفًا"؟ قال أنا، قال "رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول" صحيح رواه البخاري.



فلتقل ما تشاء ولتدعو ما تشاء هذه هي الصلاة يقف الناس بين يدي ربهم يخشعون له، ويخضعون له ويتجهون له، لا لشرقي أو غربي، لا لأحمر ولا لأبيض، لا لذهب ولا لفضة، وإنما فقط لله عز وجل.



وأداء الصلاة ولد أيضًا في المدينة: لما فرضت الصلاة احتاج المسلمون إلى النداء للصلاة، كيف؟!! عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: بل قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة" رواه أحمد والبخاري.



وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به الناس في الجمع للصلاة. وفي رواية، وهو كاره لموافقته للنصارى، طاف بي، وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده. فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ماذا تصنع به؟ قال: فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت له: بلى. قال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"، ثم استأخر غير بعيد ثم قال: "تقول إذا أقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله". فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت. فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك"، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع بذلك عمر، وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أرى. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والترمذي وقال: حسن صحيح رواه أبو داود وابن ماجه.



صلة حتى الموت

وفي نفس مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة، يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاة الفجر، يدخل المسجد، تقام الصلاة، يتقدم عمر ويسوي الصفوف، يكبر فما هو إلا أن كبر حتى تقدم إليه المجرم أبو لؤلؤة المجوسي فيطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدي، أما الصحابة الذين خلف عمر فذهلوا، وسقط في أيديهم أمام هذا المنظر المؤلم، وأما من كان في خلف الصفوف في آخر المسجد فلم يدروا ما الخبر، فما إن فقدوا صوت عمر رفعوا أصواتهم: سبحان الله، سبحان الله. ولكن لا مجيب يتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فيقدمه فيصلي بالناس . يحمل الفاروق إلى بيته، فيغشى عليه حتى يسفر الصبح. اجتمع الصحابة عند رأسه فأرادوا أن يفزعوه بشيء ليفيق من غشيته نظروا فتذكروا أن قلب عمر معلق بالصلاة فقال بعضهم: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة . فصاحوا عند رأسه: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة . فانتبه من غشيته وقال: الصلاة والله ثم قال لابن عباس: أصلى الناس؟. قال: نعم .قال عمر: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى وإن جرحه لينزف دمًا، هكذا أيها الأحبة كان حالهم مع الصلاة، هكذا أيها الأحبة كان حالهم مع الصلاة . حتى في أحلك الظروف، بل وحتى وهم يفارقون الحياة في سكرات الموت.



في سكرات الموت يقول النبي الكريم: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم"، عن علي رضي الله عنه قال كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم "الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم". إن الصلاة أقوي صلة بين العبد وربه، فإذا أحسن العبد هذه الصلة، فقد وضع يده علي كنز من القوة لا ينفد، وعلي معين من الأنس لا ينضب، وعلى مدد من الرحمة لا ينقطع، ومن أجل هذا كانت الصلاة أول فرائض الدين، وأكثرها دورانًا مع الليل والنهار!!



2- صلة المسلم بأخيه المسلم:

الإخوة في الله.. حياة الروح، وروح الحياة، بصر العين، وعين البصيرة، منارة الدنيا ونور الآخرة، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر قال: "إن عبدًا خيرَّه الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده"، فقال أبو بكر: فَدَيْنَاك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله عن عبدٍ خيرَّه الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال: فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن من أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وقال الشيخ الألباني: صحيح.



استقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، بعد رحلةٍ تاريخية عُرفَت بالهجرة، وعندما وصل إلى هناك أسَّسَ للمجتمع الإسلامي الصحيح الذي يجابه الأعداء، ويؤاخي الأصدقاء، ويتعبَّد بذلك لرب الأرض والسماء، فبنى صلى الله عليه وسلم أول مسجدٍ في قباء، ثم جلس ثلاثة أيام ثم رحل إلى المدينة، فبنى مسجده الذي يُعرف إلى اليوم بالمسجد النبوي الشريف، فأرسى هناك قواعد الإيمان، وشرع أسس الإسلام، واستقبل من ربه وحي القرآن، فعاش لله وفي الله، ثم أسس الأخوة في الله، ما أجملها مع مرور الأيام، وتعدد الأجيال، وتغير الأحوال..! الأخوة في الله، منحة قدسية، ونفحة إلهية، وإشراقة روحية، يقذفها الله في قلوب الأصفياء من عباده، والأولياء من جنده، والأتقياء من خلقه، والمخلصين من حزبه: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال)، الأخوة التي عزَّت الآن على البلاد والعباد، والتي تلاشت أو كادت أن تتلاشى من مجتمعات تدين بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.



عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومَن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومَن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار" (متفق عليه).



للإيمان حلاوة وللإيمان طعم وللإيمان مذاق، وهذا لن يكون إلا بالأخوة في الله عزَّ وجلَّ، إن تحب أخاك في الله حتى ولو كان في أقاصي الدنيا، أن تحب أخاك في الإسلام حتى ولو لم تعرفه، أن تحب أخاك في الإسلام حتى ولو كان بينك وبينه بحار وأنهار وأشجار..!!



"الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" تحقيق الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2768 في صحيح الجامع.



كان ابن السماك يقول وهو يجود بنفسه، مستقبلاً آخرته مقبلاً على ربه، مودعًا دنياه: يا رب أنت تعلم أني كنت أعصيك لكني كنت أحب من يطيعك فاجعلها قُرْبَة لي عندك يا رب العالمين..!!، حب الطائعين طريق لمغفرة الذنوب وستر العيوب وكشف الكروب وسكينة القلوب..!! كان يحب الطائعين ويتقرب إلى ربه بهذه الفضيلة حتى ولو كان عاصيًا.



قال يحيى بن معاذ- رضي الله عنه- "ليكن نصيب المؤمن منك ثلاث: إذا لم تفرحه فلا تحزنه، وإذا لم تمدحه فلا تذمه، وإذا لم تنفعه فلا تضره.. آخى النبي بين المسلمين أخوين أخوين حتى كان أحدهم يرث الآخر حتى نزل القرآن ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)﴾ (الأنفال)، كان الرجل يقسم بيته وماله بينه وبين أخيه، بل ويؤثر أخيه بزوجته..!! أخوة فريدة، ملحمة خالدة، وتاريخ مجيد..!!.



دخلت أم مسلمة على ابنها فوجدته مهمومًا حزينًا، فقالت له: لماذا أنت حزين يا بني؟! هل مات مسلم بالصين..؟! وهي لا تعرف الصين ولا أهل الصين لكنها الأخوة، إنها تعلم ولدها كيف يحب في الله من وراء البحار والأنهار، أن هناك رجلاً يقول لا إله إلا الله..!!.



لذلك أقام رسول الله صلى الله المجتمع الإسلامي في المدينة على الأخوة فكانت ركيزةً أساسيةً من ركائز الدولة في الإسلام، وهناك نزل القرآن على قلب رسول الله يشرح هذا المعنى وينميه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ (الحجرات) إذْ لا أخوةَ بدون إيمانٍ ولا إيمان بدون أخوة، ويقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة).



وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ثم شبَّك بين أصابعه" (متفق عليه)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (صححه الألباني).



وهذا الذي أراده النبي حين استقرَّ بالمدينة فأقام مجتمعًا فريدًا مثاليًّا، ناصب الأعداء بالحُبِّ والمودة والإخاء؛ حيث آخى النبي بين المهاجرين والأنصار رغم أنهم حديثو عهدٍ بالإسلام، انصهرت أرواحهم في بوتقةٍ واحدة، حتى كان الأخ يقول لأخيه يا أنا، وأعطوا أمثلةً نادرةً في الأخوة، كانوا يحبون بعضهم بعضًا إلى درجة الانصهار، وكانوا يعطفون على بعضهم بعضًا إلى درجة الإيثار.



