أهمية الذكرى ومحاسبة النفس

بقلم محمد فتحي النادي

قد يطرأ على الإنسان في مراحل حياته تغيرات، قد لا يشعر بها ولكنها موجودة بالفعل، وهذه التغيرات قد تكون للأحسن أو للأسوأ فتغير من ملامح حياته ومن تكويناته النفسية، ومن حسن فطانة العقل ورجاحته أن يكون دائم المراجعة لنفسه؛ ليقف على مداخلها ومخارجها، ويعرف دهاليزها ودروبها، وبذلك يكون قد أمسك بناصيتها فلا تفوت عليه شاردة ولا واردة.

قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) ([1]) قال الطبري: "القول في تأويل قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله من خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ( إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ) يقول: إذا ألمَّ بهم طيف من الشيطان من غضب، أو غيره مما يصد عن واجب حق الله عليهم تذكروا عقاب الله وثوابه ووعده ووعيده، وأبصروا الحق فعملوا به، وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم وتركوا فيه طاعة الشيطان.

وأما قوله: (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) فإنه يعني: فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه، فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان، كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان"([2]).

والأيام التي تمر على النفس وهي في حالة جيدة يجب أن تُراجع وتُدرس بعناية، حتى إذا أصابها الملل أو شعرت بشيء من الانتكاس عادت فقومت اعوجاجها، وهذا هو جمال الذكرى واستيحاء الماضي، فهو سراج منير في غياهب ودياجير الظلام.

والماضي له عطر وشذى خاص، بل له حلاوة لا يعرفها إلا مَن حرمها، ومن الخطأ الكبير ألا يكون الإنسان ذا حساسية مرهفة لماضيه، يعود إليه وقت الأزمات ولحظة التقلبات.

وهذه ليست دعوة للانغلاق على النفس، والعيش في ظلال ماضٍ اندثر وباد، ولكنها دعوة للتجدد والنهضة من الكبوات.

فهو يأخذ من ماضيه الجميل قبسًا يستضيء به لمستقبله. فمرحبًا بإنسان ذي عواطف جياشة متدفقة في عصر مادي نسي فيه نفسه، واهتم أو انشغل بالحياة المادية التي لم تزده إلا قسوة وغلظة.

وهذا هو سر المحاسبة للنفس حتى لا يترك الحبل على الغارب فتتوه فتندم ولات ساعة مندم، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل".([3])

فهذا "الكيس" هو العاقل المتبصر في الأمور، الناظر في العواقب، الذي يقمع نفسه ويحاسبها ويذلها ويستعبدها ويقهرها حتى تصير مطيعة منقادة.([4])

وهذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال في خطبة له: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا يوم تعرضون لا يخفى منكم خافية، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على مَن حاسب نفسه في الدنيا"([5]).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) الأعراف:201.

([2]) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري، تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ، (9/157،159).

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه، (4/280)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(2) انظر: الإمام الحافظ أبو العاى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ضبطه وراجع أصوله وصححه عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، (7/156).

([5] ) انظر: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، مصنف ابن أبي شيبة،تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، طبعة أولى، 1409هـ،(7/96)، ومحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (4/638).

بارك الله فيك وجزاك الله الف خير....

بارك الله فيك فحقا لا يستطيع الانسان ان يعيش بلا ماض فمن ليس له ماضي ليس له حاضر

بارك الله فيكم موضوع جميل