أخوة الإسلام ما أجملها..!! أخوة الدين ما أفضلها..!! أخوة العقيدة ما أحسنها..!! روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك، فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟، فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن!! ثم تابع الغدو.. ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم: "مَهْيَمْ"؟ قال: تزوجتُ، قال: كم سقتَ إليها". قال: نواة من ذهب!.



وإعجاب المرء بسماحة "سعد" لا يعدله إلا إعجابه بنبل عبد الرحمن، هذا الذي زاحم اليهود في سوقهم، وبزَّهم في ميدانهم، واستطاع- بعد أيام- أن يكسب ما يعفُّ به نفسه ويحصن به فرجه!! إن علو الهمة من خلائق الإيمان؛ وقبَّح الله وجوه أقوام انتسبوا إلى الإسلام فأكلوه، وأكلوا به حتى أضاعوا كرامة الحق في هذا العالم.



وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم الأخ الأكبر لهذه الجماعة المؤمنة، لم يتميز عنهم بلقب إعظام خاص، وفي الحديث: "لو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام أفضل".



الأخوة الإسلامية ركيزة الأمة الواحدة:

"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَة مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" "متفق عليه؛ لذلك كان الإيثار عنوان هذا المجتمع.



عن أبي هريرة أن رجلاً من الأنصار بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نوِّمي الصبية وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك، فنزلت هذه الآية ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: من الآية 9) هذا حديث حسن صحيح، قال الترمذي: حسن صحيح.. وقال الشيخ الألباني: صحيح.



(3) صلة المسلم بغير المسلم:

وهي صلة الأمة بالأجانب عنها الذين لا يدينون بدينها، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سنَّ في ذلك قوانين، ووضع بنودًا تقوم على حُسن الجوار، وعلى العفو والصفح التي لم تعهد في عالم مَليء بالتعصب والتعالي، والذي يظن أن الإسلام دين لا يقبل جوار دين آخر، وأن المسلمين قوم لا يستريحون إلا إذا انفردوا في العالم بالبقاء والتسلُّط مخطئ بل متحامل!.



عندما جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وجد بها يهودًا متواطئين ومشركين مستنفرين، فلم يتجه فكره إلى الإبعاد أو المصادرة والخصام، بل قَبِلَ- عن طيب خاطر- وجود اليهود والوثنية، وعرض على الفريقين أن يعاهدهم معاهدة الند للند، على أن لهم دينهم وله دينه.



بعض بنود المعاهدة:

- أن المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة.



- وأن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى ظلمًا، أو إثمًا، أو عدوانًا، أو فسادًا بين المؤمنين.



- أن أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم!!.



- أنه لا يجيرُ مشركٌ مالاً لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن.



- أنه لا يحل لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا ولا يؤويه.



وأنه من نصره أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.



- أن ليهود بني النجار والحارث وساعدة وبني جشم وبني الأوس.. إلخ، مثل ما ليهود بني عوف، وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.



- وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.



- أن مَن خرج آمن، ومن قعد بالمدينة آمن، إلا من ظلم وأثم.



- أن الله جار لِمَن بر واتقى".



وهذه الوثيقة تنطق برغبة المسلمين في التعاون الخالص مع يهود المدينة؛ لنشر السكينة في ربوعها، والضرب على أيدي العادين ومدبري الفتن أيًّا كان دينهم.



وقد نصت بوضوح على أن حرية الدين مكفولة، فكانت الحرية مقدَّسة عند المسلمين منذ اللحظة الأولى لبناء الدولة..!!.



فليس هناك أدنى تفكير في محاربة طائفة أو إكراه مستضعف، بل تكاتفت العبارات في هذه المعاهدة على نصرة المظلوم، وحماية الجار، ورعاية الحقوق الخاصة والعامة، واستنزل تأييد الله على أبر ما فيها وأنقاه، كما استنزل غضبه على مَنْ يخون ويغش.



واتفق المسلمون واليهود على الدفاع عن يثرب إذا هاجمها عدو، وأقرت حرية الخروج من المدينة لِمَن يبتغي تركها، والقعود فيها لِمَن يحفظ حرمتها.



ويلاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المعاهدة أشار إلى العداوة القائمة بين المسلمين ومشركي مكة، وأعلن رفضه الحاسم لموالاتهم، وحرَّم إسداء أي عون لهم، وهل ينتظر إلا هذا الموقف من قوم لا تزال جروحهم تقطر دمًا لبغي قريش وأحلافها عليهم؟
وكان المتوقع أن يرحب اليهود بالإسلام، فإذا لم يرحبوا به فليكونوا أبطأ من الوثنيين في مخاصمته، فإن محمدًا (صلَّى الله عليه وسلم) يدعو إلى توحيد الله، وإصلاح العمل، والاستعداد لحياة أرقى في الدار الآخرة، والدين الذي جاء به وقّرره موسى وأعلى شأنه، ونوّه بكتابه، وطلب من اليهود أن ينفِّذوا أحكامه، ويلزموا حدوده، لكن اليهود أنكروا النبوة وعاندوا..!!: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)﴾ (الرعد).



غير أنك تُدهش، إذ تجد الجرأة على الله، والنفور من أحكامه، ووصفه بما لا يليق شائعة بين اليهود، شيوعها بين المشركين!.



فإذا غضب الإسلام على مَن ينسب إلى الله ولدًا بشرًا أو حجرًا، فماذا ترى فيمن يصف رب السموات والأرض بالفقر والبخل؟: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)﴾ (المائدة).. وكذلك: ﴿َقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)﴾ (آل عمران)، على أن الإسلام يدع أولئك في ضلالهم، فلا يستأصل كفرهم بالسيف، ويكتفي بأن يعلن دعوته، ويكشف حقيقته، ويملأ الجو بآياته ومعالمه.



فمن استراح إليها فدخل فيها؛ فبها ونعْمَتْ، وإلا فهو وشأنه، ولا يطالبه الإسلام بشيء إلا الأدب والمسالمة، وترك الحق يسير من غير عائق أو نكير.



ولقد جاء رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى المدينة فمد يده إلى اليهود مصافحًا، وتحمَّل الأذى مسامحًا، حتى إذا رآهم مجمعين على التنكيل به ومحو دينه، استدار إليهم.. (من فقه السيرة للغزالي رحمه الله).



وهكذا أُسس المجتمع المدني على تقوى الله والإخلاص له، فدعَّما الناحية الروحية في هذا المجتمع الجديد، وبالإخاء الحق تماسك بنيانه وتوثقت أركانه، وبالعدل والمساواة والتعاون رُسمت سياسة الأجانب وعومل أتباع الأديان الأخرى.



ومن ثَمَّ استقرَّت الأوضاع، ووجد المسلمون متسعًا لتجديد قواهم وترتيب شئونهم.



اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نفيسة ابوضيف
مشرف سابق
مشرف سابق
نفيسة ابوضيف


عدد المساهمات : 1049
تاريخ التسجيل : 01/06/2010

ركائزالمجتمع المسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ركائزالمجتمع المسلم   ركائزالمجتمع المسلم Icon_minitimeالخميس 23 ديسمبر 2010 - 21:54

امين يارب العالمين

جميل هذا الطرح الرائع

بارك الله فيك وجعله فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ركائزالمجتمع المسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اشياء تهم المسلم
» منتديات كنز المسلم
» من أخلاق المسلم
» كتاب حصن المسلم كاملاً
» صفات الفرد المسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الدكتور ياسر عبدالله :: العلوم الدينية :: العلوم الدينية :: علوم السيرة النبوية-
انتقل الى: